Site icon IMLebanon

موازنات دول النفط بعد هبوط أسعاره

OilPriceDollar
ذكاء مخلص الخالدي
ما زالت صادرات النفط والغاز تمثل المكون الأساسي لإيرادات الدول العربية النفطية، فالمحاولات الـجادة وغير الجادة على مدى العقود الماضية لتنويع إيرادات موازنات هذه الدول، لم تفلح غالبيتها في خلق مـــوارد بكميات واستدامة تؤهل هذه الدول التقليل مـــن أهمية صادرات النفط في رفد إيرادات موازناتها، ويمكـــن استثـــناء دول مثل قطر والإمارات والكويت التـــي لديها استثمارات خارجية تدر عليها موارد مهمة.
وما زالت الأنظمة الضريبية بدائية فدول مجلس التعاون الخليجي تنتهج سياسة دولة الرفاهية أي إعادة توزيع موارد النفط من الدولة إلى القطاع الخاص. وتوفر الدولة السلع والخدمات الحكومية بأسعار مدعومة وتوفر الواردات من مختلف المصادر بمعدلات جمركية متدنية جداً. وعلى رغم ارتفاع معدلات الدخل الفردي في هذه الدول خصوصاً في قطر حيث يعتبر حالياً الأعلى في العالم، لا تتبع الدولة سياسة ضريبية تقتطع من هذه الدخول العالية لرفد موازنة الدولة أو لإعادة توزيع الدخل.
وفي وقت قد يعتبَر فيه انخفاض عدد السكان وخصوصية اقتصادات هذه الدول مبرراً لعدم تطوير السياسات الضريبية فيها، لا يمكن اعتبارها كذلك في دول نفطية مرتفعة السكان مثل السعودية والعراق. فهاتان الدولتان في حاجة إلى تطوير سياستها الضريبية لتحقيق عدالة أكبر في توزيع الدخل ولرفد الموازنة بموارد مهمة.
وتحاول الدول النفطية في مرحلة إعداد موازناتها اتباع منهج الحذر في تقدير حجم إيراداتها من خلال افتراض سعر لبرميل النفط أدنى من سعر السوق. فإذا كان السعر السائد 100 دولار للبرميل، مثلاً، يفترض واضعو الموازنة أن السعر سيكون بحدود 80 دولاراً لتجنب الالتزام بنفقات كبيرة لا يمكن الإيفاء بها في حال هبوط أسعار النفط.
أما الانخفاض الذي حصل في الأشهر الأخيرة في الأسعار العالمية للنفط فيما الدول النفطية في بداية سنة مالية جديدة فيعتبَر كبيراً وأكثر هذه الدول غير مستعدة له. ونتج الانخفاض من وفرة العرض أو تخمة السوق التي تسببت بها ثلاثة عوامل هي زيادة الإنتاج المحلي من النفط في الولايات المتحدة، وتصميم “أوبك” على عدم خفض الإنتاج، وتباطؤ الاقتصاد العالمي.
لا شك في أن كل الدول النفطية صُدمت بهذا الانخفاض الكبير في أسعار النفط بسبب العلاقة المباشرة بين إيرادات النفط والإنفاق الحكومي، خصوصاً أن العلاقة في الدول النفطية هي من ميزان المدفوعات إلى الموازنة الحكومية وليس العكس كما تنص عليه النظرية الاقتصادية. ولأن من الصعب تقليص النفقات الجارية بسبب طبيعتها الملحة من جهة إذ يمثل معظمها رواتب وأجوراً ومخصصات تقاعدية وإعانات، وبسبب الآثار السياسية المحتملة لتقليصها من جهة أخرى إذ قد تثير بسهولة سخطاً شعبياً، يقع عبء انخفاض الإيرادات على الإنفاق الاستثماري. وفي حال كان انخفاض الإيرادات النفطية كبيراً تبرز الحاجة إلى التفكير في خلق إيرادات إضافية.
تتمتع معظم دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء البحرين وعُمان بوفرة في الاحتياطات الأجنبية وفي الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في الخارج، الأمر الذي يسهل عليها السحب من هذه الاحتياطات و/أو تسييل بعض الموجودات لمواجهة الانخفاض في إيرادات النفط في الأمد القصير أي خلال موازنة السنة الحالية. ولكنه لا يعتبَر حلاً طويل الأمد، خصوصاً أن أحداً لا يعرف إلى أي مدى سيستمر هذا الانخفاض في سعر النفط ولا على أي سعر سيستقر في النهاية.
أما الدول التي لا تتمتع بوفرة في الاحتياطات والاستثمارات المالية وغير المالية في الخارج كالعراق خصوصاً، فعليها إعادة النظر بجدية بنفقاتها الجارية والاستثمارية، بدءاً بوقف الهدر والنفقات غير الضرورية كسفر الموظفين ومخصصات الضيافة والتعيينات الجديدة والتعيين بعقود. وفي حال العجز في ضبط هذه النفقات عن مواجهة الانخفاض في إيرادات النفط تلجأ الحكومة إلى الاقتراض من القطاع الخاص من خلال إصدار سندات خزينة.
أما النفقات الاستثمارية فيمكن تأجيل المشاريع التي لم تبدأ بعد ووقف المشاريع التي بدأ العمل بها. أما في الأمد الطويل فثمة حاجة ماسة إلى إعادة نظر جذرية في السياسة المالية لتفعيل دورها في رفد الموازنة بموارد مهمة وتحقيق عدالة أكثر في توزيع الدخل، وكذلك تفعيل دور السياسة النقدية لتستقطب المدخرات وتعيد إقراضها إلى قطاع الأعمال الخاص لتفعيل دوره في النشاط الاقتصادي بما فيها المشاريع الاستثمارية العامة لتقليل الضغط على الموازنات الحكومية.