Site icon IMLebanon

الاقتصاد العالمي مرشَّح للنمو.. وسط حقل ألغام

GlobalEconWorld
مارتن وولف
«الوظيفة الوحيدة للتنبؤ الاقتصادي هي جعل علم التنجيم يبدو محترماً». هذا ما قاله الخبير الاقتصادي الكندي ـــ الأميركي جون كينيث غالبريث عن التوقعات الاقتصادية. لكن ذلك لا يعني أننا لا يمكن أن نقول شيئاً مفيداً، فبإمكاننا ـــ على الأقل ـــ أن نحدِّد الاتجاهات الاقتصادية وعدداً قليلاً من الأمور المجهولة.

هناك احتمال كبير جدّاً بأن ينمو الاقتصاد العالمي. فقد سجّل الاقتصاد العالمي نموّاً في كل عام منذ الحرب العالمية الثانية، مع استثناء وحيد في عام 2009، وهو العام الذي اندلعت فيه الأزمة المالية العالمية، عندما انكمش، بواقع %2 في أسعار الصرف في السوق، وبقي ثابتاً تقريباً من حيث معادل القوة الشرائية.

يتوقّع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة %4 تقريباً من حيث معادل القوة الشرائية. وهي بداية جيدة ومهمة أيضا: فحين يسجل النمو السنوي %4، فان الاقتصاد العالمي يتضاعف كل 18 عاماً.

كما يمكن أن نكون متأكدين الى حد ما من أن الاقتصادات الناشئة ستسجل نموا بوتيرة أسرع من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، كما أن اقتصادات آسيا الناشئة، أي اقتصادات شرقي وجنوبي آسيا، سوف تنمو بوتيرة أسرع من الجميع. وكان هذا أيضا نمطاً طويل الأجل.

اذ حققت الاقتصادات الناشئة الآسيوية نموا بوتيرة أسرع من الاقتصادات الناشئة مجتمعة في كل عام تقريبا منذ 1980، حتى في عام 1998، وهو العام الأسوأ في الأزمة المالية الآسيوية. الاقتصاد في آسيا يتباطأ حاليا، ويُعزى ذلك ـــ الى حد كبير ـــ الى التباطؤ الاقتصادي في الصين. لكن لا يزال من المتوقع أن يسجل نموا بمعدل سنوي يتجاوز %6.

ومن المتوقع أن تنمو الاقتصادات الناشئة ككل بنسبة قريبة من %5 سنويا. وفي غضون ذلك، من المتوقع أن تحقق الاقتصادات ذات الدخل المرتفع نموا بنسبة أعلى قليلا من %2. السبب الرئيسي وراء نمو الاقتصادات الناشئة بوتيرة أسرع من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع هو اللحاق بركبها، أي امكانية تطبيق المعرفة القائمة بالفعل، وهي امكانية لم تستنفد بعد. وباستثناء وقوع كارثة من نوع ما، فمن المتوقع أن يستمر هذا الأمر، لكونه القوة العاملة الأقوى في الاقتصاد العالمي منذ عقود عدة.

من بين الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، من المنطقي أيضا أن نراهن على أن الولايات المتحدة سوف تنمو بوتيرة أسرع من أوروبا واليابان في أي سنة بعينها. ويعود ذلك جزئيا الى أن الديموغرافيا فيها أفضل، وبسبب ـــ أيضا ـــ التقدّم التقني الأسرع فيها.

ومن ثم، الى أي مدى يمكن أن نذهب أبعد من ذلك في تقييم عام 2015 على وجه التحديد؟

الإيجابيات المحتملة

تركّز التوقعات قصيرة الأجل دائما على الطلب. الا أنه من المنطقي أن ندرج العرض أيضا. فالاقتصادات التى تعاني من ركود استثنائي في النشاط الاقتصادي يمكن أن تنمو بوتيرة أسرع من المعتاد. ومن بين الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، تعتبر بلدان الأطراف في منطقة اليورو الأكثر ركوداً، وهي التي يمكن أن تحقق الآن نموا أسرع نسبيا.

ويمكن أن يبدأ التحسّن حتى في 2015، لكون أسعار الفائدة طويلة الأجل منخفضة، والميزانيات العمومية للقطاع الخاص باتت أقوى والعجز المالي تحت السيطرة. واذا تجاوز البنك المركزي الأوروبي جميع المعوقات، فان الارتفاع في مستوى الثقة ربما يدهشنا.

صدمة ايجابية أخرى لجهة العرض ربما تتمثل في حدوث انتعاش في نمو الانتاجية في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع التي ضربتها الأزمة، ومنها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. ومن شأن حدوث ذلك أن يشكل مفاجأة صغيرة.

