كتب أيمن جزيني
أطل أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله عبر شاشة “الميادين” الأحب إلى قلبه، والتي يتوسل بها جمهوره الأوسع من رقعة الضاحية الجنوبية مهدداً إسرائيل بما يفيد أنها بقضها وقضيضها ، ليس ذات حيثية لتنال من لبنان أو حتى لتقف بوجه قبضة مرفوعة أو سبابة منذرة.
السيد نصرالله على جري عادته: يطل متكئاً على فائض قوة. يبث المعنويات ومشاعر القوة التي تفيض عن لبنان ، وحتى عن دول عدة في المنطقة. وسبب قدرته يكمن في كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزبه المنصور على طول الخط. يزف الى اللبنانيين بخطاب عذب ولسان ذرب حيازة أسلحة طويلة المدى منذ العام 2006.
في حديثه يومئ ولا يفصح عن حجم قوته، وهذا قد يكون من حسن الفطن لجهة عدم الكشف عن حجم القوة، لكن في المقلب الآخر من كلامه يقول للبنانيين الذين لا يتابعونه ولا يبايعونه أميناً على الدماء:لا قيمة لما تقولون وما تقولون عن بناء الدولة وحصر قراري الحرب والسلم بهيئاتها، فأنتم لستم جيشاً وهذا البلد لمن يملك فيه السلاح وتستطيعون قول ما شئتم، لكن قولكم لن يقابله إلا الإزدراء، وفي حال فشل حفلات الحوار المتنقلة لا يعود أمامكم إلا تلقي نصال التخوين.
ليس إبداعاً وتجديداً انه بات واضحاً لشدة ما تكرر في هذا الإطار، أن “حزب الله” لا يريد شركاء في الوطن، ويسعى إلى فرض هيمنة عارمة على اللبنانيين ومهمتهم هي النهوض بـ “اقتصاد مقاومة” ولو متعثر، انما يكفيه منعة أنه مماثل لذلك القائم في جمهورية إيران.
المتأمل في مسارات “حزب الله” المتشعبة والمتنقلة مع الحدود عند فلسطين المحتلة وصلاً إلى العراق ، ومروراً بسوريا من دون نسيان التهويل على مملكة البحرين، يرى بوضوح أن هذه القوة العرية التي يعتمدها في تقرير سياساته، ماضية من دون وعي إلى الإصطدام بجدار العالم برمته.
والمثير في سلوكه أيضاً أنه لا يسعى إلى عقد تسويات براغماتية مع مكونات الاجتماع اللبناني، والتي لطالما اتسم بها عندما تخلى في تسعينيات القرن الماضي عن الرئيس سليم الحص وعن النائب اليساري حبيب صادق، لصالح خريطة انتخابية للبرلمان اللبناني رسمتها الهيمنة السورية ونفذها جميع المتسورنين من بلاد الأرز.
في كل الأحوال ، قد يكون مناسباً أن يضيف المرء إلى تهديدات السيد وقوته، تذكيرا لـ “حزب الله” ومناصريه بواقع الحال الذي هم عليه. ففي حرب “النصر الإلهي” من تموز العام 2006 احتلت الدولة العبرية اجواءنا وبحرنا في ساعات، كما انها هجرت مئات الآلاف ممن يصمون الآذان بـ “فداء المقاومة وسيدها” لكن من ملاجئ بيروت والشمال التي اختبؤا فيها. وللتذكير أيضاً لم يكن عند الحزب آنذاك لا خيل ولا مال ليهديها، وحتى نطق مفوهيه لم يسعف الحال. كل ما فعله هو ارسال كوادر مراقبة على النازحين للحؤول بينهم وبين وسائل الإعلام.
“حزب الله” قوة نمت في العتمة، ويحسب انه يستطيع هزيمة العالم وقلب موازينه. والأرجح أن جل قادته لا يستمعون إلى ما يجري على الضفة الجنوبية للحدود اللبنانية، ولن يأخذوا إلى محاذير المغامرة، بل من باب النكاية توعد بالرد على الغارات الإسرائيلية على سوريا.
الوقائع تحسم بأن “الحزب” يسلك مسالك جمهوريتيه المفضلتين: سوريا وإيران واللتان تحسبان أن التعاطي مع الدول كما الشعوب تحسمه كثرة التهويل الإعلامي وبعض الحديد والنار. لكن مقتل هذا السلوك يكمن في أن اللبنانيين ، ومنهم الشيعة ليسوا طوع بنانه، ومحاولاته المتراكمة لتطويع البلد أهلا ومؤسسات لن تفضي إلا إلى مزيد من اليأس، حتى يبدأ اللبنانيون بنهش بعضهم البعض. فحين يكون المستقبل هو الجحيم لا يعود أي شيء كافياً للجم السقوط.