شجاع البقمي
نحو 10 سنوات مضت من الإصلاح الاقتصادي الجذري الذي مرت به المملكة العربية السعودية، مترجمة بذلك رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، نحو إصلاح اقتصادي شامل، ومتانة مالية متحققة من خلال تعزيز الاحتياطات النقدية للبلاد، بالإضافة إلى نهج البلاد سياسة نفطية عنوانها الأبرز الاتزان والشفافية.
في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، عاشت دول العالم هزات اقتصادية ومالية متتالية، بدأت شرارتها في عام 2008 من الولايات المتحدة الأميركية، وامتدت بعد ذلك لتشمل بقية دول العالم أجمع، إلا أن السعودية بقيت في ظل رؤية قائدها الملك عبد الله بن عبد العزيز في منأى تام عن التأثر بتلك الأزمات المالية التي عصفت بكثير من دول العالم.
وعلى صعيد آخر موازنة مالية تم إعلانها في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، أعلنت السعودية عن أضخم ميزانية من حيث معدلات الإنفاق المُقدرة، رغم تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية بنسبة تتجاوز الـ50 في المائة خلال الأشهر الماضية.
كما أنه رغم تدهور أسعار النفط، فإن السعودية أعلنت في موازنتها الأخيرة أنها ماضية في مشروعاتها التنموية، مع استمرارية الإنفاق لتغطية الاحتياجات الأمنية والعسكرية، والإنفاق على مشاريع الصحة، والتعليم، والإسكان.
وتعليقا على الميزانية الأخيرة للسعودية، قال وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف حينها «رغم أن الميزانية أعدت في ظل ظروف اقتصادية ومالية دولية تتسم بالتحدي، إلا أن السعودية ومنذ سنوات طويلة اتبعت سياسة مالية واضحة تسير عكس الدورات الاقتصادية بحيث يستفاد من الفوائض المالية المتحققة من ارتفاع الإيرادات العامة للدولة في بناء احتياطيات مالية وتخفيض الدين العام، مما يعطي عمقا وخطوط دفاع يستفاد منها وقت الحاجة، وقد نُفّذت هذه السياسة بنجاح كبير عندما تعرض العالم للأزمة المالية في عام 2008 وما تبعها من انخفاض كبير في الإيرادات في عام 2009. حيث كانت المملكة في حينها من أقل الدول تأثرا بتلك الأزمة».
وفي السياق ذاته، كشفت وزارة الإسكان السعودية، أخيرا، عن توافر أكثر من 306 آلاف منتج سكني جاهز للتسليم خلال الفترة الحالية، ما يعني أن الوزارة ستنجح في خطواتها الأولى من الإيفاء بطلبات نحو 40 في المائة من المشمولين بقائمة استحقاق «الإسكان» التي تم الإعلان عنها قبل عدة أشهر.
وتأتي هذه الخطوة التاريخية التي أعلنتها وزارة الإسكان السعودية، تحقيقا لرؤية الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله المتمثلة في زيادة معدلات تملك المواطنين السعوديين للمساكن، حيث من المأمول أن تنجح الوزارة في رفع معدلات تملك السعوديين للمساكن من مستويات 60 في المائة إلى ما نسبته 85 في المائة، خلال السنوات الـ5 المقبلة.
وتسعى السعودية خلال الفترة الحالية إلى إحداث تغييرات كبرى على خريطة قطاع الإسكان في البلاد، حيث تأتي خطوات وزارة الإسكان الأخيرة في وقت نجحت فيه لجنة المساهمات العقارية بوزارة التجارة والصناعة في إنهاء ملفات حزمة من المساهمات العقارية المتعثرة، ما يقود إلى رفع حجم المعروض في السوق النهائية.
ويرى مختصون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، حينها، أن الخطوات الكبيرة التي تقوم بها السعودية في قطاع الإسكان من المتوقع أن تقود إلى الضغط على أسعار الأراضي البيضاء، ما يزيد من فرصة تصحيح أسعار الأراضي.
وفي الأشهر الأخيرة من عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، اقتربت لجنة المساهمات العقارية في وزارة التجارة والصناعة السعودية من إنهاء ملفات 13 مساهمة عقارية متعثرة، حيث دعت اللجنة، المساهمين إلى سرعة تحديث بياناتهم البنكية لتسليمهم كافة حقوقهم المالية، وهو ما يعني انفراجا تاما لأزمة 13 مساهمة عقارية متعثرة، في وقت تترقب فيه السوق العقارية السعودية إنهاء ملفات بقية المساهمات المتعثرة.
