نعمت أبو الصوف
من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأمريكي نحو 300 ألف برميل في اليوم ليصل إلى ذروة مؤقتة في شهر أيار (مايو) المقبل قبل أن ينخفض خلال فصل الصيف، وفقا للتقرير الشهري لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن حالة أسواق الطاقة الذي صدر الأسبوع الماضي.
ركزت معظم التعليقات على التقرير على توقعات متوسط الإنتاج السنوي للولايات المتحدة، التي ترى الإدارة أنه سيرتفع بنحو 640 ألف برميل في اليوم في عام 2015 مقارنة بعام 2014، ومن ثم بنحو 220 ألف برميل في اليوم أخرى في عام 2016. لكن مع التغير السريع في معدلات إنتاج النفط، التركيز على متوسط الإنتاج السنوي يعطي صورة مضللة للغاية عن إمدادات النفط واستجابتها لتغير الأسعار.
ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من 8.02 مليون برميل في اليوم في شهر كانون الثاني (يناير) عام 2014 إلى ما يقرب من 9.15 مليون برميل في اليوم في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، لذلك المتوسط السنوي (8.67 مليون برميل في اليوم) غير ذي جدوى في فهم تأثير الإمدادات على أسعار السوق. في حين أن توقعات الإنتاج الشهرية في تقرير الإدارة أكثر فائدة ويعطي فكرة أكثر دقة عن توقعات إنتاج الولايات المتحدة من النفط والأسعار خلال العامين المقبلين.
في هذا الجانب، توقع التقرير أن يرتفع الإنتاج الأمريكي من 9.15 مليون برميل في اليوم في شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 2014 ليصل إلى ذروة مؤقتة عند 9.47 مليون برميل في اليوم بحلول شهر أيار (مايو). لكن بعد ذلك توقع التقرير أن يتراجع الإنتاج خلال فصل الصيف ليصل إلى 9.14 مليون برميل في شهر أيلول (سبتمبر)، أي تقريبا مستوى بداية العام نفسه، قبل أن ينهي العام مرتفعا بصورة طفيفة إلى 9.24 مليون برميل في اليوم.
وتتفق توقعات الإنتاج الشهرية هذه مع ما هو معروف بالفعل عن نشاط الحفر، إكمال الآبار ومعدلات تراجع الإنتاج في آبار الصخر الزيتي التي توفرها بعض المصادر مثل إدارة الموارد المعدنية لولاية داكوتا الشمالية. إن التراكم الكبير من الآبار التي حفرت، لكن لم يتم إكمالها، نتيجة النشاط الكبير لعمليات الحفر في الأشهر العشرة الأولى من عام 2014 يجب أن تكون كافية للحفاظ على ارتفاع إنتاج النفط خلال الأشهر القليلة الأولى من عام 2015، حيث يتم العمل على إكمالها وإدخالها حيز الإنتاج.
ولكن حالما تنفذ هذه الآبار، واستمرار انخفاض عدد الحفارات العاملة يعني أن عدد الآبار الجاهزة للإكمال من شهر نيسان (أبريل) أو أيار (مايو) فصاعدا ستكون أقل. في تلك المرحلة، معدلات تراجع الإنتاج الكبيرة في الآبار المنتجة ستبدأ بخفض الإنتاج. حيث تتوقع إدارة معلومات الطاقة أن ينخفض الإنتاج الأمريكي بنحو 330 ألف برميل في اليوم بين شهر أيار (مايو) وأيلول (سبتمبر). يتفق خفض الإنتاج هذا مع توقعات إدارة الموارد المعدنية لولاية داكوتا الشمالية التي تشير إلى تراجع إنتاج الولاية بحلول منتصف العام على أساس انخفاض معدلات حفر الآبار والأسعار دون مستويات التعادل.
تتوقع الإدارة ارتفاع الإنتاج مرة أخرى بصورة متواضعة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام لينهي السنة مرتفعا بصورة طفيفة ما هو عليه الآن. لكن، توقعات الإدارة هذه تعتمد بشكل كبير على انتعاش كبير إلى حد ما في أسعار النفط. حيث يرى التقرير أن أسعار خام غرب تكساس الوسيط سترتفع إلى 51 دولارا للبرميل في شهر أيار (مايو) و67 دولارا للبرميل بحلول شهر كانون الأول (ديسمبر) دون انتعاش أسعار النفط، من المرجح أن يكون انخفاض الإنتاج خلال الربعين الثاني والثالث أعمق وأطول، والانتعاش المتوقع بحلول نهاية العام قد لا يتحقق.
لاحظ تقرير الإدارة بدقة المشروطية بين أسعار النفط ومعدل الحفر والإنتاج. في هذا الجانب، أشار التقرير إلى أن عديدا من الشركات قد بدأت بالفعل بإعادة توجيه استثماراتها بعيدا عن عمليات الحفر الاستكشافية والبحثية، والتركيز على تشكيلات الصخر الزيتي الرئيسة. لاحظ التقرير أيضا أن أسعار النفط ظلت مرتفعة بما يكفي لدعم بعض أنشطة الحفر التطويرية خلال عام 2015 في حوض باكن، النسر فورد، نيوبرارا، وحوض العصر البرمي، وإن كان أقل ما كان متوقعا في السابق. ويشير التقرير إلى أنه مع توقع ارتفاع أسعار خام غرب تكساس الوسيط ابتداء من النصف الثاني من عام 2015، من المتوقع أن يرتفع نشاط الحفر مرة أخرى حيث تستفيد الشركات من انخفاض تكاليف خدمات الحفر وحقوق الاستثمار. لكن، مع ذلك لا تزال هذه التوقعات حساسة بشكل خاص إلى الأسعار الفعلية المتاحة في الموقع أو ما تعرف بأسعار رأس البئر.
على ما يبدو أن هذه التوقعات معقولة إلى حد ما في ضوء المعطيات الحالية. حيث إن أسعار النفط هي بالفعل أقل من أسعار تعادل عديدا من تشكيلات الصخر الزيتي الأقل نضجا وكذلك بعض الأجزاء الهامشية من التشكيلات الرئيسة مثل باكن وحوض العصر البرمي. إن عمليات الحفر تتباطأ ومن المرجح أنها ستهبط في الأشهر القليلة المقبلة دون مستويات تعويض التراجع في الإنتاج. مع بدء وصول الإنتاج إلى الذروة ثم الهبوط، والتراجع الأولي في الإنتاج يجب أن يؤدي إلى انتعاش متواضع في الأسعار، التي ستقوم بدورها بتفادي انخفاض أكبر في الإنتاج في النصف الثاني من العام. لكن، هذا التعديل من المرجح أن يكون وعرا جدا، لأسباب ليس أقلها تأخر وصول المعلومات، عدم اليقين الكبير في الأسواق والضغوط على الشركات المنتجة للحفاظ على السيولة النقدية الشحيحة أصلا.
بصورة عامة اتجاهات الإنتاج الأساسية المتوقعة من قبل الإدارة تبدو مقبولة كما ذكرت سابقا، لكن الأهم من ذلك هو أن التقرير قد أبرز التبعيات الحاسمة بين أسعار التعادل، معدلات تراجع الإنتاج وعمليات الحفر الجديدة التي ستكون من أكثر تحديات التحليل أهمية لأسواق النفط في عام 2015. من دون بعض الانتعاش في الأسعار، سينخفض إنتاج النفط الأمريكي بصورة سريعة في نهاية العام وسينهي عام 2015 دون المستويات الحالية.