Site icon IMLebanon

الإرادة الدولية تحفظ الاستقرار والمطلوب تفاهمات على قدر التحديات (رولان خاطر)

lebanese-armyy..

 

بقلم رولان خاطر

 

يعيش لبنان حالياً في مرحلة ضبابية، جراء فلسفة الارهاب والنار التي تحيط به. وما يشكل خطراً عليه، غياب أي قرار وطني، وأيُّ تأثير للحراك السياسي الداخلي في هذا الاتجاه، مدعوماً بفشل ما بعده فشل للمرجعيات الروحية والدينية في فرض أجندات تحدّد المسار الوطني العام، بالتوازي مع انعدام دور الأحزاب وعدم القيام بدورها، في إنتاج موقف وقرار وطني يحمي لبنان، من النار التي قد تشتعل على طول مساحة الشرق الأوسط، التي ظهرت ملامحها في الجولان، وصولاً إلى دول الخليج، وفي طليعتهم اليمن.

“كرة النار” التي تلاحق دول المنطقة والخليج، بات معلوماً أن عرّابيها، هم إيرانيو الفكر والعقيدة والتبعية، حراسها في طهران، وأبطالها من طهران.

من هنا، بات أيّ تطوّر في الملف اللبناني مرتبطاً بأيّ تطور في مسار السياسة الايرانية، لكنّ هذا الواقع، لا يعني غياب التأثير الدولي عن الساحة اللبنانية، فالنار السورية، كما يؤكد المراقبون السياسيون إذا لم تنتقل إلى لبنان بعد، فلأن هناك قراراً دولياً بعدم انتقالها، مع وجود رغبة دولية بالحفاظ على الاستقرار اللبناني، كخطوة لتعميم الاستقرار في المنطقة ككل.

وانطلاقاً من هذا المعطى، تتوجه الأنظار إلى الدور المناط بالحكومة في هذه المرحلة، ودور الجيش، إضافة إلى الحوارات الثنائية المستجدّة.

أولاً، دور الحكومة

الأداء الموجود حالياً لا يعدو كونه شبيهاً بمجلس بلدي، وليس مجلساً وزارياً، وبالتالي، المسألة تتطلب أكثر من تضامن وزاري، بل مواجهة الأزمات من خلال خطة وطنية شاملة وتأمين مساحات وطنية مشتركة، تنتج قرارات وطنية، وحواراً شاملاً لا يقتصر على الثنائيات الطائفية.

عدم تجزئة العناوين السياسية، أمر مهم في الممارسة السياسية، وهذا يعني أن جميع مكونات المجتمع اللبناني مسؤولة عن هذا المجتمع، بأمنه، واقتصاده، ومؤسساته، وتطوره. فالأمن مثلا، لا يمكن ان يكون فقط من مسؤولية المسلمين، ومواجهة المشاريع غير اللبنانية، والبعيدة عن ثقافة وهوية لبنان، لا يمكن ان تكون فقط من مسؤولية المسيحيين، بل يجب ان تكون كل هذه العناوين ضمن اجندة وطنية كبرى.

ثانياً، على صعيد الحوارات الثنائية

من الواضح، أن هناك قراراً سنياً – شيعياً بتبريد الأجواء المذهبية بينهما، والدليل عدم تراجع “تيار المستقبل” عن مسألة الحوار مع “حزب الله”، بعد المعلومات عن إمكان تورط نائب من الحزب باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو أمر كان من المفروض أن يطيح بالحوار بين القطبين من أساسه، إلا أنّ الطرف السنّي مدرك لخطورة المرحلة، ولأهمية موقعه وتأثيره فيها أمام المدّ المتشدد الذي يصيب بعض أطياف الطائفة السُنيّة.

فـ”تيار المستقبل” في البيئة السُنيّة اللبنانية، يشكل قوة ضبط الهواجس الطائفية، وليس مصدر استغلال لهذه الهواجس، وإلاّ لكانت الحرب الأهلية تتصدّر الاهتمامات العربية والمنابر الدولية، فيعود له الفضل الأكبر في ضبط وتهدئة العصب السُنّي، وعدم تفشي ظاهرة التكفير في كل هذه البيئة، ومعالجة مخاوف طائفته بعقلانية وحكمة.

هذا الحرص، لا يقابله حرص مماثل من قبل الفريق الآخر، متمسكاً بأجندة إيرانية، لا تأخذ مصلحة لبنان واللبنانيين بالاعتبار، فيستمر “حزب الله” بالتدخل بشؤون البلدان الخليجية مثلاً، علماً انها ليست المرة الأولى، من دون إغفال دوره المؤذي للبنان جراء وجوده أداة من ادوات إيران على الأرض السورية وغيرها.

في المقابل، فإن الحوار بين القطبين المسيحيين، لن يخرج بأيّ تبدلات وتغييرات، نتيجة تمسّك واقتناع كل طرف بالحلف الذي ينتمي إليه. فلا يمكن إقناع “القوات اللبنانية” بعد كل تجربة الحرب اللبنانية التي خاضتها، بأن خيار “تحالف الأقليات” الذي يؤمن به ويسوّق له العماد ميشال عون، يمكنه درء الخطر عن المسيحيين، وتقوم بالتخلّي عن خيار ينطلق من تجربة مسيحية تاريخية، والانفتاح على الحوار الدائم مع المسلمين. وبالتالي فإن اللقاء بين القطبين المسيحيين، لن يعيد للمسيحيين دورهم الفاعل وحضورهم من خلال الاتفاق على حدّ أدنى من المسائل الوطنية، لأن دور المسيحيين وحضورهم لا يمكن ان يُختزل فقط بالعودة إلى السلطة، بل بكيفية هذه العودة، وتحديد خيارهم تجاه الأحداث التي تجري في المنطقة، وما إذا كانوا يريدون التمسك بتجربة لبنان، الذي يعتبر مختبرا لمستقبل دول المنطقة والعالم.

أمّا الاتفاق على رئيس للجمهورية، فإنّ هذه التجربة لم تكن يوماً وليدة إرادة لبنانية حرّة وذاتية، بل نتيجة إرادة دولية إقليمية كانت تفرض اسم الرئيس الذي تتناسب مواصفاته مع كل مرحلة.

ثالثاً، على صعيد المؤسسة العسكرية

رغم كل الأحداث الأمنية التي تشهدها الساحة اللبنانية، فإن نار الأزمة السورية لم تصل بعد بكل فاعليتها إلى لبنان كما أرادها يوماً الرئيس السوري بشار الأسد، والأسباب تختصر كالآتي:

– غياب القرار لدى اطراف أساسية لدى السنة والمسيحيين بعدم حمل السلاح، والتمسك بالدولة ومؤسساتها، وعدم العودة إلى الاقتتال.

– تغليب لغة الحوار في أي مواجهة على لغة العنف.

– قرار دولي يفرض الحفاظ على الاستقرار اللبناني، من هنا، التركيز التركيز على دور الجيش ودعمه وتزويده بالأسلحة الحديثة والعتاد، ممّا يدل بشكل جلّي ولا يقبل الشك، أن الجيش اللبناني ممسوك بإرادة دولية.

وانطلاقاً ممّا تقدم، يعيش لبنان في ظل قرار دولي يمنع عنه نار الفتنة، والنزاعات، والحروب، والانقلابات، لكن الخطورة تكمن إذا ما تبدلت المعطيات والتوازنات الموجودة على المسرح الدولي، فيتبدّل معه المشهد اللبناني برمتّه، وهو الأمر الذي يجب ان يتصدّر أولوية وأجندة صنّاع القرار في لبنان.