Site icon IMLebanon

آفاق الاقتصاد العالمي هذه السنة

Globalization

عدنان أحمد يوسف

اعتـــدنا مع مطلع كل عام أن نلقي نظرة عامة على الاقتصاد العالمي، ونسعــى الــــى قراءة أهـــم اتجاهاته خلال السنة. ومن المفيد الإشارة الى أن حلول العــــام الـــجديد تزامن مع ضجة انخفاض أسعار النفط، وتوقعات غير متفائلة لنمو اقتصادات عدة ومنها منطقة اليورو. وغني عن القول إن النفط سيبقى له دور محوري خلال العام الحالي، بخاصة في تعزيز النمو نظراً الى تراجع أسعاره.

في الواقع تتفاوت التوقعات للنمو الاقتصادي هذه السنة، اذ تشير غالبيتها إلى أن اقتصاد غرب أوروبا، على رغم التحديات المحيطة به، سيبدأ في العودة إلى مستوياته الطبيعية كما هي الحال مع اليابان التي ستستعيد بعض انتعاشها. ويبدو أن الصين ستشهد نمواً هو الأكثر بطئاً منذ عام 1990، في حين تتعزز المؤشرات الإيجابية الخاصة بالاقتصاد الأميركي. كما تشير التوقعات الى أن الوضع في أميركا الجنوبية سيكون غير مستقر بخاصة في الأرجنتين وفنزويلا والبرازيل. وسيتسم أداء روسيا ودول غرب أوروبا بالضعف.

ومن المتوقع أن تشهد دول جنوب وشرق آسيا القدر الأكبر من معدلات النمو كما هي الحال مع كثير من مناطق القارة الأفريقية التي بدأت في الانطلاق على نحو بطيء.

ويمكن تلخيص مشهد الاقتصاد العالمي في أنه سيستغرق وقتاً أطول من المتوقع للتعافي من انفجار فقاعة الديون التي شهدها العقد الماضي. فقبل ثلاث سنوات توقع صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي سيعود إلى مستوياته الطبيعية بحلول عام 2015 بنسبة نمو تبلغ 4.8 في المئة. وجاءت الولايات المتحدة اول الدول التي حققت توقعات الصندوق. وكانت أكثر الدول التي ذهبت خلافاً لتيار التوقعات، البرازيل وروسيا والهند والصين، علاوة على بعض بلدان الشرق الأوسط وأوروبا ثم اليابان.

وفي ظل التطورات الراهنة، يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2 في المئة و3.1 للولايات المتحدة و1.3 في المئة في منطقة اليورو، في مقابل 0.8 في المئة في اليابان هذه السنة. وتنخفض نسبة النمو في الصين إلى 7.1 في المئة وهو المعدل الأقل لها خلال السنوات الـ15 الماضية كما ذكرنا.

وعلى صعيد السياسات المتوقع اتباعها خلال العام الحالي، فقد نشهد تبايناً فيها وتناقضات، نذكر منها بعض مه حصل في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حينما أعلن مجلس الاحتياط الفيديرالي أنه أنهى الجولة الثالثة من شراء السندات، في حين أشار «بنك اليابان» الى إنه كان يوسع عمليات شراء السندات التابعة له. وتعتبر عملية شراء السندات أو ما يطلق عليها التسهيلات الكمية، مصممة لرفع السعر السوقي للسندات. وقد أعلن البنك المركزي الأوروبي بدء برنامجه للتيسير الكمي، وسط اعتراضات سابقة للبنك المركزي الألماني. وقد نشهد عمليات شد وجذب في ما يتعلق بقضايا الضرائب والإنفاق خصوصاً في منطقة اليورو، حيث تتواجه فرنسا وإيطاليا من جهة، مع ألمانيا في مسألة حجم العجز في موازنتيهما.

أما في شأن الأخطار التي تهدد نمو الاقتصاد العالمي، فهي كثيرة. أولها هو استمرار النمو الضعيف في اقتصادات الأسواق الصاعدة الرئيسية، ما يعكس بدرجات متفاوتة، اختناقات البنية الأساسية وغيرها من القيود على الطاقة الإنتاجية، وتباطؤ نمو الطلب الخارجي، وتراجع أسعار السلع الأولية، ومشاكل الاستقرار المالي، وكذلك ضعف الدعم الذي تقدمه السياسات في بعض الحالات. والعامل الثاني هو الأخطار التي لا تزال تهدد اقتصاد منطقة اليورو، حيث تفاعل انخفاض الطلب مع ضعف الثقة والموازنات، فتفاقمت الآثار على النمو إضافة إلى تداعيات تشدد الأوضاع المالية العامة والقطاع المالي. أما العامل الثالث فهو توسع الاقتصاد الأميركي بوتيرة أبطأ وتأثر مسيرة التحسن في الطلب الخاص بعبء الانكماش الذي شهدته المالية العامة.

وفي ما يخص الدول النامية، ووسط بيئة ضبابية مسيطرة، نكرر دعوتنا لها بمواصلة جهودها من أجل كسب ثقة المستثمرين. وهذا لن يأتي من خلال رفع أسعار الفائدو أو وضع قيود على حركة رؤوس الأموال، بل العكس فإن الأمر يحتاج في الدرجة الأولى الى إجراء إصلاحات مالية واقتصادية مؤجلة تعيد التوازنات المطلوبة لاقتصادات هذه الدول وتجنبها الاعتماد على رؤوس الأموال القصيرة الأجل في معالجة العجز في حساباتها الجارية. كما أن الأمر يحتاج تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على الصادرات لمنتجات تتعرض بطبيعتها لتقلبات الدورات الاقتصادية، إضافة إلى الاهتمام أكثر بشمول مختلف شرائح المجتمع بثمار التنمية والحرص على تجنب الهدر في استخدام الموارد التي عادة ما تكون محدودة ونادرة، والتأكيد باستمرار على ترشيد استخدام هذه الموارد وحصر الإعانات والدعم في مستحقيها للتوصل الى تعزيز قدرة اقتصادات الدول الناشئة على مواجهة العواصف والتحديات، وبالتالي ضمان استدامة سياستها الاقتصادية في تحقيق معدلات نمو مرغوبة وتحسن مستمر في مستويات معيشة مواطنيها خلال العام الجديد.