وتعد جهود لجنة المساهمات العقارية في وزارة التجارة والصناعة، سببا أساسيا في إنهاء بعض ملفات المساهمات العقارية المتعثرة في السوق السعودية، وسط عقوبات قوية فرضتها على أصحاب هذه المساهمات تصل إلى مرحلة السجن والمنع من السفر، ما يعني أن السوق العقارية السعودية أمام فرصة زيادة حجم المعروض في حال إنهاء ملفات المساهمات العقارية المتعثرة وضخها في السوق النهائية.
وفي هذا الإطار، كشفت البيانات الصادرة من وزارة التجارة والصناعة السعودية، في وقت سابق، عن أن عدد المساهمات العقارية المتعثرة التي يتم النظر فيها يبلغ نحو 404 مساهمات، في حين يبلغ عدد المساهمات العقارية المرخصة من مجموع المساهمات العقارية المتعثرة نحو 120 مساهمة، في وقت تمت فيه تسوية 88 مساهمة عقارية متعثرة، وفقا لآخر إحصاءات مطلع العام الماضي.
وعلى صعيد قطاع العمل وتوطين الوظائف، شهدت الأسابيع الأخيرة من عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، ربطت السعودية بشكل رسمي شهادة السعودة، بإصدار سجلات وتجديد تراخيص منشآت القطاع الخاص في البلاد، في خطوة جديدة تستهدف من خلالها المملكة رفع معدلات توطين الوظائف، من خلال خلق آلاف الفرص الوظيفية الجديدة أمام المواطنين في القطاع الخاص.
وفي هذا الشأن، قرر مجلس الوزراء السعودي، حينها، بعد استعراض المقترحات المرفوعة من وزير العمل، أن تكون شهادة السعودة التي تصدرها وزارة العمل من المستندات الرئيسية التي يجب أن تحصل عليها منشأة القطاع الخاص عند طلب إجراء: تجديد التراخيص الخاصة بفتح المنشآت وتشغيلها، أو إصدار تأشيرات زيارة العمل إلى السعودية، على أن تقوم وزارة العمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية لإيجاد آلية مناسبة بين الوزارتين في هذا الشأن.
وبحسب قرار مجلس الوزراء، فإن شهادة السعودة أصبحت شرطا أمام إصدار سجل تجاري لفرع منشأة لم تحقق نسبة السعودة المطلوبة نظاما، أو تجديد التراخيص اللازمة لمزاولة الأنشطة المهنية أو الحرفية، والحصول على خدمات الكهرباء بالنسبة إلى المنشآت التي يعمل فيها 9 أشخاص فما دون، وليس من بينهم سعودي واحد غير مسجل في أي منشأة أخرى.
وبالعودة إلى أرقام الميزانية الأخيرة للسعودية والتي تم الإعلان عنها في الأسابيع الأخيرة من عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، أظهرت الميزانية العامة للبلاد أرقاما تاريخية جديدة تتمثل في ارتفاع معدلات الإنفاق الفعلية فوق مستويات التريليون ريال خلال عام 2014. فيما رصدت البلاد نحو 860 مليار ريال (229.3 مليار دولار) للعام الجديد 2015. مسجلة بذلك معدلات إنفاق متزايدة.
وفي ضوء هذه التطورات، رسمت المملكة في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، ملامح تقليل معدلات الاعتماد على إيرادات النفط، من خلال زيادة مساهمة القطاع الخاص في تحقيق معدلات نمو أكبر لاقتصاد البلاد، بالإضافة إلى رفع مساهمة الإيرادات المالية الأخرى خلال الفترة المقبلة.
واعتمدت الميزانية السعودية خلال السنوات الماضية في إنفاقها بنسبة 90 إلى 93 في المائة على إيرادات «النفط»، إلا أن نسبة الاعتماد هذه من المتوقع أن تنخفض إلى مستويات أقل من 90 في المائة خلال ميزانية 2015 الفعلية، في تطور جديد يعكس مدى حرص المملكة على تنويع قنوات الإيرادات المالية للبلاد.
ويعد تنويع مصادر الدخل خطوة استراتيجية تسعى السعودية إلى إتمامها خلال السنوات القليلة المقبلة، خصوصا أن تقلبات أسعار النفط باتت تشكل هاجسا كبيرا لكثير من دول العالم خلال الفترة الحالية، وهو الهاجس الذي نجحت المملكة في تجاوزه بفضل السياسة المالية المتحفظة التي كانت تنتهجها، وهي السياسة التي تغيرت إلى حد ما في موازنة 2015، حيث أصبحت السعودية أكثر واقعية في تقديراتها لأسعار النفط.