IMLebanon

معالجة النفايات: محاصصة أم سوق تنافسية؟

LebanonWastesSukleen
فادي عبود
تابعت موضوع النفايات في لبنان مذ كنت رئيسا لجمعية الصناعيين. هذا الموضوع صناعي بامتياز، ولن يُعالَج على النحو الصحيح اذا لم يُنظر اليه من منظار صناعي بحت. ولا سيما أن موضوع التدوير يجب ان يُنظَر اليه كصناعة ناشئة تتناسب مع الافضلية التنافسية والتفاضلية، وقد تكون واعدة كصناعة تصديرية للمنطقة والعالم! في لبنان تحول هذا الموضوع الى مادة للمزايدات السياسية. نرفض النظر الى تجارب الدول الاخرى للوصول الى حل فعال بكلفة واضرار بيئية اقل.

ما زلنا نصر على حجب اعيننا عن اي تطور او حلول فاعلة اعتمدتها الدول الاخرى. نصر على استيراد المشاكل السياسية والصراعات الاقليمية فقط، ونرفض استيراد الحلول الفاعلة والتقنيات المتطورة وتطبيق ما جرى اختباره واثبت فاعليته، بل نصر على استنباط حلول جديدة غريبة وعجيبة. اي مراقب يعرف جيدا ان الاختراعات اللبنانية هي من باب التقاسم والمحاصصات، وان كل موضوع في لبنان تجري عرقلته ان لم يراع شروط المحاصصة، والدليل الاوضح على ذلك عمليات التنقيب، وعمليات استيراد الغاز المسيل، وموضوع الكهرباء. نلاحظ ان كل العراقيل تُزال وتُحل بسحر ساحر بالمحاصصة، ويصبح كل طرف راضيا عن حصته. الدول الاوروبية مثلا، اعتمدت حلولا لمعالجة تنافسية وفعالة للنفايات، فيما يصر البعض في لبنان على دفع اغلى سعر لمعالجة النفايات في العالم، يتخطى 140 دولارا للطن الواحد:
اولاً، كل منطقة من المناطق بحاجة لتأمين أرض تُجري عليها عمليات الفرز والمعالجة، وذلك لتسهيل عمليات المناقصات والمزايدات مستقبلاً، فاستعمال الاراضي التي يملكها القطاع العام من قبل الشركات الخاصة يسهل حتما عملية التلزيم. ان عمليات الفرز بحد ذاتها هي عمليات مربحة، ومن قال ان النفايات كنز يدرك جيدا ما يمكن استخراجه منها، مثلا طن عبوات الماء الزجاجية يصل سعره الى اكثر من 300 دولار للطن الواحد، وطن البوليستيرين والبولي اتيلان والبولي بروبيلان تصل اسعارهما ايضاً الى حوالي 350 دولاراً للطن، اما المعادن كعبوات الالمنيوم المعتمدة للمشروبات الغازية، فيصل سعر الطن منها الى اكثر من 1500 دولار، وكل المعادن الأخرى قابلة للتدوير كذلك الاخشاب والورق والزجاج الخ. كذلك التسبيخ، اي معالجة النفايات العضوية وتحويلها الى اسمدة للاستخدام الزراعي، فاذا كان التسبيخ صحيحا، يمكن استخراج اسمدة بنوعية صحيحة، وهذه اسعارها عالمية. المراقب يعرف جيدا اننا ما زلنا نستورد الاسمدة العضوية من الخارج، فيما التسبيخ المحترف ينتج اسمدة لها سوق في لبنان والخارج.

