بالعودة إلى الوراء، العلامات كانت تُنذر بالسوء. في اليوم الذي عادت فيه اليونان إلى الأسواق الدولية في نيسان (أبريل) من عام 2014، فجّر النشطاء سيارة ملغومة خارج البنك المركزي في أثينا.
لم يُصب أحد بأذى لكن الانفجار اعتبر بمثابة رد على بيع سندات الحكومة المصدرة حديثاً، بقيم تبلغ مليارات اليوروات، واحتجاجاً على استمرار القيود المفروضة على اليونان، كجزء من عملية إنقاذها بمليارات اليوروات من الدائنين الدوليين.
ديون اليونان الآن تساوي 177 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، وهو مستوى يعتبره كثير من مختصي الاقتصاد غير قابل للاستدامة. عدم شعبية برنامج التقشف الضخم اللازم لخدمته دفع حزب سيريزا اليساري المتطرف (الذي وعد بإعادة هيكلة الديون) إلى المركز الأول قبل الانتخابات المبكرة المقرر عقدها في السادس والعشرين من كانون الثاني (يناير) الجاري.
وفقاً للموقع التحليلي اليوناني ماكروبوليس، فإن نحو نصف إجمالي القروض المُقدّمة إلى أثنيا من منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي منذ عملية إنقاذ البلاد في عام 2010 كانت تُستخدم لتسديد الديون. يقول حزب سيريزا “إنه يريد أن يتم شطب على الأقل ثُلث إجمالي ديون اليونان”، لكن لا يزال عليه توضيح كيف سيتم هذا وفي نفس الوقت البقاء في منطقة اليورو، مشيراً إلى أنه سينفذ التزامات السندات التي يحتفظ بها المساهمون من القطاع الخاص.
في الواقع، لقد وافق وزراء المالية في منطقة اليورو في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2012، على النظر في مزيد من تخفيف عبء الديون عن اليونان بمجرد أن تصل إلى فائض في الميزانية قبل دفعات الفوائد، الأمر الذي فعلته على مدى العامين الماضيين، وطالما كانت تلتزم بوعودها في سياسة التقشف والإصلاح.
ما مدى النطاق الموجود لتقليص عبء الديون عن اليونان؟
غزوات العام الماضي على أسواق الائتمان سمحت للبلاد بالاقتراض بأسعار فائدة تقل عن 5 في المائة، لكن أسعار الفوائد المترتبة على اليونان ارتفعت في الأسابيع الأخيرة مع نمو المخاوف بشأن البلاد.
في الصيف الماضي، كانت الحكومة اليونانية قادرة على اقتراض الأموال لأجل ثلاثة أعوام بسعر فائدة يبلغ 3.5 في المائة. الآن، سعر الفائدة على السندات لأجل ثلاثة أعوام هو 13.5 في المائة.
سندات اليونان التي يحتفظ بها المساهمون من القطاع الخاص قد تم استبدالها بشكل كبير بسندات القطاع الرسمي، وعودة أثينا إلى الأسواق كانت قصيرة: حيث خسرت إمكانية الوصول في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، الأمر الذي عرقل الخطط لمزيد من الإصدارات.
اليونان تخلّصت من نحو 30 مليار يورو من السندات الجديدة في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2012، ضمن خطة إعادة شراء تم الاتفاق عليها مع المصارف الدولية التي أدت إلى تخفيض عبء ديون البلاد بنحو 20 مليار يورو، لكنها لا تزال تحتفظ بالجزء الأكبر من السندات قصيرة الأجل، البالغة نحو 15 مليار يورو كسندات خزانة، التي تتم إعادة استثمارها في مزادات شهرية.
من المعروف أن المصارف الكبرى الأربعة في اليونان عمدت إلى إصدارات جديدة للسندات بقيمة ملياري يورو، وسندات جديدة أخرى بقيمة أربعة إلى خمسة مليارات يورو تم إنشاؤها بعد مبادلة السندات في عام 2012.
في المجموع، يحتفظ المساهمون في القطاع الخاص بأقل من 15 في المائة من عبء ديون البلاد. ومن هؤلاء مستثمرون مثل “كابيتال جروب” التي تحتفظ بسندات تمت إعادة هيكلتها، وشركات إدارة الصناديق مثل كارمينياك جستيون التي شاركت في عملية بيع سندات جديدة، فضلاً عن مساهمين يحتفظون بسندات قانونية دولية ورفضوا المشاركة بعملية مبادلة السندات.
نحو ثلاثة أرباع السندات في القطاع العام، أو نحو 270 مليار يورو مما مجموعه 317 مليار يورو، يحتفظ بها القطاع الرسمي: صندوق إنقاذ منطقة اليورو لتسهيل الاستقرار المالي الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، وذلك وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي.
من بين الـ 270 مليار يورو، التخلّف عن سداد مبلغ 24 مليار يورو المستحقة لصندوق النقد الدولي تُعتبر من المحرمات المُطلقة، حتى من قِبل حزب سيريزا.
هناك نحو 54 مليار يورو مُستحقة للبنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية الوطنية. البنك المركزي الأوروبي غير قادر على تقديم أي إعفاء، لأنه قد يشكل التمويل النقدي غير المشروع للحكومات الوطنية. على أي حال، تلك القروض هي أساساً بدون فائدة بما أن منطقة اليورو وافقت على تسليم الأرباح من مقتنيات البنك المركزي من السندات اليونانية إلى أثنيا. وهذا يترك الديون المستحقة لمنطقة اليورو على شكل قروض ثنائية، والسندات التي يحتفظ بها صندوق تسهيل الاستقرار المالي الأوروبي. الكتلة بالفعل خففت العبء بالنسبة لأثنيا على هذه الديون، وذلك بتخفيض أسعار الفائدة وتمديد تواريخ الاستحقاق.
وفقاً لتحليل الخيارات الذي أجرته شركة بروجيل الاستشارية، تخفيض أسعار الفائدة على القروض الثنائية التي بقيمة 53 مليار يورو، إلى تكاليف إقراض لأجل ثلاثة أشهر من كل حكومة من حكومات منطقة اليورو من شأنه تخفيض المقدار الكبير من ديون اليونان بنسبة 3.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 (من حيث صافي القيمة الحالية).
وتمديد آخر لفترة الاستحقاق لمدة عشرة أعوام من شأنه أيضاً تخفيض نسبة أخرى تبلغ 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. على قروضها من صندوق تسهيل الاستقرار المالي الأوروبي البالغة 142 مليار يورو، تدفع اليونان نقطة أساس واحدة فقط على تكاليف إقراض صندوق الإنقاذ، لذلك هناك قليل من المجال لتخفيض أسعار الفائدة. على أن تمديد فترة الاستحقاق لمدة عشرة أعوام من شأنه تخفيض كومة الديون بنسبة 8.1 في المائة أخرى من الناتج المحلي الإجمالي.
معاً، هذه التنازلات ستعمل على تخفيض عبء ديون اليونان إلى نحو 160 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم بعيد كل البُعد عن هدف حزب سيريزا، لكن يُجادل المسؤولون في الاتحاد الأوروبي بأن الإجمالي الشامل لا يُهم كثيراً إذا كانت الدفعات السنوية منخفضة، واستمرت على مدى عدة عقود.
هناك خيارات أخرى، مثل قروض رخيصة ذات سعر فائدة ثابت أو خطة إعفاء من الديون أكثر جذرية على غرار نادي باريس، من شأنها فرض خسائر مباشرة على المصارف، وقد يكون من المستحيل على شركاء اليونان في منطقة اليورو القبول بها.