انطلقت السّنة الجديدة حاملةً معها كل ما ورثته من العام الماضي، من تحديات وملفات ساخنة على الصعيدين المالي والاقتصادي بدءاً بسلسلة الرتب والرواتب, مروراً بارتفاع الدين العام وغياب الموازنة العامة، وصولاً الى المستحقات التي تواجهها خزينة الدولة. وكانت نهاية 2014 قد شهدت انطلاق موجة اصلاحات طالت عدداً من الادارات العامة لحماية حقوق المواطنين واعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها. انطلاقاً من هنا، حملت ” النهار” هذه الملفات الى وزير المال علي حسن خليل.
الوضع الماكرو اقتصادية
يؤكّد خليل أنّ النمو العام الماضي قارب 2% وهي نسبة جيدة مقارنة بالنسب المسجلة في الدول المجاورة، ونظرا” الى الظروف التي تمرّ فيها المنطقة وما حملته من انعكاسات على الداخل اللبناني. في هذا السّياق, يشدّد خليل أنه رغم ارتفاع حجم الدين العام الى 67 مليار دولار، أي ما نسبته 135% من الناتج بعد أن عدلت إدارة الاحصاء المركزي رقم الناتج المحلي، يبقى الوضع المالي أفضل من المتوقّع، بسبب عوامل تتمثل بخفض الانفاق الجاري خلال 2014 بنحو 650 مليار ليرة، ما ساهم في توفير فائض أولي للمرة الأولى منذ 3 سنوات. و يضيف “هذا الواقع يشكل مؤشرا” قوياً، لإمكان اعادة التوازن للوضع المالي العام، وعموماً ثمة استقرار لمالية الدولة وواحدة من المؤشرات الايجابية التي يمكن الاشارة اليها، انخفاض الفوائد على سندات الخزينة (لأجل 10 سنوات), وآخر اصدار قامت به وزارة المال انخفضت فيه الفوائد بحدود 3,15%، ما يؤشر ايجاباً إلى ثقة المستثمرين والمقترضين بايفاء الدولة التزاماتها على المدى البعيد”. وفي نهاية 2014، قدّر العجز في الموازنة من دون احتساب عجز الخزينة حوالى 5300 مليار ليرة, ومن المتوقع ان يصل عجز الموازنة الى نحو 7228 مليار ليرة خلال السّنة الجارية، استناداً الى مشروع موازنة 2015. وهنا، يشير وزير المال الى أنّ العجز الذي يعانيه لبنان ناتج من ثلاث مشكلات رئيسة:
– كلفة عجز كهرباء لبنان، اذ تغطي المالية العامة ثمن الفيول المطلوب من المؤسسة، والذي بلغ خلال 2014 3115 مليار ليرة. وان كان انخفاض اسعار الفيول العالمية سيترك أثراً إيجابياً يقابله خسارة الدولة قسماً من واردات الضريبة على القيمة المضافة على البنزين، ما يستوجب اتخاذ بعض الإجراءات.
– خدمة الدين العام: من المتوقع ان تصل خلال 2015 الى نحو 6719 مليار ليرة. مع الاشارة الى بلوغها في 2014 نحو 6349 مليار ليرة.
– زيادة التوظيفات في الملاك، وتحديداً في المؤسسة العسكرية: في 2014، اتخذ قرار بإدخال 12000 متطوع جديد الى هذه المؤسسة, بالاضافة الى اقرار تثبيت 1221 أستاذا “جامعيا” في الجامعة اللبنانية، ما يحمّل الخزينة اعباءً اضافيةً على شكل مصاريف جارية تتخطى القدرة على تحملها. ويضيف: “اليوم لدينا طلبات جديدة للتوظيف في القطاع العام لسنة 2015، ولكننا ندرسها بشكل دقيق لما لهذه الخطوة من تداعيات سلبية على الخزينة”.
توازياً، يكشف خليل عن سعيه الى اقناع مجلس الوزراء باتخاذ قرار جريء، لوقف التوظيف في ادارات الدولة، خصوصاً في 2015. ويتابع: “أطلعت الحكومة على حقيقة الوضع المالي، والمشكلات المتعلقة بالمصاريف الجارية وانعكاسها على المالية العامة، ويجب ان يكون ثمة اقتناع اليوم لدى الجميع بأهمية التعجيل في اتخاذ اجراءات تشكل مدخلاً لاصلاح وضع المالية العامة، وأهمها وقف التوظيف لخفض النفقات الجارية”.
الموازنة العامة
بالنسبة الى غياب موازنة منذ 2005، يعتبر خليل أنّ هذا الامر يشكل عقبة أساسية أمام انتظام الوضع المالي، ويخلق ارباكاً كبيراً في التقديرات المالية وفي حسابات البلاد و آليات الانفاق، مؤكدا ان “مشروع موازنة 2014 رفع الى مجلس الوزراء, ومشروع موازنة 2015 رفع ايضا ضمن المهل القانونية، كما طالبت الحكومة بمناقشته واتخاذ القرار المناسب واحالته على مجلس النواب قبل بداية العقد العادي للمجلس، حتى يتسنى للحكومة اصداره بموجب مرسوم عند تقاعس الهيئة العامة عن اقراره”. ويقول: “خلال الاعوام الماضية تم تجاوز كلّ القواعد القانونية والمالية تحت ضغط الظروف الاستثنائية التي مرّت على لبنان. وأمام هذا الواقع، وقعنا في عدد من الاشكالات المرتبطة بالحسابات وتصفية السلفات، بعد الاعتماد على ما يعرف بالقاعدة الاثني عشرية. هذا الامر، دفعنا الى رفض اعطاء أي سلفة لادارة عامة،لأن هذه السلفات مخالفة للقانون، ويعتبر هذا الامر من أجرأ وأهم الخطوات التي اتخذت والتي تعيد الانتظام القانوني لأصول الإنفاق وتسهل إجراء محاسبة دقيقة لعمل الوزارات”. وهنا ناشد خليل الكتل النيابية تحمل مسؤولياتها والمبادرة الى اقرار الموازنة.
