جوزف فرح
الى أين استمرار تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية؟ وهل يصل سعر برميل النفط الى 20 دولارا أو 15 دولارا؟ وما هي تداعياته الإيجابية على لبنان باعتباره بلدا مستهلكا للنفط؟
الإيجابية الأولى والسريعة كانت في تراجع سعر صفيحة البنزين من 39 الف ليرة الى 22 الف ليرة، والإيجابية الثانية انخفاض العجز في مؤسسة كهرباء لبنان بحوالى 600 مليون دولار أميركي لمصلحة الخزينة، لكن السلبية الأولى هو ان أسعار السلع والمواد الغذائية لن تتراجع بالوتيرة نفسها لتراجع أسعار النفط.
وبرأي الخبير المالي والإقتصادي وليد ابو سليمان ان «أسباب تراجع أسعار النفط هي أسباب اقتصادية مالية، إنما بالنتيجة هي أسباب سياسية، إذ ان الولايات المتحدة الأميركية سبق أن خاضت جولات حروب سياسية ودبلوماسية ضد المحور الثاني المتمثل بالصين وروسيا ووراءهما إيران، ولم تفلح في تحقيق النجاح، بعد ذلك أعلنت البدء بالتنقيب عن الغاز الصخري بغية الإكتفاء الذاتي، علما انها بنت سياستها الإقتصادية ما يقارب العقد ونيف على استيراد النفط، وبالتالي فإن انخفاض النفط هو بمثابة نقاط إيجابية لأميركا، وتجلى ذلك بنفض غبار الأزمة المالية العالمية ونمو 5 بالمئة في الفصل الثالث وانخفاض لنسب البطالة التي وصلت الى 5,7 بالمئة بعد ان كانت 9 بالمئة. وأخذ قرار توقف التحفيز النقدي الذي كانت تتبعه شهريا.
في المقلب الثاني، انخفاض أسعار النفط أدى الى تدور العملية الروسية والى ركود اقتصادي وارتفاع نسب البطالة من روسيا، علما ان معظم وارداتها كانت مبنية على النفط، وكانت ميزانية 2015 تتوقع أن يكون برميل النفط مئة دولار أميركي، بينما أصبح اليوم 45 دولار أميركي.
أما بالنسبة لإيران، فليس خفيا على أحد ان إيران عبرت عبر المرشد الروحي ورئيس جمهوريتها ان انخفاض النفط هو بمثابة حرب على البلدان المنتجة للنفط، وكانت موازنتها تعتمد على برميل النفط 130 دولارا اميركيا، واليوم بهذه الأسعار سيكون العجز في إيران كبيرا مما سيؤدي الى ارتفاع في الدين العام والى تباطؤ اقتصادي.
ما معنى ذلك سياسيا؟
يعتبر ابو سليمان ان روسيا لم تعد قادرة على تمويل الحرب الباردة المتمثلة بالحرب الدائرة في سوريا، بالإضافة الى تأثير ذلك على المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول الصراع النووي.
وعن التوقعات فيصعب على ابوسليمان التكهن، ذلك لأن التكهنات مبنية على عدم تجارب الأسواق لعملية العرض والطلب، إنما للهيمنة السياسية وبالتالي لم تعد «اوبيك» تحمي أسعار النفط، وأصبح بالتالي المتحكم بأسعار النفط هو الولايات المتحدة الأميركية وموازنات الخليج كانت تعتمد على أسعار برميل نفط يتراوح بين 60 و100 دولار اميركي.
وعن تداعيات انخفاض النفط على لبنان قال ابو سليمان: «نحن بلد مستهلك ومستورد للنفط وتداعياته إيجابية على الإستهلاك وعلى الإنتاج لأن 60 في المئة من المواد الإستهلاكية تعتمد على النفط بشكل أساسي. كما ان الإنتاج الصناعي يعتمد على النفط، وهذا يعني ان الكلفة ستنخفض، كما ان خزينة الدولة ستستفيد خصوصا بالنسبة للكهرباء.
