Site icon IMLebanon

منطقة اليورو بحاجة إلى إجراءات تمنع ترسخ الانكماش

EURO-REGION
فولفجانج مونشاو

الانكماش في منطقة اليورو ليس له علاقة بسعر النفط. سببه هو سلسلة من أخطاء السياسة الاقتصادية والنقدية على مدى أعوام عدة – زيادة أسعار الفائدة في عام 2011، وعدم اتخاذ إجراءات مناسبة عندما انخفضت معدلات التضخم إلى أدنى مستوياتها في عام 2013، ومتابعة سياسة التقشف في فترة الركود.

لو أن البنك المركزي الأوروبي كان قد حقق هدفه للتضخم المحدد بأنه “قريب، لكن أقل من 2 في المائة”، لكان انهيار أسعار النفط غير مؤذ. وكان معدل التضخم على الأغلب سينخفض من 2 في المائة إلى 1 في المائة. ولكان محافظو البنوك المركزية محقّين في تجاهله. لكن إذا بدأت بمعدل قريب من صفر، فإنك ستحصل على الانكماش.

قبل عام كان يُقال إن منطقة اليورو على بُعد صدمة واحدة فقط عن الانكماش. لكن منذ ذلك الحين، حصلنا على اثنتين: العدوان الروسي ضد أوكرانيا والانخفاض في أسعار النفط. الصدمات تحدث. والانخفاض في أسعار النفط الخام عادةً ما يكون حميداً بالنسبة للدول المستوردة للنفط بشكل تام مثل منطقة اليورو.

لكن ينبغي الحذر من آثار الجولة الثانية، تلك التي تأتي متأخرة. هناك بالفعل علامات تشير إلى أن مفاوضي الأجور في ألمانيا يضعون هدف البنك المركزي الأوروبي للتضخم البالغ 2 في المائة في معادلاتهم للأجور. ويغلب عليهم أن يحسبوا الزيادات من خلال الجمع بين هدف البنك المركزي الأوروبي للتضخم البالغ 2 في المائة وجزء من الزيادة في الإنتاجية الألمانية. لكن مع ثبات معدل التضخم عند صفر، لا يبقى في المعادلة سوى الإنتاجية، التي أيضاً لم تسجل نموا بنسبة كبيرة. إذا انخفضت توقعات التضخم، كذلك تفعل زيادات الأجور.

أليسون ماندرا، من شركة بروجيل الاستشارية ـ مقرها بروكسل ـ حسبت أن الأجور الاسمية في ألمانيا ارتفعت بنسبة 2.4 في المائة في عام 2014. هذا، للأسف، أفضل ما وصلت إليه. الإشارات المبكرة من جولة الأجور لعام 2015 تُشير إلى أن زيادات الأجور تتجه إلى مستويات أدنى مرة أخرى.

الشركات الألمانية تتصرف بعقلانية تماماً. التضخم في منطقة اليورو أصبح سلبياً أخيرا. والعوائد على السندات الألمانية – أسعار فائدة سلبية على السندات لأجل عامين – تُخبرك بأن المساهمين يتوقعون أن يكون التضخم قريبا من الصفر لفترة طويلة. فلماذا ينبغي لمفاوضي أجور الشركات توقع أي شيء غير ذلك؟

معدل التضخم المنخفض يؤدي إلى اعتدال الأجور، التي بدروها تؤثر بطريقة سلبية في التضخم في المستقبل. في الوقت الذي يخرج فيه تأثير أسعار النفط من مؤشر التضخم – بعد نحو 12 شهراً – فإن جولة أجور عام 2015 ستجعل معدلات التضخم تنخفض أكثر.

ماذا يعني هذا السيناريو بالنسبة للسياسة الاقتصادية والنقدية؟ من المرجح جداً أن يصوت البنك المركزي الأوروبي الآن لمصلحة برنامج التسهيل الكمي – عملية شراء السندات السيادية – عندما يلتقي في 22 من كانون الثاني (يناير) الجاري.

