عدنان الحاج
تجمع الترقبات الاقتصادية والمالية للعام 2015، أن العام الحالي سيكون صعباً من ناحية حركة الرساميل، التي لن تكون كما العام الماضي، كذلك نمو الودائع المصرفية، وهذه عناصر إضافية ستزيد من صعوبة تمويل احتياجات الدولة خلال العام الحالي، نتيجة خفض تصنيف لبنان من جهة، والأزمة في الأسواق الخارجية من جهة، بفعل تراجع أسعار النفط، إضافة إلى التطورات السياسية والأمنية، التي أضرت بالنشاط الاقتصادي والمالي في الدول المجاورة، ومن بينها لبنان طبعاً .
التخوف الأكبر يأتي من المراجعات، التي تتلقاها المصارف من المؤسسات والشركات التجارية والصناعية، التي تعاني من صعوبات، وتترجمه بصرف العمال من جهة، والتريث في تسديد وتقسيط ديونها من جهة ثانية. هذه الأمور تترجم من السعي لعدم نمو الديون المشكوك بتحصيلها على القطاعات الاقتصادية، والتي تقارب اليوم حوالي 5.2 مليارات دولار، على الرغم من التسهيلات والمهل التي يعمل مصرف لبنان مع المصارف على الحد من نموها بشكل كبير خلال العامين 2014 و2015 .
هذا الواقع يظهر من خلال نمو النشاط المالي، وتراجع العائدات والنشاط الاقتصادي والمالي وحركة الاستثمارات والتحويلات الخارجية، وهو أمر سيظهر أكثر، ما لم تتغير الظروف الراهنة في العام 2015، وهو ايضا أمر لن يكون سهلاً في ظل التوترات المتزايدة. وحده القطاع المصرفي في لبنان مع القطاع العقاري استطاعا المحافظة على معدلات نمو مقبولة، في ظل ظروف تشغيلية صعبة. كما أن قطاع المالية لن يكون أفضل، نتيجة نمو العجز وارتفاع المديونية العامة، في مقابل ضعف النمو الاقتصادي، أو جموده عند معدلات ضعيفة، بفعل التطورات غير المشجعة، على قيام مشاريع جديدة، في ظل مناخ عدم الاستقرار. يذكر هنا أن تخفيض تصنيف لبنان الائتماني من قبل المؤسسات العالمية سيزيد من كلفة استدانة لبنان من الداخل والخارج.
لكن القطاع المصرفي اللبناني، بالتعاون مع مصرف لبنان، ساهم من خلال القروض والتسليفات، بتحريك بعض القطاعات، ومنها القطاع السكني، عبر القروض المدعومة الفوائد والحوافز وسلة التسهيلات، التي شكلت ما يشبه الحل الوحيد والمرحلي، لتحقيق النمو الاقتصادي، الذي تضرر من خلال تضرر القطاعات الإنتاجية، لا سيما تراجع الصادرات الزراعية والصناعية والحركة السياحية، إضافة إلى الاستثمارات الجديدة التي غابت بشكل كبير خلال العام الفائت، ومستمرة في العام الحالي. غير أن القطاع المصرفي ما زال يملك السيولة الكبيرة، التي تحافظ على استقراره، وبالتالي على تسليف القطاعات الاقتصادية، على الرغم من تراجع التسليف للدول.
نمو الموجودات وصعوبة تسليف الدولة
لقد بلغت أرقام الميزانية المجمعة للمصارف اللبنانية في الشهر ما قبل الأخير من العام 2014 ما مجموعه حوالي 172.1 مليار دولار مقابل حوالي 164.7 مليار دولار في نهاية العام 2013، أي بنمو قدره حوالي 4.48 في المئة، خلال ما يزيد عن 11 شهراً تقريباً، مع الإشارة إلى أن الميزانية المجمعة للقطاع زادت خلال العام 2013 حوالي 8.5 في المئة.أما الودائع فقد بلغت حوالي 142.7 مليار دولار، مقابل حوالي 136.1 مليار دولار للعام 2013، أي بنمو قدره حوالي 4.8 في المئة مقابل نمو للعام 2013 فاق 8.9 في المئة. هذا التراجع في نمو الودائع والموجودات، سيؤثر لا شك في تأمين تسهيلات لتمويل الدولة، ما لم تدخل حركة ودائع جديدة خلال العام الحالي، ولو بالمعدلات التي حصلت خلال العام الماضي.