لا يوجد في العالم اليوم مطامر من دون مقابل الا في الصحارى

الموضوع الشاغل للبنانيين هو موضوع المطامر. لا يوجد في العالم اليوم مطامر من دون مقابل الا في الدول التي تعتمد الطمر من دون فرز في الصحارى والاماكن غير المسكونة، وهذا مستحيل في بلد مثل لبنان. نحن نتكلم عن المطامر التي تُجرى فيها معالجة ما يجب طمره (مثل مطمر الناعمة) او المحارق وهي افضل الحلول في ظروف لبنان. نتكلم هنا عن محارق بمواصفات والمعايير المعتمدة في اوروبا. بالفعل بدأ القطاع الخاص في بعض المصانع بحرق النفايات لتوليد الكهرباء او تسخين الافران (صناعة الترابة مثلاً).
الحل المعتمد عالمياً يبقى في تلزيم المطامر والمحارق للقطاع الخاص مقابل بدل، حيث يُفرز ما يمكن فرزه وبيعه ومعالجة النفايات الاخرى عبر الطمر او الحرق. يُفترض فتح المجال للشركات الخاصة لتتنافس على تقديم افضل الخدمات باسعار تنافسية، وفتح المجال امام من يريد معالجة نفاياته باختيار السعر الافضل، وهذا لا يجري على الطريقة اللبنانية بالحصرية والمحاصصة. عندها تلجأ الشركات التي التزمت المعالجة والفرز الى التملص من النفايات التي لا سوق لها من خلال شركات الحرق او الطمر، وبما ان هذه الشركات ستدفع سعرا للحرق او الطمر ستحاول تسهيل عمليات التدوير وحتى دفع مبالغ مقابل التدوير لمصانع التدوير من اجل تجنب دفع كلفة الطمر والحرق، وهذا يخلق صناعات جديدة واعدة.
منذ عام 2006 ابتدعنا العديد من الخطط، وصلت المشاريع الموضوعة الى حدود 15 الف صفحة، كنا نضطر في حكومة سعد الحريري الى ادخال الملفات على «كراجة» لدرسها. اليوم تضاعفت هذه المشاريع ولكننا نراوح مكاننا. لم نلجأ الى المقارنة بدول اخرى اثبتت نجاحا في موضوع النفايات.
في الخلاصة، ان كل اتحاد بلديات (او محافظة) يجب ان يؤمن قطعة ارض للمعالجة. بعدها تجري مناقصات شفافة لاشراك اكبر عدد من شركات القطاع الخاص. تُقدم الارض للشركة الفائزة، المعالجة هنا تعني جمع الزبالة وفرزها لبيع ما يمكن بيعه، وحرق او طمر ما لا يمكن بيعه عن طريق شركات القطاع الخاص التي امنت مطامر ومحارق حسب المواصفات العالمية، وبالتالي يجب الا يتعدى كلفة الطن 40 دولارا، لان الشركة التي ستجمع ستستفيد من بيع النفايات، اما ما لا تستطيع بيعه فتذهب به الى المطامر والمحارق المملوكة من القطاع الخاص، وتدفع اكلاف التخلص من البقايا بحسب الاسعار التنافسية المطروحة.
هذه خارطة اولية واساسية للطريق. ان تشجيع التنافس والربح من خلال النفايات سيشجع الشركات الخاصة للعمل بحرفية ومهنية عالية وذلك لتحقيق اكبر قدر من الارباح من معالجة النفايات، فيجرى فرز حقيقي، وتسبيخ محترف، ذلك سيخفف النتائج السلبية على البيئة اللبنانية، لانه اذا حصل الفرز الصحيح للنفايات واعادة تدويرها ستنخفض نسبة النفايات المطمورة او المحروقة، ما يحدث اليوم هو العكس، اذ ان الاهمال والتراخي في عملية المعالجة والفرز، يسبب نتائج كارثية على البيئة، وهو ما لم يعد يتحمله لبنان. حتى اننا في بعض الاحيان نعيد طمر المواد المسبخة مما يعدّ هدرا للمال والوقت.
اما بالنسبة إلى اطلاق المناقصات من مجلس الانماء والاعمار بناء على التقسيم الجديد، وفق دفتر الشروط المعد، لن يؤدي الى النتيجة المطلوبة والى التنافسية والاسعار المعقولة، بل سيؤدي الى محاصصة مناطقية، معروف سلفاً من سيفوز بها، والارجح ستكون الشركة الحالية هي المؤهلة اكثر من غيرها حسب دفتر الشروط المعتمد. وان غدا لناظره قريب. وبالتالي فان كل ما ذكرناه اعلاه يجب ان يكون جزءا من دفتر الشروط الجديد، والا فلن تؤدي الخطة الى حل، الجدير ذكره انه من حكومة الرئيس سعد الحريري وبعدها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لم يبحث مجلس الانماء والاعمار دفتر الشروط بالرغم من تكليف الحكومتين إياه.