Site icon IMLebanon

الانكماش الجيد يمكن أن يتحول إلى سيئ في اقتصاد يعاني إفراطا في الرفع المالي

EuroRecession
ميرين سومرست ويب

ارتفعت الأسعار في المملكة المتحدة بنسبة 0.5 في المائة في كانون الأول (ديسمبر). وهذا يعتبر مستوى متدنيا بصورة ملحوظة، وفقا لمعايير ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأدنى مستوى منذ منتصف عام 2000.

وبحلول الوقت الحاضر ستكون قد قرأتَ ما يكفي حول هذا الموضوع لتكون مقتنعا أنه أمر جيد. ذلك لأن المحرك الرئيسي له هو انخفاض أسعار السلع الأساسية، خاصة النفط. لذلك طالما أنك لا تعمل على منصة للنفط في بحر الشمال، أو لدى شركة كبيرة لتزويد الخدمات النفطية، ينبغي لذلك أن يجعل من حياتك أرخص قليلا. ما تدفعه من تكاليف للتنقلات والتدفئة يجب أن يتقلص. الشيء نفسه ينطبق على تكاليف المواد الغذائية ـ حصاد العام الماضي كان جيدا وحروب الخصومات الشرسة التي تدور رحاها في محال السوبر ماركت لدينا تعتبر رائعة بالنسبة للغالبية منا.

حين تنظر إلى الأمر على هذا النحو، يمكنك أن ترى لماذا بعض المحللين يصفون بيئة التسعير اليوم بـ “بهجة التضخم”. أسعار راكدة في وقت يتزايد فيه التوظيف – من الذي سيعترض على هذا؟ الواقع أن هناك أمورا كثيرة جدا تدعو للاعتراض. الاقتصاد البريطاني، على النحو الذي يتم تنظيمه حاليا، يفترض التضخم. ترتفع المعاشات التقاعدية من الدولة بمقدار أعلى من التضخم ومتوسط الدخل، أو 2.5 في المائة سنويا. القطاع العقاري التجاري يقدم استعراضات متصاعدة فقط للإيجار.

مديرو الصناديق يكسبون الثروات من الوعد بالمحافظة على رأس المال على أساس أن أي حساب مصرفي يجعلك تخسر المال من حيث القيمة الحقيقية في كل يوم. شركات التأمين تدفع الرواتب التقاعدية السنوية المتصاعدة، ويرتفع الدفع تلقائيا كل عام على افتراض أن هناك تضخما.

كذلك المالية الحكومية تبقى مستدامة فقط (ولو من بعيد) عن طريق استخدام جرجرة القصور في المالية العامة: النطاقات الضريبية لا ترتفع مع ارتفاع معدلات التضخم، وبالتالي مع مرور الوقت يتم جرجرة المزيد من الناس منا واحدا بعد آخر ضمن هذه النطاقات الضريبية. ثم ترتفع الإيرادات الضريبية دون أن ترفع الدولة بشكل صريح المعدلات الضريبية.

هذا يهم لأن المالية الحكومية تعمل فقط من خلال التضخم. لكن النقطة الأهم حول اقتصادنا والتضخم هي أننا نقترض لأننا نتوقع أن التضخم سيعمل على إنقاذنا من ديوننا.

هل تذكر عملية شراء أول منزل أو شقة لك؟ أراهن على أن والديك قالا لك حينئذ “حاول أن تقترض أقصى ما تستطيع” بخصوص العقار الذي ستأخذه. لماذا؟ لأنه باستثناء وقوع كارثة، فإن التضخم يجعل المدفوعات تبدو مثل الملاليم والمنزل يبدو كأنه صندوق كنز خلال عقد أو اثنين.

الأمر لا يدور فقط حول المساكن. الإنتاجية في المملكة المتحدة آخذة في الانخفاض، وذلك لأسباب لا أحد يفهمها تماما، وبالتالي من أجل إنتاج معدلات نمو مقبولة نحن نعتمد على الرفع المالي. لدينا تعاملات عالية أمام قطاع الخدمات المالية ومستويات لا تزال تنمو من ديون القطاع العام والديون الاستهلاكية. وعلى حد تعبير بيلهام سميثرز، مؤسس شركة الأبحاث الخاصة التي تحمل الاسم نفسه، إذا نظرتم فقط إلى المال فإننا أقرب إلى كوننا صندوق تحوط ضخم من كوننا دولة.

هذا إلى حد ما لا بأس به عندما تكون أسعار الفائدة في انخفاض، خاصة عندما تكون أقل من التضخم، مثلما كان الحال لبعض الوقت. إذا كان هناك تآكل في القيمة الحقيقية لديونك عند سعر فائدة أدنى قليلا فقط، أو حتى عند سعر أعلى مما تدفعه على شكل فائدة، لديك كل الحوافز للاقتراض. السبب في ذلك هو أن المال يعتبر مجانيا في الأساس. ذلك أن انخفاض معدلات الفائدة يعطينا اقتراضا أعلى. لاحظ الارتفاع بنسبة 13 في المائة في حجم تمويل السيارات الجديدة في المملكة المتحدة في العام الماضي حتى تشرين الثاني (نوفمبر). كل هذا يعطينا النمو، والتوظيف، والقدرة على المزيد من الاقتراض. وهو أمر جيد بالنسبة إلينا.

