يوجه كثير من الأقلام المغرضة اللوم عن تراجع الأسعار الأخير إلى المملكة، وكأن المملكة المنتج الوحيد في العالم للنفط. وتنتج المملكة برميلا واحدا من كل ثمانية براميل في العالم وتصدر نحو برميل من كل سبعة براميل، بينما ينتج الباقون معظم النفط وباستطاعتهم الدفاع عن الأسعار بفعالية أكبر. والمملكة جزء من معادلة العرض والطلب النفطي، ولكنها لا تمثل كل المعادلة وإنما تؤثر فيها وتتأثر بها بدرجة أكبر. ولهذا فإن عليها توخي الحذر عند صنع قراراتها والحفاظ على مصالحها بالدرجة الأولى. وقد لعبت المملكة في فترة من الفترات دور المنتج المرجح وكان هذا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي. وقد أدت هذه السياسة إلى تضحية المملكة بحصتها في أسواق النفط في عام 1986 حتى تراجع إنتاجها بستة ملايين برميل في اليوم وانحدر مستواه إلى أقل من مليوني برميل في اليوم في جزء من ذلك العام، ولم يمنع ذلك تراجع الأسعار ولفترة طويلة. ونتيجة لذلك تخلت المملكة عن هذا الدور وأصبحت تنسق مع باقي أعضاء منظمة أوبك في مستويات حصص الإنتاج. وتخلت المنظمة مع مرور الوقت عن سياسة الدفاع عن الأسعار وصارت تركز على تحديد حصص الإنتاج. ولكن يبدو أن الأسواق وكثير من المنتجين يتوقعون ويفترضون أن المملكة ما زالت تقوم بدور المنتج المرجح، وهذا خطؤهم وليس خطأ المملكة وهي غير ملزمة بتصورات وافتراضات الآخرين. وتحمل بعض الأقلام الغربية والشرقية على حد سواء المملكة مسؤولية تراجع الأسعار بسبب قرارها الأخير في شهر نوفمبر من عام 2014 بعدم خفض الإنتاج. وتتناسى هذه الأقلام الجهود التي بذلتها المملكة والأموال الطائلة التي أنفقتها لزيادة طاقتها الإنتاجية لتأمين استقرار الأسواق النفطية والدفاع عن مصالح الدول المنتجة للنفط. ويحاول كثير من هؤلاء إبراز قرار المملكة بعدم خفض إنتاجها على أنه السبب الوحيد في خفض أسعار النفط الأخير. وقد بذلت المملكة طول تاريخها جهودا مضنية في الدفاع عن مصالحها ومصالح المنظمة. وقد اتخذت المملكة قرارها الأخير دفاعا عن مصالحها ومصالح المنظمة ككل، ولم تتخذ هذا القرار إلا بعد أن رأت أن سياسة خفض إنتاجها وإنتاج المنظمة في الوقت الحالي ستكون قليلة الفعالية في الدفاع عن الأسعار، في ضوء التطورات التاريخية والحقائق القائمة حاليا في أسواق النفط العالمية. وقد حاولت المملكة خلال الأشهر الأولى من عام 2014 أن تلتزم بأسعار السوق ولكن صادراتها من النفط الخام تراجعت بعض الشيء. وتشير بيانات صادرات المملكة من النفط الخام إلى تراجع متوسط صادراتها اليومية خلال فترة الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2014م بنحو 400 ألف برميل يوميا أو بما نسبته 5.6 في المائة. وقد انخفضت صادرات المملكة من النفط الخام من نحو 7.844 مليون برميل يوميا في سبتمبر 2013 إلى نحو 6.722 برميل يوميا في الشهر المقابل من عام 2014. وهذا يشير بوضوح إلى أن المملكة لا تتحمل أي مسؤولية تجاه الفائض في العرض العالمي من النفط، بل إنها حاولت الدفاع عن مستويات الأسعار السابقة حيث خفضت صادراتها من النفط الخام، ولكن الأسواق عوضت هذه الكميات بكميات أكبر ما أدى إلى خفض مستويات صادرات المملكة وهدد حصصها في أسواق النفط. ولقد أثبتت تطورات الأسواق خلال الأشهر القليلة الماضية أن تخفيض إنتاج المملكة ومنظمة أوبك بمليون أو مليوني برميل في اليوم لن يمنع تراجع أسعار النفط حيث سيقوم المنتجون من خارج أوبك بتعويض الفاقد ما سيقود إلى خسارة المملكة ودول المنظمة حصصها في الأسواق وتراجع الأسعار بعد فترة وجيزة. وبهذا ستخسر المملكة والمنظمة من حصصها السوقية وتخسر أيضا بتراجع الأسعار، وهذا سيقلل من عوائد أعضاء أوبك ومن قدرة المنظمة على التأثير في الأمد الطويل، مما لا يصب في مصلحة المملكة والمنظمة كمجموعة.
ويحاول المنتجون خارج المنظمة وبعض أعضاء أوبك الإبقاء على الأسعار المرتفعة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج أو الصعوبات المالية التي تواجهها تلك الدول. وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأسعار المرتفعة السابقة لا تصب في مصلحة المملكة والمنظمة طويلة الأجل لأنها تشجع إنتاج النفط غير التقليدي كما أنها تشجع على إنتاج الطاقة البديلة ما يهدد مستقبل صناعة النفط، وسيقود إلى تراجع في أسعار النفط طويلة الأجل. ويطالب بعض المنتجين المملكة بخفض إنتاج النفط ولكنهم لا يبذلون أي مجهود في خفض إنتاجهم وكأنهم يحاولون الدفاع عن أسعار النفط حتى آخر برميل سعودي. ويلقي بعض هؤلاء اللوم على المملكة في تراجع الأسعار الأخير كجزء من استراتيجية تسويق إنتاجهم وصادراتهم ولدفع المملكة لخفض إنتاجها ما يساعدهم على رفع إيراداتهم دون بذل التضحيات اللازمة من جانبهم.