عدنان الحاج
تزداد الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية خلال العام الحالي، نتيجة تراكم العوامل السياسية والامنية الداخلية والاقليمية من جهة، وبفعل تضرر القطاعات الاقتصادية التي تحتاج مناخات ملائمة للنمو في القطاعات الانتاجية والتسويق .
هذا الواقع ينعكس بالتأكيد على القضايا الاجتماعية والمعيشية، لجهة تراجع فرص العمل أمام اللبنانيين من متخرجي الجامعات والمهنيات الخارجين حديثاً إلى سوق العمل، مع تزايد الحاجة إلى تحسين المداخيل الأسرية، التي فقدت بفعل تراكمات التضخم والغلاء القسم الأكبر من مداخيلها، وتراجع عدد المنتجين في الأسر من اصحاب الماخيل. العنصر الآخر هو تراجع قدرة المؤسسات في القطاع الخاص، الذي يشكل حوالي 80 في المئة من القوى العاملة، على تحسين مداخيل العمال اللبنانيين، في ظل تزايد المنافسة الخارجية، لا سيما اليد العاملة السورية التي ارتفعت نتيجة النزوح وحاجة النازحين إلى تحسين مداخيلهم، مهما كانت ظروف العمل وقيمة الدخل، وهو ما يزيد البطالة اللبنانية، من دون تحسين ظروف العمل في المؤسسات.
تكفي متابعة بعض المؤشرات المحققة خلال العام الماضي، وانطلاقة العام الحالي لتبيان حجم صعوبة القضية المعيشية وعجز الدولة عن تحسين الظروف الحياتية.
تراجع المؤشرات يرفع منسوب المخاطر
كل المؤشرات تتراجع، مما يرفع منسوب المخاطر الاقتصادية والاجتماعية. في التفصيل، يمكن سرد بعض الوقائع استناداً إلى القطاعات، لمعرفة حجم الأزمة القائمة والمقبلة في غياب الحد الأدنى من المؤسسات.
ـ بداية، يمكن التوقف عند قطاع الكهرباء وازمته، نتيجة تراجع التغذية من جهة، مما يحمل المواطن كلفة عالية، للحصول على التيار من مداخيله، بفعل الفاتورتين الخاصة للمولدات وفاتورة مؤسسة الكهرباء، في حين تعجز أجهزة الدولة عن تخفيض كلفة الاشتراكات للمولدات الخاصة وتعرفات الاشتراكات على المواطنين المشتركين، وعددهم في لبنان أكثر من 1.3 مليون مشترك، على الرغم من تراجع اسعار المحروقات حوالي 35 في المئة خلال الأسابيع والأشهر الماضية. يضاف الى ذلك عجز الدولة عن تحسين التغذية بالتيار الكهربائي، حيث يشكل الانتاج اليوم نصف الحاجة المطلوبة (الانتاج حوالي 1300 ميغاوات والحاجة إلى أكثر من 2800 ميغاوات).
الكهرباء وانخفاض اسعار النفط
فقضية الكهرباء تكمن في عدم القدرة على الافادة من انخفاض الاسعار، لتخفيض العجز، نتيجة عدم وجود سياسة نفطية تؤمن الاحتياطات، التي توفر على المؤسسة الكلفة مع انخفاض الاسعار، كما يحصل اليوم. ومعروف أن كلفة فاتورة الطاقة لكهرباء لبنان تقارب 3400 مليار ليرة ( حوالي 2.3 مليار دولار) سنوياً. مع الاشارة إلى ان الكهرباء وضعت تعرفتها على سعر 25 دولاراً لبرميل النفط، بمعنى أن كل دولار فوق الـ 25 دولاراً يكلف الكهرباء حوالي 13 مليون دولار. من هنا فإن عجز الكهرباء يصل إلى 2.3 مليار دولار، عندما كان سعر النفط على عتبة 100 دولار .
المواطن لن يشعر بانخفاض كلفة المحروقات على الكهرباء، ولكن الخزينة وكهرباء لبنان يفترض أن تشعرا بفارق كبير، يصل إلى حوالي 1200 مليون دولار على سعر برميل نفط دون الـ 50 دولاراً .
فالعجز هنا عجزان: الأول في عدم ضبط الاسعار، والثاني في عدم توفير الخدمات في حدها الأدنى .