توقعاتي هي أن برنامج التسهيل الكمي سيفشل لعدة أسباب.

حجم المشتريات ربما لا يكون كبيراً بما فيه الكفاية. ببساطة قد لا ينجح أيضاً في اقتصاد مع سوق رأسمالية أصغر ونظام مختلف لتمويل الإسكان، مقارنة بالولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، حيث كان برنامج التسهيل الكمي فعّالاً لأنه حقق الاستقرار في قطاع الإسكان. البديل الأسوأ على الإطلاق لبرنامج التسهيل الكمي، حالياً قيد المناقشة، هو برنامج يشتري بموجبه كل بنك مركزي وطني سندات حكوماته الخاصة، الأمر الذي سيكون فعلياً نهاية السياسة النقدية الموحدة. إذا حدث هذا، فستتمنى لو أنك لم تطلب برنامج التسهيل الكمي في المقام الأول.

ماذا تبقّى غير ذلك؟ أداة السياسة النقدية الأكثر تطرفاً، المتاحة، ستكون عملية كلاسيكية لضخ النقود للمستهلكين، كما اقترح الاقتصاديان جون مويلباور ووليم بويتر. يقترح البروفيسور مويلباور دفع مبلغ متواضع يبلغ 500 يورو من البنك المركزي الأوروبي لكل مواطن أو مُقيم، لكن لا يوجد سبب يمنع دفع مبلغ أعلى إذا كنت فعلاً ترغب في خلق التضخم. دفعة تبلغ عشرة آلاف يورو لكل مواطن ستُترجم إلى ثلاثة تريليونات يورو، سيكون حجمها معادلا لحجم برنامج التسهيل الكمي في بريطانيا. عملية ضخ الأموال قد تنجح، لكن للأسف، أخشى أن يكون ذلك أمرا خارقا للعادة على نحو يفوق الاستيعاب العقلي في القارة الأوروبية.

الاحتمال الأكثر واقعية قليلاً سيكون الجمع بين برنامج التسهيل الكمي، وتحفيز خارجي من النفط، ودفعة من المالية العامة. وقواعد المالية العامة في منطقة اليورو لا تترك كثيرا من المجال من أجل زيادة في الإنفاق العادي، أو تخفيض الضرائب. لكن القواعد المالية العامة مرنة بما فيه الكفاية لتسمح للبلدان بالتعامل مع الحالات الطارئة. بعد الهجمات الإرهابية الأسبوع الماضي في باريس، سيكون ممكناً ومناسباً على حد سواء لرئيس فرنسا، فرانسوا هولاند، وغيره من القادة الأوروبيين اللجوء إلى ظروف استثنائية من أجل دفعة مالية تتعلق بالإنفاق على الأمن الداخلي – بدون تعويض المدّخرات أو زيادة الضرائب. إذا لم يكُن الإرهاب سبباً للقيام بذلك، فماذا غيره؟

ويظل أفضل أمل الآن أمام منطقة اليورو هو برنامج طموح من التسهيل الكمي، وأن يكون سعر النفط إيجابيا على الاستهلاك والاستثمار، وارتفاع الإنفاق من المالية العامة. من الممكن أن ينجح هذا الترتيب، لكن بالكاد.

استنادا إلى التجارب السابقة مع تنسيق السياسة النقدية والاقتصادية في منطقة اليورو، ونظرا لغياب الشعور بالإلحاح لدى صناع السياسة، فإن احتمالات النجاح ليست قوية. السيناريو الأساسي الذي أرى أنه سيستمر هو الركود طويل الأمد. لقد كررنا كل خطأ ارتكبته اليابان في التسعينيات – ثم أضفنا بعض الأخطاء من عندنا. إنها لمأساة أن التاريخ الاقتصادي ليس له شعبية، أو قبول لدى صناع السياسة الأوروبيين. هذا هو السبب الحقيقي في عودة الانكماش.