Site icon IMLebanon

درس سويسري .. البنوك المركزية ليست حاضرة دائما لإنقاذ الأسواق

SwitzerlandCentralBank
جون أوثرز

إذن أصبحنا نعلم الآن. طوال السنوات الثلاث التي توقف فيها البنك الوطني السويسري عن رفع قيمة الفرنك السويسري أبعد من مستوى 1.20 فرنك مقابل اليورو، احتدم الجدل حول ما إذا كان هذا هو ما زعزع استقرار الأسواق، أو ما عزز اليورو بشكل مصطنع.

وبعد رد فعل السوق القوي يوم الخميس على إعلان البنك المركزي السويسري أنه تخلى عن الحد الأعلى لعملته، بعد أيام من قوله إن السقف سيظل معمولا به، أصبحنا نعلم أنه بالتأكيد كان عاملا أساسيا في الحفاظ على اليورو قويا جدا على نحو غير مريح.

التداعيات الأوسع نطاقا من الصعب أن نستبينها الآن. إن قرارا بنسبة مئوية مكونة من خانتين، في غضون دقائق، في أسعار صرف عملات الاقتصادات المتقدمة حدث يعادل ما يوصف بـ “البجعة السوداء” ـ وضع صعب لا يمكن التنبؤ به. مدى هذه الخطوة يوضح أن المستثمرين لم يكلفوا أنفسهم عناء التحوط ضدها. ونحن نعلم مسبقا أن بعض شركات الوساطة الكبيرة في العملات الأجنبية اضطرت لإغلاق أبوابها بسبب الإفلاس.

ما وراء وسطاء العملات الأجنبية، هناك سبب للشعور بالخوف بالنسبة لبلدان أوروبا الوسطى والشرقية، لأن من الشائع هناك الاقتراض بالفرنك السويسري والتمتع بأسعار الفائدة السويسرية المنخفضة. هذا يعمل بشكل جميل، ما لم ترتفع قيمة الفرنك، ما يجعل خدمة القروض عملية صعبة. ومع بلوغ الفرنك السويسري نسبة أعلى بمقدار 22 في المائة مقابل الفورنت المجري منذ صباح يوم الخميس، يجب مراقبة هذا الخطر.

علاوة على ذلك، الخطر يكمن في أن المؤسسات ذات الأهمية النظامية الكبيرة تعاني خسائر الرفع المالي. المتداولون يعرفون ذلك، وبالتالي التقلبات ربما تكون مرتفعة لفترة معينة في الوقت الذي يراقبون الوضع تحسبا لحدوث تغير كبير.

وإذا افترضنا أن هذه الخطوة لا تثير أزمة على المدى القصير، في هذه الحالة تعتبر الآثار على المدى الطويل أكثر توازنا. بمعنى معين، ينبغي أن يكون ذلك إيجابيا. تمت إزالة أحد أنواع التشويه من الأسواق العالمية. وهذا سيجعل من السهل على الأسعار إيجاد مستوى من شأنه أن يسمح للأسواق والاقتصاد بالخروج من المأزق.

هذا يمكن أن نراه بكل وضوح في اليورو. كان اللغز المتكرر لأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو هو أن اليورو لم يضعف قط إلى حد كبير، على الرغم من مخاوف حول وجوده. ويمكننا أن نرى الآن أن البنك المركزي السويسري على الأقل يستحق جزءا من اللوم. فقد انخفض اليورو إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من عقد من الزمن، على أساس الوزن التجاري النسبي، بعد أن ضعف بشكل حاد مقابل العملات الأخرى في أعقاب قرار البنك المركزي السويسري.

مع ضعف اليورو، ينبغي أن ترتفع القدرة التنافسية في منطقة اليورو، في حين أن الولايات المتحدة تنمو بصورة تعتبر أقل قدرة على المنافسة. وهذا من شأنه أن يكون صحيا. إنه نوع من التوازن الذي تهدف أسواق العملات الأجنبية إلى تحقيقه.

وينبغي لليورو الأضعف أيضا أن يساعد الأسهم الأوروبية، في الوقت الذي ترفع فيه أرباحها الدولية. حتى في سويسرا، الأسهم السويسرية تدفع الآن توزيعات الأرباح في حدود 3 في المائة. ومع حد البنك المركزي السويسري من ارتفاع الفرنك عن طريق خفض سعر الفائدة المستهدف إلى ناقص 0.75 في المائة، ومع بلوغ عوائد السندات لأجل عشر سنوات الآن صفر تقريبا، فإن الحافز لشراء الأسهم السويسرية يظل موجودا.

بالنسبة للموجودات الأخرى التي تستفيد في المستقبل المنظور، انظر إلى الدولار الذي سيجتذب المزيد من الأموال. وإلى سندات الحكومة الأمريكية التي يبدو انخفاض عوائدها سخيا في الوقت الذي يستمر فيه الانخفاض المتزايد في العوائد الأوروبية والسويسرية، وكذلك الذهب الذي ينظر إليه باعتباره وسيلة للتحوط ضد السياسة النقدية العاجزة، والذي ارتفع قليلا في الأسابيع الأخيرة.

لقد شعر البنك المركزي السويسري أنه مضطر إلى اعتماد سقف أعلى في المقام الأول، لأنه كان “ملاذا آمنا” وأخذ يشفط الأموال.

سويسرا لديها اقتصاد منفتح جدا، وصادراتها حيوية، ولديها أسباب قوية تدعو للدخول في “حرب عملات” – للحفاظ على عملتها ضعيفة – بحماس أكبر من غيرها. التخلي عن تلك المعركة، مع اتجاه معدلات التضخم نحو الصفر وانخفاض النمو، يقبل ضمنيا أن سويسرا سيكون لديها ركود.

إذن، ما الدافع وراء قرار سويسرا؟ الجواب المحتمل بشكل كبير هو لأن البنك المركزي الأوروبي من المرجح أن يتبنى برنامجه الخاص لشراء السندات الحكومية في الأسبوع المقبل، في محاولة لتجنب الانكماش. وهذا من شأنه إضعاف اليورو وإجبار البنك المركزي السويسري على شراء المزيد من اليورو للحفاظ على مركزه.

منذ بداية عام 2008، نمت الميزانية العمومية للبنك المركزي السويسري أكثر من 300 في المائة – ضعف معدل نمو حتى بنك اليابان في ظل برنامج آبي الاقتصادي. وتمثل الميزانية العمومية للبنك المركزي السويسري ما نسبته 86 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في سويسرا – وهي نسبة أعلى بكثير من بنك اليابان (60 في المائة) أو الاحتياطي الفيدرالي (نحو 25 في المائة).

ربما أثبت البنك المركزي السويسري أن هناك حدا أعلى للمدى الذي يمكن أن تنمو فيه الميزانية العمومية المركزية، وأيضا أن إدارة السياسة من خلال ضبط أسعار الصرف لن تنجح. وبدلا من ذلك هو يلجأ، مثل أي شخص آخر، إلى خفض أسعار الفائدة، مع كل ما يصاحب ذلك من مخاطر تغذية تشوهات السوق التي تقتضيها مثل هذه السياسة.

ولعل الدرس الأكثر استدامة يثبت المستثمرين في جميع أنحاء العالم تبين لهم أن هناك حدودا لمدى الحجم الذي يجب أن تنمو فيه الميزانية العمومية للبنك المركزي – وبالتالي هناك أيضا حدود للمدى الذي ينبغي أن نثق به بالبنوك المركزية لإنقاذ السوق عندما تتعقد الأمور.