استبعدت مصادر ديبلوماسية لـ”المستقبل” أن يلجأ “حزب الله” إلى الردّ على إسرائيل بعد عملية القنيطرة، انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، نظراً إلى درئه مخاطر أي انزلاق نحو حرب جديدة على لبنان ليس في مقدوره ولا أي طرف فيه تحمُّل تبعاتها.
كما أنّ هذا الاستبعاد يتم على خلفية أنّ الحزب لا يستطيع أن يفتح جبهة جديدة، في حين أنّه ينشر قوّاته في مناطق خارج لبنان، ولم تعد قوّاته محصورة بلبنان، فضلاً عن عدد القتلى الذي نجم وسينجم عن مشاركته في الحرب السورية، وفقاً للمصادر.
كذلك وفي هذا الإطار، لم يعد الداخل اللبناني بالكامل معه، كما كان الوضع عند اندلاع حرب تموز 2006. كل الأطراف اللبنانيين الآن ليسوا معه باستثناء الطائفة الشيعية فقط. وبالتالي، أي حرب يخوضها ليس النصر حتمياً فيها. لذا الحزب قد يتريّث عملياً في الردّ، وقد يمرِّر فترة من الوقت، تمتد لشهر أو شهرين من دون ردّ.
في حين أنّ إسرائيل قد تكون لها مصلحة بالردّ من جانب الحزب، لا سيما وأنّ الانتخابات تقترب فيها. وقد يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي ردّ بتصعيد كبير لإظهار نفسه أنّه بطل قومي، ولكسب عطف الناخبين، ما يعني أنّ أي ردّ من الجنوب، هو مغامرة، من غير المرجح أن يقوم الحزب بها.
الحزب في المرحلة الراهنة مشغول بسوريا، وقواه موزَّعة وأسلحته أيضاً، ثم هناك الخسائر في صفوفه التي تكبّدها هناك. وإذا أعاد قواه وسلاحه إلى لبنان فهذا يعني أنّ جبهة سوريا ستتأثر، وأنّ النظام ومن وراءه إيران سيتأثران.
ويبدو وفقاً للمصادر، أنّ إسرائيل قامت بعملية القنيطرة ليس لاستهداف قيادات الحزب بالقتل، إنّما لقتل القائد الإيراني الذي يتولّى العمليات خارج إيران، وهو هدف لها منذ زمن. قد يكون الهدف التخريب على المفاوضات الإيرانية مع دول الغرب، لا سيما مع الولايات المتحدة، التي قد تؤدّي إلى اتفاق حول البرنامج النووي. والعملية الإسرائيلية قد تسفر عن تصلُّب الموقف الإيراني بشكل أقوى في التفاوض.
إسرائيل غير مرتاحة لأن يتم إيجاد حل ديبلوماسي للبرنامج بين واشنطن وطهران، ويؤدّي لاحقاً إلى ترتيب العلاقة بينهما، وتنتقل إلى مرحلة من الدفء في العلاقات.
وتشير مصادر ديبلوماسية أخرى، إلى أنّه كان يتم التحضير من جانب إيران والحزب لتحرُّك ما من الجولان، فقامت إسرائيل بضربة القنيطرة لاستباق إمكان القيام بأي عمل عسكري هناك. ومن غير الصعب أن تعلم إسرائيل بحركة التنقلات هناك بوجود أجهزة التنصُّت لديها، مع احتمال وجود اختراق ما.
وسأل ديبلوماسيون غربيون بعد ساعات على العملية زملاء لهم من الشرق الأوسط، حول مدى تأثير هذه العملية على الحزب وإيران وعلى وضع المنطقة، كما سألوا عن أهمية الكوادر الإيرانية والحزبية التي قُتلت في العملية.
وأبلغت دول غربية لبنان أنّها تضغط في اتجاه عدم انزلاق الوضع إلى ردّ وردّ مقابل، لا سيما انطلاقاً من لبنان، فالدول يهمّها استمرار الاستقرار اللبناني، من أجل وضع لبنان، وسلامة جنودها المتواجدين في الجنوب وعلى الحدود مع إسرائيل في إطار “اليونيفيل” وحماية تنفيذ القرار 1701.
وتؤكد مصادر ديبلوماسية مطّلعة على العلاقات الدولية أن ليس هناك من طرف في المنطقة له مصلحة بالتصعيد باستثناء إسرائيل بهدف جرّ المنطقة إلى حرب لاعتبارات مختلفة؛ أوّلها، الانتخابات الإسرائيلية ووضع نتنياهو غير المريح في الداخل، وأي حرب يخوضها قد تنعكس إيجاباً عليه لناحية ضمان فوزه وفوز مرشّحيه. وعلى الرغم من حصول تصعيد كلامي من إيران لناحية الردّ، فإنّ هناك حرباً كلامية مفتوحة بين إيران وإسرائيل، وبين الأخيرة و”حزب الله”. والتصعيد الكلامي من جانب إيران بديهي، لكن تحويله إلى تصعيد فعلي يحتاج إلى حسابات دقيقة، لعل أبرزها ما يتعلق بإمكان الردّ من الأراضي السورية، أي منطقة الجولان. وهذا يحتاج إلى موافقة النظام، وما إذا كان يقبل بدخول إسرائيل على خط الوضع السوري أم لا.
وتعتبر مصادر مطلعة على مواقف الحزب، أنّ عدم إعلان الحزب أي تفاصيل في ما يتّصل بردّ الفعل، مرتبط أساساً بظروف ميدانية وطبيعة الردّ بكل جوانبها. وبات واضحاً أنّ هناك ردّاً محسوماً. أمّا كيفية الردّ ومكانه وزمانه فأمور تتحدّد داخل الحزب بما يتناسب مع حجم العدوان الذي حصل.
وهناك مؤشّرات إلى أنّ الاحتمال الأقوى للردّ يمكن أن يكون من الجولان، لأنّ العدوان أصلاً حصل هناك. وإذا جاء من الجولان فيحدث توازناً بين العدوان والردّ، وقد يُمكِّن من فتح جبهة الجولان بحيث تتحوَّل إلى مسرح عمليات على طريقة عمل المقاومة، من دون أن يؤدّي ذلك إلى حرب شاملة، وفي الوقت نفسه تستهدف جبهة “النصرة” هناك.