في سياق الحرب المفتوحة بين الجيش اللبناني وبين الإرهابيين من تنظيمي “داعش” و”النصرة”، جاءت معركة موقع الحمرا في رأس بعلبك بمنطقة البقاع للمرة الثانية خلال أشهر قليلة، لتعيد تظهير مخطط “داعش” للتمدد إلى الداخل اللبناني وفرض نفسها لاعباً على ساحة تعج باللاعبين الآخرين.
ورغم الكلفة البشرية الباهظة التي تكبدها التنظيم إذ خسر في المعركة نحو ثلاثين مقاتلاً، إلا أن سلوكه العسكري يعكس من جهة، إصراره على تنفيذ خطته، ويظهر من جهة ثانية، مدى احتقاره للحياة الإنسانية، إذ يزج بمقاتليه في معركة صعبة وهو العارف أنهم لن يخرجوا منها سالمين. من الجهة اللبنانية، دفع الجيش ضريبة كبيرة باستشهاد ثمانية عسكريين، لأنهم صمدوا في موقعهم المستهدف، رغم ضعف الإمكانات التسليحية لديهم. وسرعان ما وصلت التعزيزات لتطرد المسلحين من الموقع وتطاردهم في الجرود مخلفين وراءهم عشرات القتلى.
السبب المباشر لهذا الهجوم الانتحاري من قبل إرهابيي “داعش”، هو أن الجيش اللبناني فتح قبل أيام قليلة طريقاً محمياً للتنقل بين مواقعه، بعد أن كان جنوده وآلياته ولأشهر طويلة عرضة لإطلاق النار الدائم، على طرقات مكشوفة لمواقع المسلحين.
وهذا التحول العسكري أزعج قيادة الإرهابيين، فقررت فتح هذه المعركة في محاولة لتغيير المعادلة على الأرض. أما السبب الكامن وراء الهجوم، فهو أن المنطقة المستهدفة مختلطة طائفياً وفيها قرى مسيحية عدة، ومنها بلدة رأس بعلبك. ويحاول “داعش” السيطرة عليها، لامتلاك ورقة تخوله اللعب على التوازنات الداخلية اللبنانية، ومحاولة إيجاد موطئ قدم داخل لبنان لجذب العناصر المتطرفة، في ما يعرف بالخلايا النائمة.
من ناحية ثانية، فإن التنظيم الإرهابي الذي يقاتل في سورية والعراق، يريد بأي ثمن ضم لبنان إلى معادلته الإقليمية، لأن هذا البلد هو جزء من بلاد الشام، وبه تكتمل مغامرة أبو بكر البغدادي، بإقامة ما يسمى بـ”دولة العراق والشام”، لذا ومهما كلف الأمر من خسائر فمحاولات الاختراق ستستمر، خصوصاً بعد أن عزز “داعش” قواته في الجهة السورية من الحدود مع لبنان وحسم الأمر له على حساب الكثير من التنظيمات المسلحة.
مرة جديدة أثبت الجيش اللبناني شجاعته وتضحيته في خوض معركة عسكرية صعبة ذوداً عن لبنان، ومرة أخرى يلتف حوله اللبنانيون بقوة. ويبقى أن تعمل الحكومة على تسريع عمليات تزويده الأسلحة المتطورة، لأن الحرب ضد الإرهاب الرابض على الحدود طويلة جداً.