مفاجأة ايجابية أخرى على صعيد العرض قد نشهدها في الهند، التي ستكون صاحبة الاقتصاد الكبير الأسرع نموا في العالم، خلال العقدين أو العقود الثلاثة المقبلة.

ومن العوامل المساعدة الأخرى استمرار انخفاض معدل التضخم. وهو ما يسمح للسلطات النقدية بأن تبقى متساهلة في سياساتها. ومن المتوقع أن يحدث التشديد في السياسات النقدية في بريطانيا والولايات المتحدة بوتيرة بطيئة. أما في منطقة اليورو واليابان، فستسير السياسة النقدية في الاتجاه المعاكس، وذلك بسبب أن المخاوف من الانكماش لا تزال قوية. ولأن الاقتصاد الصيني يضعف، تجد بكين نفسها مدفوعة للتخفيف من سياساتها النقدية.

العامل الايجابي الأكثر أهمية يتمثل في انخفاض أسعار النفط. وتتوقع مدونة لصندوق النقد الدولي مثيرة للاهتمام أن يزداد الناتج العالمي بنسبة تتراوح ما بين %0.3 و%0.7 في عام 2015 نتيجة لذلك. ويساعد انخفاض أسعار النفط عن طريق الحد من التضخم ورفع مستوى الدخل الحقيقي للمستهلكين. واذا ما بقيت الأسعار عند مستويات منخفضة، فان هذه الفائدة قد تدوم لفترة من الوقت.

السلبيات المحتملة

ولننظر الآن الى السلبيات المحتملة. تشير التجارب الى أن اندلاع أزمة مالية كبيرة هو الحدث الاقتصادي الأكثر تأثيراً وتسبباً في اعاقة النمو العالمي. ومن المخاطر الواضحة التي قد تهدد النمو العالمي حدوث انهيار مالي في الصين وانهيار في منطقة اليورو أو أزمة حادة في الاقتصادات الناشئة مع ارتفاع قيمة الدولار وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية وهروب رؤوس الأموال.

وتبدو جميع تلك الاحتمالات ممكنة. لكن لا يبدو أن أيا منها سيحدث، ويعود ذلك ـــ الى حد كبير ـــ الى أن صانعي السياسات في جميع تلك الحالات سيكونون ـــ على الأرجح ـــ قادرين على التعامل مع المخاطر. بيد أن الخطر الأكبر سيكون في تفكك منطقة اليورو. وهو مشروع سياسي، أسسه السياسية التي يستند اليها هشّة وضعيفة. ان تنجو المنطقة من التفكّك أمر وارد، لكنه غير مؤكد.

مصدر آخر محتمل لاحداث اضطراب وتعطيل شديدين، يتمثل في وقوع صدمة جيوسياسية. لكن تلك الصدمة لا بد أن تكون كبيرة. حرب 1973 بين الدول العربية واسرائيل وهجوم العراق على ايران في 1980 ارتبطتا بشكل وثيق بالصدمات النفطية. الهجمات الارهابية الأخيرة لم تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد العالمي. بيد أن اندلاع الصراع بين القوى الكبرى أو حدوث حرب نووية في الخليج أو ارهاب نووي، ربما تكون أحداثا تغيّر قواعد اللعبة. لكن صراعا مباشرا بين القوى العظمي لم يحدث منذ الحرب الكورية. وقد ثبت خلال الحرب الباردة أنه يمكن التعامل والتحكم في النتائج الاقتصادية للحروب بالوكالة. ولا يسع المرء سوى أن يأمل في أن ينطبق الأمر ذاته على الحرب الباردة الجديدة بين روسيا والغرب.

أنْ نشهد عاماً آخر من النمو المعقول في الاقتصاد العالمي هو باختصار أمر بعيد. وهذه هي النتيجة الأكثر ترجيحا في 2015. مع ذلك، يمكن أن يكون 2015 عاما جيدا نسبيا، تحديدا في الولايات المتحدة. لكن، وهنا نضع «لكن» كبيرة، تبقى التحديات الهيكلية العميقة قائمة.

وعلى وجه التحديد، نستمر في الاعتماد على البنوك المركزية لادارة ما أطلقت عليه في مقال سابق «متلازمة نقص الطلب المزمن». بيئة أسعار الفائدة المنخفضة جدا هي العارض الأكثر تعبيراً عن هذا الوضع. ومع تراجع معدلات الاستثمار المرتفعة على نحو غير عادي في الصين، فان نقص الطلب سيزداد سوءا على الأرجح. ونقص الطلب في ألمانيا يجعل من حل أزمة منطقة اليورو أمراً صعباً للغاية. لكن يجب على البنوك المركزية أن تكون قادرة على التكيّف لعام آخر.