Site icon IMLebanon

مصارف هشة بنفط صخري

OilDollar
محمد كركوتي
أسئلة كثيرة تطرح على الساحة فيما يخص المصارف الكبرى والمتوسطة. هذه المرة لا ترتبط الأسئلة بعمليات، احتيال أو غسل أموال، أو التهرب من الضرائب، أو حماية أموال منهوبة، أو تضليل العملاء بطرق مختلفة، إنها تتعلق بمشكلة متصاعدة، البعض يعتبرها كارثة من الآن، والبعض الآخر ينظر إليها ككارثة مستقبلية. إنها باختصار، الأموال التي أقرضتها هذه المصارف إلى شركات التنقيب عن النفط الصخري في الولايات المتحدة طوال السنوات الماضية، بما في ذلك القروض التي منحت إلى شركات التنقيب عن النفط في مناطق، تتطلب إنفاقاً على استخراج البترول أكثر من غيرها من المناطق الأخرى. وهذا النوع الأخير من التكاليف، لا يترك مجالاً للشركات المعنية بأي حركة مرنة، في ضوء انخفاض أسعار النفط.

ويمكن وضع كل الأسئلة التي تُطرح حول مصير قروض شركات النفط الصخري تحديداً، ضمن سؤال كبير واحد، هو، هل العالم على أعتاب كارثة مالية جديدة، في حال عجز الشركات النفطية المعنية عن سداد ديونها؟ وهذا يختصر كثيرا من التساؤلات بما في ذلك تلك المحيرة. ولا شك في أن المصارف المتورطة بهذه القروض، تعيش اليوم أحلك أيامها، لأنها تمر أساساً بأسوأ مرحلة من تاريخها، في ظل الهجمة الحكومية الأمريكية على وجه التحديد، الخاصة بفرض غرامات، أو التوصل إلى تسويات مع المصارف المشار إليها، على مخالفات أو تجاوزات سابقة. بعض الغرامات وصلت إلى 16 مليار دولار، وبعضها الآخر في حدود 12 مليار دولار. ومئات الغرامات أو التسويات التي تحسب بعشرات الملايين من الدولارات.

ولا حصانة لمصرف عن آخر في موضوع المخالفات والغرامات والتسويات خارج المحاكم، كما هو الأمر بالنسبة لهذه المصارف حيال القروض التي أغدقتها على شركات التنقيب عن النفط. كما أن المصارف الأمريكية متورطة ومعها الأوروبية الكبرى على وجه التحديد. وبحسب التقديرات المحافظة، تصل القروض التي حصلت عليها شركات التنقيب عن الغاز الصخري (تحديداً) إلى تريليوني دولار، ومع توقف أعداد متزايدة من مناطق الحفر عن العمل في الأشهر القليلة الماضية، دخلت القروض في دائرة الخطر الكبير، خصوصاً مع إعلان مجموعة من الشركات عن عدم إمكانية العودة مجدداً إلى نشاطها الاستخراجي، أو على الأقل عدم استئناف العمل مجدداً قبل سنوات. ورغم تفاوت تقديرات الخسائر الناجمة لشركات النفط الصخري، من جراء تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، إلا أن سعر 45 دولارا للبرميل، يعتبر الحد الذي ينبغي أن يتوقف فيه الإنتاج نهائياً. البعض يرى أن توقف الإنتاج ضروري حتى لو استقر البرميل عند ما بين 60 و70 دولاراً.

وفي كل الأحوال، فإن المخاطر التي تحدق بالمصارف المقرضة لـ “شركات الصخري”، تتزايد يوماً بعد يوم، وإذا ما تبخرت هذه أموال القروض فعلاً، أو على الأقل تأخر سدادها، فإن النظام المصرفي العالمي ينبغي أن يستعد لأزمة جديدة، خصوصاً في ظل سياسات ومتغيرات حكومية فُرضت على المصارف في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، بما في ذلك، توافر احتياطي مالي آمن في كل مصرف، لتمكنه من مواجهة أي أزمة قد تحدث له أو للقطاع بشكل عام. وطبعاً تم فرض المعايير الجديدة، من أجل تجنيب الخزائن العامة مسؤولية التدخل لإنقاذ هذا المصرف أو ذاك. بمعنى آخر لكيلا تكون الأموال العامة سنداً وحيداً لها. العالم لا يحتمل في هذا الوقت بالذات أي هزة مالية جديدة، فكيف الحال بإمكانية اندلاع أزمة مرتبط بديون الشركات النفطية؟

والذي يزيد الأمر تعقيداً، أن القيم السوقية للشركات المشار إليها تراجعت بصورة خطيرة في الأشهر القليلة الماضية. بعضها تراجعت قيمته حتى 22 في المائة، أي أن عددا من الشركات تقترب من دائرة مهب الريح، كما تقترب المصارف من نطاق العاصفة. وما يعرف من حدة المخاطر، أن الشركات النفطية الكبرى التي تستطيع أن تقاوم الوضع السعري النفطي بنفس طويل، لن تخاطر في استحواذات أو اندماجات في هذا الوقت بالذات، وبالتالي يترك عدد كبير من شركات النفط الصخري متعثرة، وعاجزة في المستقبل القريب عن تسديد ديونها، بل حتى فوائدها. فالتوقف عن العمل نهائياً يعني عدم إنتاج حتى الحد الأدنى من هذا النفط. مع ضرورة الإشارة إلى أن شركات النفط التقليدية نفسها، أقدمت على إغلاق عدد من آبارها في الأسابيع الماضية، التي تتطلب تمويلاً أكثر من غيرها.

العالم لا ينقصه أزمة أخرى بالتأكيد. في حين لم يخرج من تلك التي ضربته في عام 2008. والمصارف (على وجه التحديد) التي كانت شرارة القنبلة المفجرة للأزمة، هي الآن في دائرة الخطر، وبالطبع في دائرة الضوء، بينما لا تزال الآليات والمعايير الجديدة التي فرضتها الحكومات قيد التطبيق، ولم تتكرس بعد. إنها أزمة لن تتحملها حتى الحكومات، في وقت تسعى فيه هذه الأخيرة إلى التخلص من أي التزامات إنقاذية لمصارف تم إنقاذها مرة من قبل الغارقين أنفسهم.