كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:
تنعقد الجولة الثالثة من حوار المستقبل ـ حزب الله في عين التينة اليوم في ظل أجواء مريحة بعدما أثبت الحوار جدواه وأرخى بظلاله على مجمل الوضع العام، وكان عاملا مساعدا في حصر تداعيات تفجير جبل محسن وفي إنجاز عملية تحرير سجن رومية من دون ضجة وخسائر، وسيظل الحوار قابعا في «المربع الأمني» لتحقيق مزيد من الاختراقات الإيجابية ولإقفال مزيد من الثغرات الأمنية الخطيرة التي حددها الوزير نهاد المشنوق لأكثر من مرة في مربع أمني خطير يمتد بين جرود عرسال وبريتال ومخيم عين الحلوة وسجن رومية.
ولما كان ملف سجن رومية حسم بطريقة فاجأت الجميع، وكان ملف جرود عرسال مرتبطا بالأزمة السورية وتعقيداتها وامتداداتها اللبنانية التي وضعت كلها خارج طاولة الحوار، فإن الأنظار تتجه في تحديد الخطوة التالية الى منطقة البقاع الشمالي ومحورها الرئيسي بريتال والخطة الأمنية التي ستطبق فيها، أسوة بالخطة التي طبقت في طرابلس، ومخيم عين الحلوة الذي يكاد يكون الفجوة الأمنية الباقية في الخارطة اللبنانية المثقوبة بالبؤر والخلايا النائمة، وما توافر من أجواء ومعطيات يشير الى الآتي:
1 ـ القرار السياسي بشأن خطة بريتال والبقاع الشمالي متخذ ويبقى التوقيت وتحديد ساعة الصفر من قبل وزير الداخلية والسلطات الأمنية والعسكرية.
وسيجدد وفد حزب الله تأكيد التزامه برفع الغطاء السياسي عن أي مخل بالأمن على الساحة البقاعية ودعوته الدولة للقيام بدورها كاملا لإنهاء الوضع الشاذ الذي لم يعد يحتمل ووضع حد نهائي لعمليات الخطف والابتزاز المالي والسرقات وجرائم المخدرات والقتل، ويرى حزب الله أن له مصلحة في ضبط الوضع الأمني في البقاع الشمالي خصوصا، كما في كل المناطق اللبنانية، لأن ذلك يخفف عنه الأعباء ويحصن الجبهة الداخلية ويريح الأجواء العامة.
2 ـ الأنظار تتجه الى مخيم عين الحلوة الذي بات يصنف مصدر الخطر رقم واحد على الأمن والاستقرار، فهذا المخيم تحول الى مأوى للإرهابيين والمطلوبين والمتوارين، وشكل قاعدة انطلاق لعمليات تفجير جديدة ازدادت احتمالاتها في الفترة الأخيرة، وكان انفجار جبل محسن أول الغيث فيها.
وما لفت أن مخيم عين الحلوة شهد الاعتراض الميداني الأبرز على عملية سجن رومية وسجل فيه ظهور مسلح لـ«جند الشام» و«فتح الإسلام» وإقفال طرق رئيسية.
لكن معالجة الوضع في المخيم لا يعني حكما أن عين الحلوة سيكون نهر بارد آخر لأن ظروفه ومعطياته مختلفة تماما ووضعه محاط بتعقيدات واعتبارات كثيرة تستلزم حسابات خاصة ومتأنية.
مخيم عين الحلوة هو أكبر مخيم فلسطيني في لبنان وشديد الاكتظاظ سكانيا وتسوده انقسامات وتعددية مرجعيات ورؤوس وسط تراجع حاد في سيطرة «فتح» وصعود النفوذ الإسلامي.
كما أنه على تداخل وتشابك جغرافي وديموغرافي مع صيدا، ومداخل المخيم من جهة التعمير والطوارئ، يتواجد فيها لبنانيون، كما أن المخيم يشكل جزءا لا يتجزأ من أمن صيدا وتاليا من أمن الجنوب، وأي تدهور أمني فيه يخرج عن السيطرة سيقود الى ثلاث نتائج فورية: توتير الوضع في صيدا وإذكاء عامل الفتنة المذهبية، وانقطاع طريق الجنوب الشيعي، وانقطاع تواصل «اليونيفيل» مع العاصمة بيروت.
ولأن ملف مخيم عين الحلوة شائك ومعقد، فإن الدخول الى عمقه باقتحام أو توغل عسكري على طريقة «نهر البارد» مسألة غير مطروحة، والبديل هو «عملية جراحية» موضعية محدودة عند أطراف المخيم (التعمير والطوارئ)، حيث تتمركز التنظيمات الإسلامية، على أن تتم هذه العملية بمواكبة من قوى المخيم وفصائله وتنسيق أمني معها بعدما أعطيت هذه الفصائل أكثر من فرصة لتتولى وحدها أمر تفكيك المجموعات والخلايا المتطرفة وتسليم المطلوبين ولم تفلح في القيام بهذه المهمة.