ويقول عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات ومدير عام شركة «بركس بتروليوم» جورج براكس: «المستوى المنخفض لسعر برميل النفط في الأسواق العالمية الذي له تأثير على ارتفاع القدرة الشرائية عند المستهلك وانخفاض الكلفة في الإنتاج الصناعي، لم يؤد الى زيادة الطلب كما كانت التوقعات وذلك بسبب ضعف النمو في الإقتصاد الدولي، وان التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي توقع استمرار التراجع في نمو الإقتصاد العالمي، مرتكزا على الجمود في النمو في منطقة اليورو الأوروبية والتباطؤ في نمو الإقتصادي الصيني الذي لم يلحظ مثيله منذ أكثر من 25 سنة. وركز التقرير على ان اسعار النفط الحالية لا تكفي بالرغم من مستواها المنخفض الى تعديل وإعادة تموضع في هذا الإقتصاد العالمي، مما يعني ان الأسواق ستواصل مسيرتها نحو انخفاض إضافي وطويل».
اضاف : «من ناحية أخرى هناك مثل روسيا وإيران وفنزويللا تعاني من تدهور الأسعار مما ينعكس سلبيا على اقتصادها. ففنزويللا بحاجة الى برميل نفط في حدود 115 دولارا لتعديل العجز في ميزانيتها، وهذا ما حدا بالرئيس الفنزويللي القيام بجولة الى الجزائر وإيران ترتكز على أسعار النفط لأن حجم الدين العام لديها يضعها على حافة الإفلاس. كما ان روسيا تعتمد على البترول والغاز لتغطية أكثر من 50 بالمئة من إيراداتها، وإزاء تدهور أسعار النفط بنسبة 60 بالمئة تقريبا منذ شهر حزيران 2014 إضافة الى العقوبات الإقتصادية غير المسبوقة المفروضة عليها قد وضع اقتصادها في حالة حرجة جدا. فالروبل الروسي وبعد أن فقد ما يقارب 41 بالمئة من قيمته خلال سنة 2014 مقابل الدولار الأميركي، خسر ما يقارب 16 بالمئة منذ بداية السنة الحالية.
لغاية اليوم كل المعطيات وقراءة السياسات الدولية في هذا المجال، تشير الى استمرار تدهور الأسعار في الأسواق العالمية.
في لبنان، لحظ جدول تركيب أسعار المحروقات الأخير انخفاض سعر صفيحة البنزين 500 ليرة لبنانية لتصبح 21700 ليرة للبنزين 95 اوكتان و22300 ليرة للبنزين 98 أوكتان. هذا التخفيض في السعر هو نتيجة تقلب الأسعار العالمية ولا يعيد الى المستهلك اللبناني ال500 ليرة التي تم فرضها عليه ضريبة الأسبوع الفائت وإضافتها على الرسوم المفروضة على البنزين. نتمنى أن تواصل الوزارة تخفيض سعر المحروقات دون زيادة ضرائب جديدة لأن من حق المستهلك أن يستفيد من هذا الإنخفاض لأنه دفع الثمن غاليا عندما كانت الاسعار مرتفعة جدا، ولم تعمد الوزارة الى تخفيض الرسوم الى الصفيحة حينها، وإذا بقي تدهور الأسعار عالميا على ما هو، فيمكن أن نتوقع صفيحة بنزين بسعر 17000 ليرة لبنانية شرط عدم زيادرة الرسوم وعدم تثبيت السعر.
من ناحية أخرى، هذا الإنخفاض في الأسعار له انعكاسات إيجابية كبيرة على الإقتصاد المحلي وعلى خزينة الدولة والسيولة. فهو سيقلص من حجم فاتورة الإنفاق العام في الدولة مما يساهم من تراجع حجم العجز في الموازنة العامة، كما ان فاتورة المحروقات في مؤسسة كهرباء لبنان ستنخفض ايضا وتقلص حجم السلفات التي ستطلبها من الخزينة مما يساعد في تحسين وضع المالية العامة. ويساهم في انخفاض ما يسمى بكلفة الدين العام أي بحجم الفوائد المتوجبة عليه. فلتكتف الدولة بهذا التوفير الذي يفوق حجمه مئات الدولارات ولتترك للمستهلك فرق أسعار البنزين لكي يرفع جزئيا من قدرته الشرائية وإعالة عائلته وتعليم أبنائه، كما ان هذه الفروقات ستعود لتصرف في الأسواق الإستهلاكية المحلية مما يعطي نفحة اوكسجين للحركة التجارية والإقتصادية والنمو في لبنان. فلتذهب الدولة وتفرض الرسوم والضرائب على الأملاك البحرية والنهرية التي يحتل شاغلوها أملاك المواطنين اللبنانيين منذ عشرات السنين مجانا ويجنون منها الأرباح الكبيرة ومئات ملايين الدولارات».