تصدَّر لبنانُ خلال فترة الحرب الأهلية لائحة مصدّري المخدرات في الشرق الأوسط، إذ كانَ يُقدّر انتاجه السّنوي يقدّر بنحو ألف طنّ من الحشيشة. ومع نهاية الحرب، فَرضت الحكومة بالتعاون مع برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، الزراعات البديلة ومنعت زراعة الحشيشة.
ولكنّ برنامج الزراعات البديلة كـ “دوّار الشمس” الذي دعمته الأمم المتّحدة، لم ينجح بسبب سوء التمويل. أمام هذا الواقع برزت مطالبة جدية بتشريع زراعة الحشيشة نظرا الى مردودها المادي، في مقابل رفض البعض لتشريعها بسبب أخطارها على الشباب.
وفيما تُشير الأرقام، التي أصدرها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أنّ 3,9% من سكان العالم باتوا يستخدمون الحشيشة، ويراوح حجم المساحة المزروعة بالحشيشة في لبنان بين 10 و30 ألف دونم. فإن كلّ غرام الى الخارج يباع بـ15 دولاراً تقريباً، ما يعني أنّ كلّ دونم يعود بناتج يقدر ما بين 10 و 15 ألف دولار، علماً أنّ القوى الأمنية تعمل سنوياًعلى اتلاف ما بين 1000 و6500 هكتار من الحشيشة.
تعالت الاصوات في الآونة الأخيرة من جهات سياسية ومدنية، مُطالبة بتشريع زراعة الحشيشة، وذلك من منطلقاتٍ إقتصادية وطبية. الخبير الإقتصادي الدكتور مروان اسكندر يؤيد هذا الطرح، إذ يعتبر انه “سمح بزراعة الحشيشة وتدخينها في ولايتين أميركيتين هما كولورادو وواشنطن إضافةً الى هولندا، وثمة 11 ولاية أميركية أخرى تسمح بالحشيشة لحاجات طبية، خصوصاً للذين يُعانون الكآبة”. ويشير الى أنّ “التقارير الطبية التي أُجريت في بريطانيا وأميركا أوضحت أنَّ ضررها أقلّ من ضرر التدخين”.
إقتصاديا، يُشدّد اسكندر على أنَّ “عائدات زراعة الحشيشة ستقارب الملياري دولار، أي 5% من الدخل القومي اللبناني، “نحن أحوج الى خطوة مماثلة في ظلّ التباطؤ النمو، علما أنه لولا البرامج الداعمة من مصرف المركزي، من قروض الإسكان، ودعم للمشاريع الصغيرة، لكُنّا عاجزين عن تحقيق أيّ نمو، فلما لا نسمح بها”.
ويلفت الى أنّ “ثمة مليوني و300 ألف هكتار من الاراضي الصالحة للزراعة في منطقة البقاع”، مشددا على أن تلك المنطقة يُعاني أهلها أوضاعاً اقتصاديةً صعبة جداً، وتشريع الزراعة سيعود عليهم بالدرجة الأولى بالإفادة المادية، اضافة الى توفير فرص عمل لعدد كبير من العائلات السورية الموجودة بكثرة فيها. إنّها نبتة لا تستهلك مياه كالزراعات الأخرى”.
وردا على سؤال عن نظرة المجتمع الدولي للبنان في حال تمَّ التشريع، قال اسكندر “عندما التقيت رئيس منظمة “اليونيسيف” التابعة للأمم المتحدة أنطوني لايك، طرحت معه فكرة زراعة الحشيشة. وردّ الأخير برسالة يقول فيها إنّ الأفكار التي عُرضت “تستحق الإهتمام”، مُضيفاً أنّ “قدرة البلدان على استقبال اللاجئين تكون على نحو أفضل كلّما كان وضع البلد المُضيف أفضل إقتصادياً”.
يدرك اسكندر أنه ليس الوحيد الذي طرح تشريع زراعة الحشيشة، ولكنه ورغم ذلك غير مُتفائل في تطبيقها، لأنّه في ظلّ وجود الطاقم السياسي الحالي، “لا أظنّ أنّه سيكون هناك أي مشروع يعود بالفائدة الواضحة والمنفعة للبلاد”.
ماذا عن الناحية الطبية وهل صحيح أن لها منافع على هذا الصعيد؟ يرفض رئيسُ اللجنة الصحيّة في مجلس النواب النائب عاطف مجدلاني طرح تشريع زراعة الحشيشة انطلاقا من خطورتها على الشباب بالدرجة الاولى ونظرة المجتمع الدولي الى لبنان. وحذر من أن تشريع الحشيشة سيؤدي الى تعاطي الشباب الحشيشة في المرحلة الأولى ومن ثم سيتوجهون نحو المخدرات الأكثر خطورة، من هيرويين وكوكايين لإشباع حاجاتهم”. وإذ أشار الى التداعيات الخطيرة على المجتمع على اعتبار أن المخدرات آفة يصعب الخروج منها، لفت الى ان المراكز التي ترعى التأهيل، لم يعد بمقدورها تحمُّل الحالات التي تتزايد، فكيف اذا تمّ التشريع؟”.
من الناحية الطبية، يُؤكّد أنّه ليس للحشيشة أي فائدة طبية، وأنّ بعض الأطباء يستخدمونها لأسباب ضيّقة وفي حالات مُحدّدة، وهي لا تدخل في تركيبات الأدوية، وليس عليها أي توافق من المؤسسات الصحية الدولية. أمّا من الجانب الإقتصادي، يُشدّدُ مجدلاني على أنّ “ذلك سيساعد في انتشارها الواسع في المجتمع الداخلي، ما يعكس آثاره السلبية على القوى المنتجة في المجتمع، ومن ثم على كلفة الرعاية لإخراج هؤلاء المصابين من إدمانهم. ويُشيرُ الى أنّ بلد صغير كلبنان، لا يتحمل أن يكون بلدا منتجا ومُصدّرا للحشيشة أمام المجتمع الدولي”. وقال “اذا قمنا بالتصريف الداخلي فهذا سيكون له تداعيات كارثية، والتصريف الى الخارج ليس بالامر المألوف، فهل هناك بلد في العالم يُصدّر الحشيشة على نحو علني ومدعوم من الدولة؟”، مما سيطرح علامات استفهام من المجتمع الدولي على لبنان، على حدّ تعبيره.