من جهة أخرى، يشير خليل الى ان الوزارة تتابع الإجراءات التحضيرية لإنجاز إصدار الأوروبوند الجديد خلال الشهر المقبل والذي يغطي جزءا من حاجات الدولة خلال السنة الجارية، والتي تفيد كل المؤشرات إلى نجاحه بالتنسيق مع مصرف لبنان علماً أن المطلوب سيفوق المليار دولار.
سلسلة الرتب والرواتب
هذا الملف كان الابرز في 2014، وقد عبّر خليل عن التزام اقراره، اذ قال “قدمت كلّ المبررات التي يمكن أن تضمن التوازن بين النفقات المتوقعة والواردات المنتظرة لتمويلها، وأؤكد أن اقرار السلسلة مع الواردات التي تضمنتها يوفّر حتماً التوازن المالي المطلوب ويساعد في تغطية جزء من النفقات، حتى بعد اقرار التعديلات الخاصة بالسلك العسكري، والتصحيح الذي اقترح بالنسبة الى المعلمين”.
ولا بد من الاشارة الى أنّ الواردات التي تم تأمينها تغطي غلاء المعيشة الذي أقر في شباط 2012 حتى اليوم، وحجمه نحو 850 مليار ليرة سنوياً. علما ان خزينة الدولة، ومنذ اقرار غلاء المعيشة، تقوم بتسديده من دون أي موارد محددة لتغطيته. أما اليوم، وفي حال أقرت السلسلة فسيصبح في الامكان من خلال الايرادات التي لحظتها، تغطية هذه الكلفة منذ تاريخ اقرارها، في وقت تؤمن هذه الايرادات ايضا عدالة ضريبية اكبر للمجتمع اللبناني”.
الاصلاحات ومكافحة الفساد
مع حلول عام 2014، أطلقت وزارة المال سلسلة اصلاحات لمكافحة الفساد في الادارات العامة والمؤسسات، بدءاً من المرفأ الى الجمارك، والدوائر العقارية والمساحة، الى الادارات والمؤسسات الرسمية التابعة للوزارة.
وعن هذا الموضوع, يقول خليل: “نسعى الى اعادة العمل بالقواعد والأصول في الادارات التي تحولت مع الوقت محميات توفر مصالح القائمين عليها قبل كل شيء، وهذا أمر مرفوض ولن يستمر. وما بدأناه لن يتوقف”، مؤكداً أن “لا خيمة فوق رأس أحد، ولن تتم تغطية أي مرتكب، وكل الاجراءات التي اتخذت تؤكد أن أي شكوى لم تهمَل”. ويكشف عن أنّ أقل تقدير لما تخسره الدولة من الواردات في الجمارك سنويا يصل الى 500 مليون دولار، في ظل تقديرات تتحدث عن أكثر من 1.5 مليارات دولار.
الشؤون العقارية
حتى يومنا هذا, أحالت وزارة المال أكثر من 55 موظفاً في الشؤون العقارية ومسؤولي المساحة على التحقيق، ويقول خليل في هذا الصدد: “اتخذت قراراً بوقف العمل بكل تصاريح معقّبي المعاملات، وأكّدت رفع الحصانة عن كل موظفي المكاتب العقارية والمساحة والسير بالشكاوى التي ترد واجراء اللازم بحسب الأصول القانونية”. ويعتبر أنّ ثمة واقعاً مريراً في موضوع المساحة، والخطر الكبير يكمن في التصرف باملاك الدولة والمشاعات، مذكراً بتأليف لجنة مهمتها متابعة الشكاوى حول اعمال المساحة في ما يتعلق بالتصرف في المشاعات واملاك الدولة.
ويلفت الى أنّ عدداً من أمناء السجل أُحيلوا على التفتيش وبعضهم على النيابة العامة بعدما أصبح واضحاً أنّ هناك الكثير من المعاملات وقّعها هؤلاء في أكثر من سجل، ما يعتبر تزويراً، مشدّداً على قرب اتخاذ قرار بتحديد مهل انجاز المعاملات لدى كل الدوائر العقارية والمساحة، وترتيب دليل المواطن عن كيفية سير المعاملات والمستندات ووضعه في التصرف.
أما عن ملف التعديات على المشاعات، فيؤكد أنّ ما تمّ جرده من ادعاءات المواطنين عن السطو على المشاعات والاملاك العامة والخاصة تجاوز عشرات ملايين الأمتار في عدد من القرى، “ولدينا عشرات الملايين من الأمتار التي ندقق فيها”، وقد سلمت هذه الملفات إلى المدعي العام المالي لاتخاذ الاجراءات المناسبة”.