بالنسبة للتسليفات إلى القطاعات الاقتصادية، فقد بلغت في العام 2014 حوالي 50.5 مليار دولار بزيادة 6.6 في المئة، مقابل زيادة حوالي 9.04 في المئة للعام 2013. هذا الواقع يعكس تراجعاً ملحوظاً في نمو التسليفات المصرفية للقطاعات الاقتصادية.
على صعيد القروض المصرفية للقطاع العام، فقد بلغت خلال العام 2014 حوالي 37.2 مليار دولار، مقابل حوالي 37.6 مليار دولار لنهاية العام 2013، إي ان تسليفات المصارف للقطاع العام تراجعت حوالي 400 مليون دولار، بفعل عدم إقبال المصارف على زيادة اكتتاباتها بسندات الخزينة، وقيام مصرف لبنان بزيادة تسليفاته للدولة بحوالي 4 إلى 5 مليارات دولار، من خلال تغطية العجز الأسبوعي للمستحقات .
يشار إلى ان الموفورات المصرفية، أو السيولة والاحتياطات لدى القطاع المصرفي، زادت خلال العام 2014 بشكل ملحوظ تلافياً للمخاطر، وهي بلغت حوالي 62.6 مليار دولار، مقابل حوالي 54.7 مليار دولار لنهاية العام 2013، وهذا يعني أن الاحتياطات زادت حوالي 14.42 في المئة، تماشياً مع المعايير والشروط الدولية لمعدلات الملاءة المرتفعة أصلاً لدى القطاع المصرفي بأكثر من النسب المطلوبة دولياً.
ووفق التقديرات، فإن المصارف تملك سيولة جاهزة للتسليف بأكثر من 13 مليار دولار، وهذا سبب صلابة القطاع وصموده في المحطات الصعبة.
نقطة أخيرة لا بد من الإشارة اليها، وهي أن الأموال الخاصة للقطاع المصرفي اللبناني زادت حوالي 9 في المئة خلال العام 2014 وهي بلغت حوالي 15.47 مليار دولار، مقابل حوالي 14.19 ملياراً لنهاية العام 2013، مع العلم أن الأموال الخاصة زادت حوالي 12.34 في المئة خلال العام 2013.
تبقى قضية الأرباح في القطاع المصرفي، التي تأثرت جزئياً خلال العام 2014، وبلغت حتى نهاية الشهر ما قبل الأخير حوالي 1479 مليون دولار مقابل حوالي 1640 مليوناً لنهاية العام 2013، أي بتراجع يقارب 10 في المئة (مقارنة 11 شهراً من 2014 مع 12 شهراً من 2013). أما على صعيد سنوي فإن تراجع الأرباح يصل إلى حوالي 4.7 وحتى إلى 5 في المئة، حسب تقديرات النتائج غير النهائية.
نتائج المصارف المتخصصة
على صعيد المصارف المتخصصة، أو مصارف الأعمالـ فإن النتائج كانت مشابهة، ولو بمعدلات أقل من نتائج القطاع المصرفي التجاري. فقد بلغت الميزانية المجمعة لمصارف الأعمال حوالي 4.03 مليارات دولار، مقابل حوالي 3.9 مليارات دولار لنهاية العام 2013 أي بزيادة قدرها حوالي 50 مليون دولار ونسبتها حوالي 2.3 في المئة، وهي نسبة النمو ذاتها للعام 2013 .
بلغت الأموال الخاصة للمصارف المتخصصة حوالي 1.1 مليار دولار في العام 2014، مقابل حوالي 999 مليون دولار لنهاية العام الذي سبقه. بنمو قدره حوالي 7.3 في المئة، مقابل حوالي 7.04 في المئة للعام 2013. واستقرت الودائع في المصارف المتخصصة عند حوالي 1976 مليون دولار، مقابل حوالي 1945 مليون دولار لنهاية العام 2013، أي بزيدة قدرها حوالي 31 مليون دولار ونسبتها 1.38 في المئة .
أما تسليفات المصارف المتخصصة، وهي المؤشر الأبرز، فقد بلغت حوالي 1367 مليون دولار، بزيادة حوالي 150 مليون دولار، ونسبتها حوالي 2.7 في المئة، وهي كانت زادت حوالي 2.5 في المئة خلال العام 2013 .
التراجع الكبير يظهر من خلال تطور أرباح هذه المصارف، التي سجلت حوالي 67 مليون دولار في 11 شهراً، مقابل حوالي 112 مليون دولار لكامل العام 2013 .