ذكر التقرير الأخير الصادر عن شركة آسيا للاستثمار أن دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية ظلت المنطقة الرئيسية في تصدير الطاقة إلى العالم خلال ال 25 عاماً الماضية، وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بلغت صادرات السعودية من النفط 8.9 ملايين برميل من النفط في اليوم خلال 2012، وهو أكبر حجم تصدير من قبل دولة منتجة. وجاءت الإمارات في المرتبة الثالثة ب2.5 مليون برميل من النفط في اليوم في 2012، والكويت في المرتبة الرابعة ب2.3 مليون برميل من النفط في اليوم.
مع أن حجم تصدير النفط من دول الخليج لم يتغير طوال هذه الفترة، تغيرت تركيبة الطلب بشكل جذري. قبل 25 عاماً، كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان معاً تشتري نصف صادرات دول الخليج، في حين كانت الحصة التي تشتريها آسيا 15% فقط من الصادرات. أما اليوم، تغيرت هذه الحصص لتشتري الدول الثلاث (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان) ربع ما تصدره دول الخليج، وتتضاعفت حصة آسيا بثلاثة أضعاف.
ويعود التغير في حجم الطلب على النفط من هذه الدول لعدة أسباب، أولها زيادة الطلب بشكل سريع من دول آسيا مع تحسن قطاع التصنيع، وتوسع الاستثمارات في البنية التحتية، وزيادة مستوى الاستهلاك المحلي الذي دفعه نمو الطبقة المتوسطة الدخل، والتي بدورها زادت الطلب على المنتجات والخدمات التي تحتاج للطاقة مثل السيارات والنقل الجوي والتكييف والإضاءة. من ناحية الدول المتقدمة الأخرى، كان مستوى استهلاك الطاقة مستقرا، لكن نموه أضعف بكثير من النمو في المناطق الأخرى من العالم. كما اعتمدت هذه الدول سياسة التنويع عبر زيادة الواردات من أفريقيا والانتقال إلى الطاقة المتجددة. في الولايات المتحدة، انخفض الاعتماد على الطاقة من دول الخليج مع زيادة الإنتاج محلياً للنفط والغاز الصخري. لذا، فإن دول آسيا هي اليوم الدافع الرئيسي للطلب على النفط من دول الخليج.
من ناحية ثانية، أشار التقرير إلى أن هبوط أسعار النفط في الأشهر الستة الأخيرة جاء بسبب فائض العرض وتباطؤ الطلب عليه. وتوقعت شركة آسيا للاستثمار عدم تحسن الوضع في الفترة القادمة. ارتفع العرض خلال عام 2014 من دول منتجة غير مستقرة، مثل ليبيا – التي انهارت مؤخراً، والعراق – التي زادت حجم إنتاجها اليوم ب 300 ألف برميل إضافي في اليوم. والأثر الأكبر على قطاع الطاقة عالمياً جاء من الولايات المتحدة التي شهدت تدفقاً محلياً كبيراً من الطاقة بفضل النفط والغاز الصخري. من المتوقع أن يبقى نمو الفائض في العرض كما هو على المدى القصير، بالرغم من هبوط الأسعار، بما أن المستثمرين يعملون على تقليص الخسائر على الاستثمارات السابقة حتى وإن كانت أسعار النفط دون نقطة التعادل.
يضع حجم الطلب ضغوطات أيضاً على أسعار النفط. يبقى الاقتصاد الأوروبي ضعيفاً بنمو لم يتعد نسبة 1% العام الماضي، يضاف إليه ضغوطات الانكماش. ومن المتوقع أن تتدهور النظرة المستقبلية على المخاطر السيادية الأوروبية بسبب الانتخابات القادمة في اليونان. علاوة على ذلك، دفعت التوقعات إلى تخفيف السياسات النقدية مستوى اليورو إلى مستويات متدنية أثرت سلباً على فرص دول منطقة اليورو في أن تنتهز أسعار النفط المنخفضة. تشهد اليابان حالة مماثلة من الركود الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة.
لم تتأثر باقي دول آسيا بالقدر ذاته على صعيدي النمو الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة، ما يضعها في وضع أفضل لانتهاز الأسعار المنخفضة للنفط، وأيضاً لتفعيل الإصلاحات على قطاع الطاقة لديها، لتلعب بذلك دوراً أكبر في التبادل التجاري مع دول الخليج خلال عام 2015.