لكنه يعتبر أيضا دوامة حميدة يمكن تدميرها بسهولة بسبب انخفاض الأسعار. كيف؟ أسعار الفائدة لا يمكن أن تهبط حقا تحت الصفر (على الرغم من أن البنك الوطني السويسري حاليا يختبر هذه الفكرة) بالتالي بمجرد أن تصبح الأسعار سلبية ونحصل على الانكماش، عندها تبدأ أسعار الفائدة المعدلة بحسب التضخم (أو الحقيقية) في الارتفاع. وهذا يغير المعادلة.

عادة ما ترتفع أسعار الفائدة لأن الأسعار ترتفع، لكن في هذه الحالة فإنها من الناحية العملية ترتفع بسبب انخفاض الأسعار. والنتيجة؟ انخفاض أسعار الفائدة – والتضخم الذي يقضي على الديون – يتم استبدالهما عن طريق ارتفاع أسعار الفائدة والانكماش الذي يعزز الديون. هل هذه الظروف من النوع الذي يمكن أن تحاول فيه أن تقترض أقصى ما تستطيع؟

لا أظن. بدلا من ذلك، يبدأ المقترضون الذين يعيشون في الانكماش الشعور بأن القروض فوق طاقتهم ويشرعون في العمل على الانسحاب من حافة الديون. النتيجة؟ تتحول دوامتنا السعيدة للاقتراض والنمو، على المدى القصير على الأقل، إلى دوامة بؤس من تخفيض الرفع المالي والركود.

أنا لست مقتنعة بأن هذا على وشك الحدوث في المملكة المتحدة. صحيح أن مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأساسية هو فقط 0.5 في المائة، لكن مؤشر أسعار البيع بالتجزئة (الذي اعتدنا جميعا على الاعتقاد بأنه يعتبر مقياس التضخم المعياري) لا يزال يبلغ 1.6 في المائة. التضخم “الأساسي”، الذي يستبعد الأشياء المتقلبة، مثل الغذاء والطاقة، يبلغ 1.3 في المائة. والتضخم في قطاع الخدمات، الحيوي لأن الكثير من اقتصادنا قائم على الخدمات، ثابت عند نحو 1.4 في المائة.

لكن الأمر يستحق أن نستمر في مراقبته. وفي الوقت الراهن يبدو تضخم السلع المنخفض وكأنه يمثل خفضا لطيفا للتكاليف، لكن الأمر لا يحتاج إلى قدر كبير من الانكماش الجيد حتى يتحول إلى انكماش سيئ في اقتصاد يعاني إفراطا في الرفع المالي. هذا شيء يعرفه محافظو البنوك المركزية في العالم جيدا، وهو يقودنا إلى خطر رئيسي ثان يحيط بخطر الانكماش.

اعتاد رونالد ريجان القول إن الكلمات الأكثر رعبا في اللغة الإنجليزية هي “أنا من الحكومة وقد جئتُ لمساعدتك”. لو كان يفكر في مقاطع صوتية ذكية موجودة اليوم لكان قد غير ذلك إلى “أنا من البنك المركزي وقد جئتُ لمساعدتك”. لقد عشنا بالفعل خلال سنوات عديدة مع السياسة النقدية المتطرفة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان والصين وآثارها الجنونية على حوافز الاستثمار والأسواق.

دعونا لا ننسى، مثلا، لماذا سعر النفط تراجع بسرعة. فقد دفع المال السهل الطلب في الصين، لكن بعد ذلك سهّل الارتفاع السريع في العرض من الولايات المتحدة.

في عالم طبيعي، ربما كان الطلب الصيني سيرتفع، لكن ليس ذلك الارتفاع الكبير. والعرض الأمريكي ربما يرتفع أيضا، لكن ليس ذلك الارتفاع الكبير. ولأرتفعت أسعار النفط قليلا، ثم تهبط بعد ذلك قليلا. لكن الذي حدث هو أن أسعار الفائدة المتدنية للغاية، والتسهيل الكمي، يعنيان أنها ذهبت إلى التطرف في كلا الاتجاهين.

التهديد المتصاعد للانكماش يستدعي المزيد من السياسة النقدية المتطرفة (وربما يذعن البنك المركزي الأوروبي لهذا الاتجاه هذا الأسبوع)، وسلسلة من الإجراءات الباعثة على الصدمة في السوق. من الأفضل أن تكون مستعدا لهذا الوضع.