عجز الدولة عن التدخل
ـ الموضوع الآخر يتعلق بعجز الدولة عن تخفيض اسعار السلع، التي تسعرها أو تساهم في استيرادها، لا سيما اسعار الخبز وتوابعها، حيث الدولة تستورد القمح والطحين والمازوت. وما خطوة زيادة وزن ربطة الخبز حوالي 50 غراماً سوى مؤشر على عجز الدولة عن التدخل في كلفة التصنيع للسلع الاستهلاكية وأبسطها الخبز .
أما التدخل في تسعير السلع المحلية، التي تشكل اسعار النفط القسم الأكبر من كلفتها، فإن الأمر ليس بوارد المؤسسات المعنية، على اعتبار انها لا تستطيع التدخل في تحديد الكلفة ونسب الأرباح التجارية التي تعجز الدولة والاجهزة المعنية عن هذه المنتجات.
بالنسبة إلى الموضوع الأخطر، وهو عمليات الصرف التي يتعرض لها العمال والمستخدمون اللبنانيون، بفعل تراجع الاستثمارات من جهة، والتوظيفات الجديدة من جهة ثانية، فإن العام 2014 شهد عمليات تقليص النشاط في مئات المؤسسات التجارية والخدماتية والسياحية، نتيجة تراجع حجم الأعمال في القطاعت، وصلت إلى 40 و50 في المئة في القطاعات الأساسية. أما دعاوى العمل وعمليات الصرف فطاولت آلاف العمال، استناداً إلى احصاءات الترك المبكر في فرع نهاية الخدمة في «الضمان الاجتماعي»، والتي وصلت إلى حوالي 55 و60 في المئة من الذين صفوا تعويضاتهم خلال السنتين الأخيرتين، وهو أمر مستمر.
وبالنسبة إلى وجود حالات أخرى لم تظهر إلى العلن، وهي تمت بموجب تسويات بين العمال واصحاب العمل خارج الشكاوى والدعاوى أمام محاكم العمل، على اعتبار أن بعض العمال يفضلون التسوية على انتظار احكام المحاكم، التي غالباً ما تتأخر في بت القضايا نتيجة تراكم آلاف الدعاوى من السنوات الماضية.
الصرف من الخدمة وفرص العمل
في المحصلة، إن عمليات الصرف تحمِّل المؤسسات بدلات التعويضات، لكنها تحمِّل العامل والمستخدم كامل الهم المعيشي، في ظل تراجع فرص العمل. تبقى إشارة إلى أن عدد تاركي العمل، والذين يصفون تعويضات نهاية خدمتهم في الضمان، يقارب، حتى لا نقول يفوق، عدد الداخلين إلى صندوق الضمان سنوياً، وهذه ثغرة في خلق فرص العمل الاضافية (عدد الذين يصفون تعويضاتهم يتراوح بين 12 و14 الف مضمون سنوياً، وعدد الداخلين إلى الضمان يشكلون حوالي 12 إلى 14 الفاً). يذكر في هذا المجال أن لبنان بحاجة سنوياً لخلق حوالي 35 الف فرصة عمل سنوياً، يؤمن منها على الأكثر، في القطاعين العام والخاص، حوالي 12 الفا إلى 15 الفاً.
اما الباقي فيتحول أما إلى عاطل عن العمل، أو يهاجر إلى دول الخليج ودول أخرى بحثا عن فرصة عمل، وقد باتت هذه الفرص الخارجية ضيقة جداً، وأصبحت أكثر صعوبة.
بالمناسبة تكفي الإشارة، إلى تضرر بعض القطاعات الأساسية في لبنان، وتراجع الصادرات اللبنانية بمعدل يفوق الـ25 في المئة، وتضرر الانتاج الزراعي بشكل كبير، نتيجة صعوبة التسويق والعوامل الطبيعية، بما فيها خفض التسويق الزراعي خارجياً وحركة التصدير أكثر من 11 في المئة خلال العام 2014 وحده.
تراجع المؤشرات المصرفية
حتى مؤشر القطاع المصرفي الأكثر صلابة في القطاعات، فقد تراجعت معدلات نموه، وهذا يظهر من خلال تطور النشاط المصرفي خلال العام 2014، مقارنة بالعام 2013، من خلال قراءة تطورات حركة نمو الودائع والموجودات، وحتى التسليفات المصرفية للقطاعات، وكذلك للدولة اللبنانية، نتيجة الظروف الاقتصادية وتراجع نمو الودائع، قياساً إلى العام السابق وكذلك تراجع نمو الموجودات بمعدلات ملحوظة.