تميل أسواق النفط في الوقت الحاضر لمصلحة المستهلكين، وعلى ما يبدو أن هذا الوضع سوف يستمر خلال عام 2015 وربما بعده. في وقت تبدو فيه منظمة أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية وحلفائها في منطقة الخليج العربي مصممة أكثر من أي وقت مضى على عدم التخلي عن حصتها في أسواق النفط العالمية لمصلحة المنتجين من خارج المنظمة. هذا يعني أن الانخفاض الحاد في الأسعار ليس مجرد تصحيح مؤقت، واستمرار تخمة الإمدادات لفترة طويلة قد يسهم في تراكم مخزون كبير من شأنه أن يضغط على الأسعار لفترة طويلة قادمة.
سوف تكون دورة الاستثمار الهبوطية الجديدة لصناعة النفط، مع كل ما تنطوي عليه من ضغوط وتحديات، مختلفة عن تلك التي حدثت من قبل. لكن بعد فترة طويلة من ارتفاع الأسعار، هناك الكثير من الفرص أمام الشركات لخفض التكاليف، وللصناعة النفطية باع طويل في خفض الإنفاق لحماية الأرباح وتحسين الكفاءة. لكن العملية ستكون قاسية على جميع الأطراف المعنية، الاستثمارات المستقبلية هي الضحية الأكبر. سوف تكون الصناعة النفطية التي ستنبثق من هذا الوضع مختلفة بشكل كبير جدا عن تلك التي نشأت خلال عقد من ارتفاع الأسعار.
يحمل الوضع الحالي لأسواق النفط العالمية بين طياته بعض التشابه الظاهري لحالة الأسواق التي سادت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، عندما حدث تغيير جذري في سياسة “أوبك” خصوصا المملكة العربية السعودية بهدف رفع حصتها في الأسواق بغض النظر عن تأثيرات الأسعار، ما أدى إلى ظهور فائض كبير جدا في الإمدادات استمر بشكل أو بآخر على مدى عشر سنوات وأكثر. ولكن هذا الفائض كان أكبر وأكثر تعقيدا من الفائض الآن. في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كان الفائض في الطاقات أكثر اتساعا وتقريبا في جميع سلسلة الإمدادات (طاقات “أوبك” الاحتياطية، المصافي والنقل) ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى تفاقم الفائض نتيجة الانخفاض الكبير في الطلب على النفط. في حين في الوقت الحاضر، على الرغم من أن نمو الطلب بطيء، إلا أنه لا يزال إيجابيا، من المؤكد سوف يرتفع مع انتعاش النشاط الاقتصادي العالمي وانخفاض أسعار النفط. الوضع الحالي حتى أقل تشابها من انهيار الأسعار في عام 1998 أو 2008، تلك كانت بسبب نقص الطلب، التي عولجت بقيام منظمة أوبك بخفض إنتاجها، في حين أن ما يحدث الآن هو في المقام الأول نتيجة لإمدادات جديدة من موارد الصخر الزيتي.
المجهول الأكثر أهمية في المعادلة الحالية هو إمدادات النفط غير التقليدية من الصخر الزيتي، التي سوف يتم اختبار مدى مقاومتها لانكماش الأسعار. تختلف نظم العمل في تشكيلات الصخر الزيتي عن معظم إنتاج النفط التقليدي، حيث إن فترات التطوير القصيرة والتكاليف الرأسمالية المتواضعة نسبيا يجعل من السهل إيقاف العمل فيه استجابة لاقتصاديات السوق. هذه الميزة تعمل لمصلحة الاستجابة السريعة لهبوط أسعار النفط، وقد يكون إنتاج الصخر الزيتي أكثر مرونة ما يتوقع الكثيرون.
من الطبيعي سوف يتأثر إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، الذي تجاوز 3.5 مليون برميل في اليوم، من الانكماش الحالي في أسعار النفط، ولكن تجربة أسواق الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة قد تكون مفيدة لتقييم هذا التأثير. لقد شهدت الولايات المتحدة ارتفاعا كبيرا في إمدادات الغاز الصخري باستخدام نهج وتقنيات إنتاج الصخر الزيتي نفسه، لكن على الرغم من الانخفاض الحاد في أسعار الغاز الطبيعي التي واجهتها في عامي 2009 و2010 وتراجع عمليات الحفر بصورة كبيرة، استمر إنتاج الغاز في الارتفاع باطراد حيث ركزت الشركات على تحسين الكفاءة، تحويل عملياتها إلى التشكيلات الأكثر جودة وخفض التكاليف. تتمتع موارد الصخر الزيتي إلى حد ما بالقدرة نفسها على التكيف، لكن من الصعب جدا معرفة ما إذا كان سوف تثبت المقاومة نفسها مثل الغاز الصخري.
من الصعب جدا التنبؤ كيف ومتى سوف يستجيب إنتاج الصخر الزيتي لانخفاض الأسعار، ما قد يكون له تأثير كبير على أسواق النفط العالمية. لكي تستعيد أسواق النفط توازنها، يحتاج المنتجين إلى خفض إنتاجهم بصورة كبيرة إلى حد ما، تراوح معظم التقديرات بين 1.0 و2.0 مليون برميل في اليوم. التهديد الكبير من كل هذا الفائض في الإمدادات هو النمو المحتمل في مخزونات النفط العالمية في الأشهر الستة المقبلة أو نحو ذلك.
من شأن هذا الفائض الكبير في مخزونات النفط العالمية أن يطيل فترة الضغوط التنازلية على الأسعار، ما قد يتطلب إجراء تخفيضات أكبر في الإمدادات لتحقيق التوازن. في ظل الأسواق الحالية، من المتوقع أن يصل الفائض في المخزون خلال النصف الأول من عام 2015 إلى 2.0 مليون برميل في اليوم، أو ما مجموعه 360 مليون برميل إضافية من مخزونات النفط الخام، التي قد تنمو أكثر إذا ما استمر الفائض في الإمدادات بعد شهر حزيران (يونيو).
في الوقت الحاضر، مخزونات النفط الخام العالمية هي بالفعل أعلى بأكثر من 125 مليون برميل عما كانت عليه قبل عام، لذلك تراكم المخزون الإضافي خلال النصف الأول من عام 2015 سوف يضاعف فائض المخزون بأكثر من ثلاث مرات. هذا من شأنه إيجاد فائض في المخزون يحتاج إلى أكثر من 16 شهرا لاستنزافه، على افتراض أن إنتاج النفط العالمي سوف ينخفض بنحو مليون برميل في اليوم دون المستوى المطلوب لتحقيق التوازن مع الطلب العالمي. من المرجح جدا وصول فائض المخزون إلى هذا المستوى، حيث يستجيب المنتجون بصورة بطيئة لانخفاض الأسعار في الأشهر المقبلة، ما يعني أن الأسواق سوف تحتاج إلى فترة طويلة لتحقيق التوازن قد تمتد إلى جزء كبير من عام 2016.