غسان بو دياب
قالت مصادر متابعة للملف الصحي إن وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور يتوجه للطلب من الوزراء المعنيين إطلاق «نيابة عامة صحية»، بعد أن بدأ موضوع السلامة الغذائية يصبح واقعا «وجوديا»، وبعد أن أثبتت الوقائع أن الفساد في هذا الملف يبلغ حدا يشكل تهديدا للأمن الوطني اللبناني.
وقالت المصادر إن المؤتمر الصحافي الأخير للوزير الذي أعلن فيه لأول مرة عن توقيف اربعة من رجال الأعمال الكبار في لبنان، يؤشر إلى استمرار الحملة الوطنية لسلامة الغذاء، وتوسعها لتشمل أصنافا كان من المحظور مجرد الحديث عنها.
وأوضحت المصادر ان ما كان الوزير يتشكى منه، من غياب الملاحقة القضائية للمتورطين، وحضور الدعم والغطاء السياسي مباشرة، يشهد نوعا من التغيير، مع بدء القضاء يأخذ حيزه في الملف، ومع إقرار اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون سلامة الغذاء، وإحالته إلى الهيئة العامة للمجلس لإقراره.
واضافت المصادر بالقول إن بعض الوزراء أبدوا امتعاضهم من «طحشة» أبو فاعور عليهم، والضرب على ملفات هي في صميم عملهم، وتمس بمحازبين اساسيين لديهم، أو تدخل الرقابة عليها ضمن صلاحيات وزارتهم. فكان أن «طمأن» أبو فاعور، ومن وراءه رئيس جبهة النضال الوطني واللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط أن المقصود ليس «التشفي والإنتقام السياسي»، بل على العكس هو الصحة العامة للمجتمع، خصوصا مع وصول الفاتورة الصحية إلى أرقام قياسية، والأمراض السرطانية إلى «المستوى الأحمر»، ما يؤشر إلى «أزمة كبيرة»، ومع وصول «الموسى إلى ذقن» كبريات المطاعم التي يرتادها نخبة المجتمع اللبناني وكبار الزوار والرأسماليين.
وأردفت المصادر بالقول إن صيغة تسوية قد تم التوصل إليها بين الوزارات، ووزارة الصحة، تقضي بحفظ نطاق الصلاحيات بينها، فتعمل بالتنسيق والتشبيك، كما وتم فرز عدد من المفتشين الصحيين ليقوموا بأدوار متعددة.
وفي «ضربة معلم» وبهدف تجنيد قوى المجتمع المدني إلى جانب الحملة، وخاصة تلك المساندة والداعمة لمشروع القانون 164 /2011، القاضي بمنع التدخين في الأماكن العامة والمغلقة، قرر أبو فاعورتخصيص عدد من المفتشين الصحيين للقيام بدور المراقبة لضمان تنفيذ القانون المذكور. ما يشكل نواة «الضابطة الصحية» التي من المقرر أن تعمل كالذراع التنفيذي للنيابة العامة الصحية، إلى جانب الخط الساخن للإبلاغ عن المخالفات التي تقع في أي مكان عام.
وأردفت المصادر بالقول إن هذه الإجراءات، جعلت من المواطنين يشعرون لأول مرة أن هناك من «يسأل عنهم» وعن صحتهم وما يأكلون، مشيرة إلى أن وزارة الصحة تحتل اليوم سلم إهتمام اللبنانيين، الذين لاحظوا تبدلا أساسيا في أسلوب تعاطيها وتعاطي مفتشيها الذين كانوا، ودائما بحسب المصادر، لا يرووا أبدا، وكانوا إن ذهبوا إلى مكان ليفحصوه، فإن«هدية صغيرة» كـ «مرطبان عسل» أو «ظرف مش من قيمتك» تجعل من تقريرهم أكثر من ممتاز، ومن البضاعة والمحل وصاحبه «مطابق للمواصفات».
من ناحية أخرى استغربت أوساط متابعة «مقدار التهليل والتطبيل» الذي يحظى به «شخص يقوم بعمله»، مشيرة إلى أن «من واجب أصحاب السعادة أن يقوموا بواجباتهم، وأحد واجبات وزيرالصحة هو الحرص على السلامة والأمن الغذائي.
وقالت الأوساط إن هناك إجماعا على الخطوات التي تقوم بها الوزارة في حربها على الأغذية الفاسدة، مشيرة إلى أن إحتجاز الوزير في مصعد المرفأ مؤشر إلى مدى استفحال الفساد، وقوة المافيات المسيطرة على الملف الصحي، مضيفة أن الموضوع «تأخر كثيرا»، ولكن «أن تصل متأخرا خير من ألا تصل ابدا».
وجزمت المصادر أنه لولا «وصول الموسى إلى ذقن الزعماء وأولادهم، لما تحركوا»، مذكرة بتسمم حرم رئيس مجلس النواب نبيه بري، السيدة رندة، وتفشي الفساد الغذائي حتى طاول المؤسسات الكبيرة والمطاعم العملاقة والعريقة، ما هدد «الطبقة المخملية»، فتحركت..
وقالت المصادر إنه رغم كون هذا الملف ضاغط جدا وحساس وحيوي، إلا أنه لن يلهي الناس عن الموضوع السياسي الأهم، وهو استمرار الشغور في الرئاسة الأولى، كما واستمرار «المجزرة بحق الديمقراطية» بقيام مجلس النواب بالتمديد لنفسه، فبالتالي، لن يسمح المجتمع المدني أن يكون هذا الموضوع «تنفيسة»، بل المطلوب متابعة الملف وإيصاله إلى خواتيمه، وأن تتحول الرقابة من موسمية إلى مستمرة، دون سقف سياسي، ودون أغطية سياسية لأحد.
وخلصت المصادر إلى القول أن «إبداء التضامن» يحمل الوزارة مسؤولية سياسية كبرى وتاريخية، نظرا للدور الكبير الذي تلعبه السلامة الغذائية في صناعة الأمن الغذائي لبلد كلبنان، يقوم معظم ناتجه الإجمالي على السياحة. مشيرة إلى «تخوف ما» من أن تهن عزيمة الوزير فيقف في منتصف الطريق، أو أن يكبل ببعض المحميات السياسية، فلا يجرؤ على تخطيها.
في الخلاصة، إن إقرار قانون سلامة الغذاء في اللجان، الذي كان لا يزال نائما في الأدراج منذ العام 2004، وهو الذي طرح منذ العام 2001، هو مؤشر إيجابي، واحد آثار الحملة، بالتالي، فإن هناك أمل كبير في أن ينعكس هذا الإنضاج بشكل أمثل، كي يتمتع اللبنانيون بالحد الأدنى من الغذاء السليم، وهم الذين سئموا «هراء الساسة»، وبطبيعة الحال، لم ولن يعجبهم الإستمرار في أكل بقايا «البراز البشري».