Site icon IMLebanon

البعد عن المخاطر أنجع استثمار في الوقت الراهن

StockRisk
جون أوثرز

هل الاحتياطي الفيدرالي يملك التاريخ دليلا له؟ قال البنك المركزي الأكثر قوة في العالم إنه يريد أن يرفع أسعار الفائدة هذا العام، بعد ستة أعوام بقيت فيها عند مستوى الصفر.

نحن نعرف لماذا يريد الإقدام على ذلك. يخشى كثير من الناس أن السياسة النقدية منذ أزمة ليمان عام 2008 أدت إلى تشويه الأسواق والاقتصاد. هذه كانت تدابير لظروف استثنائية، وبطبيعة الحال يريد البنك العودة إلى الوضع الطبيعي.

لكن المستثمرين في حاجة ماسة لبقاء أسعار الفائدة منخفضة، ويأخذون أي دليل على أن رفعها سيتم تأجيله ذريعة لشراء الأسهم.

ثلاث مرات، في ثلاثة أشهر، تم بيع الأسهم العالمية بكميات كبيرة للتخلص منها، لكنها انتعشت مرة أخرى بناءً على تلميح من الاحتياطي الفيدرالي. في تشرين الأول (أكتوبر) تم إنهاء تصحيح بنسبة 10 في المائة تقريباً، عندما قال جيمس بولارد، من الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، إن برنامج التسهيل الكمي لشراء السندات، التابع للاحتياطي الفيدرالي، المُصمم لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، قد يستمر. في كانون الأول (ديسمبر)، بعد تصحيح بنسبة 5 في المائة، الإعلان من الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه العادي أنه سيكون “صبوراً” بانتظار أسعار الفائدة لترتفع، أثار انتعاشاً آخر. الأسبوع الماضي، بعد أن بدأ العام الجديد بعملية تصفية أخرى، أدى نشر محاضر ذلك الاجتماع، التي يبدو أنها استبعدت زيادة في أسعار الفائدة في وقت قريب مثل نيسان (أبريل)، مرة أخرى إلى انتعاش.

صورة السوق التي لا تزال بحاجة ماسة إلى الأموال السهلة، وغير المستقرة بشأن احتمال أي زيادة في أسعار الفائدة، هي مثيرة للقلق بصورة كبيرة.

لكن البورصة ينبغي ألا تكون مصدر القلق الرئيسي بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، الذي تم تكليفه بمهمة السيطرة على معدل التضخم وتعزيز العمالة الكاملة. على هذا الأساس، معدل التضخم منخفض جداً، وينخفض أكثر، وقد أوضح الاحتياطي الفيدرالي أنه يريد تجنّب الانكماش الصريح – الذي يعمل نظرياً على ردع المستهلكين عن الشراء، بما أنه يمكن شراء السلع بسعر أرخص في وقت لاحق.

انخفاض معدل التضخم يعود في جزء كبير منه إلى انخفاض أسعار النفط، التي يصفها الاحتياطي الفيدرالي بأنها “مؤقتة”. لكن هناك ما هو أكثر من ذلك، يتعلق بالخوف من الانكماش. توقع سوق السندات لمعدل التضخم خلال خمسة أعوام يتراجع أيضاً، في حين أن منطقة اليورو – التي سقطت في الانكماش، وفقاً لبيانات رسمية الأسبوع الماضي – كانت تشهد حشد المخاوف من الانكماش منذ عدة أشهر.

هناك أيضا معدل البطالة. أحدث البيانات، عن شهر كانون الأول (ديسمبر)، تُظهر أن معدل البطالة انخفض إلى 5.6 في المائة، وهو الأدنى منذ ما قبل أزمة ليمان. بعد كل واحدة من فترات الركود الثلاث السابقة في الولايات المتحدة، كان الاحتياطي الفيدرالي يزيد أسعار الفائدة في الوقت الذي يصل فيه معدل البطالة إلى هذا المستوى. لكن الأمر الآن ليس واضحاً على هذا النحو. لقد تراجع نمو الأرباح السنوية – المُراقب كثيراً – إلى 1.7 في المائة، مُظهراً غياب الضغوط التضخمية، (وعدم وجود أي سبب لابتهاج الاقتصاد العام). ونسبة الأمريكيين الذين يبحثون عن عمل عادت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق.

إذن، يمكن أن نجد بيانات تدعم تقريباً أية حركة لأسعار الفائدة. وهذا يُشير إلى ضرورة النظر إلى التاريخ. لكن حتى ذلك يعتبر إشكالياً. التاريخ يمكن استخدامه وإساءة هذا الاستخدام – السوابق المختلفة لها مضامين مختلفة.

لنأخذ اثنين من الكتب الممتازة التي تم نشرها أخيرا – “قاعة المرايا” تأليف باري إيشينجرين، و”الكساد المنسي” تأليف جيمس جرانت. الكتاب الأول يُغطي فترة الكساد العظيم الذي بدأ عام 1929، والأخير يُغطي فترة الكساد السابقة لعام 1921. أحدهما يُشير إلى أن أسعار الفائدة ينبغي أن تبقى كما هي، والآخر يُشير إلى أنها يجب أن ترتفع.

ينظر إيشينجرين إلى فترة الكساد العظيم ويقول إن الدروس الرئيسية قد تم تعلّمها.

لقد تم تخفيض أسعار الفائدة، وعمل الإنفاق التحفيزي على ملء الفجوة، وأعيدت رسملة المصارف، ونتيجة لذلك أزمة ليمان أدت فقط إلى الكساد العظيم، وليس إلى ركود آخر.

وهو يُشير إلى أن على الاحتياطي الفيدرالي تجنّب الغلطة التي ارتكبها في عام 1937، عندما رفع أسعار الفائدة في وقت سابق لأوانه وإثر فترة ركود جديدة. وحتى يصبح واضحاً أن مساهمة القوة العاملة والأرباح تزيدان، فإن زيادة أسعار الفائدة لن تستحق المجازفة.

الآثار المترتبة على واقعة عام 1921 التي غطاها جرانت في كتابه هي عكس ذلك تماماً. فهو يجادل بأن ذلك الركود “صحح نفسه”.

بعد طفرة تضخم وجيزة ما بعد الحرب، سُمِح للأسعار بأن تنخفض – تقريباً تماماً بالقدر الذي هبطت به في بداية فترة الكساد العظيم – بالقدر الذي كانت عليه الأجور. وبعد جرعة وحشية من البطالة، تم استئناف النمو في غضون 18 شهراً. وفترة العشرينيات الرائعة تلت ذلك.

لقد كان الانكماش هو آلية السوق التي سمحت للاقتصاد بأن يجد نقطة الاشتعال. وفي الوقت نفسه، عندما ضرب الركود التالي، حاول المسؤولون التأكد من أن الأجور لم تنخفض – وهو تدخُّلٌ أدى إلى رفع معدل البطالة. على تلك القراءة، فإن أسعار الفائدة المرتفعة من شأنها أن تجلب انضباطا جيدا، والانكماش ليس بالشيء الذي يُخشى.

ما الأمر الواضح؟ ربما هناك أمران. الأول، أن عمل البنك المركزي صعب. والآخر، أن هذا الأمر يحوطه اللبس إلى حد كبير بالنسبة للمستثمرين، وبالتالي يجدر بهم عدم الدخول في مخاطر جديدة.