إيفا الشوفي
شحنات من السكر الفاسد تدخل البلاد شهرياً، إذ تبيّن حتى اليوم أنّ نحو 26%، على الأقل، من كميات السكر التي تُستهلك سنوياً في لبنان (150 ألف طن)، تدور حولها شكوك كبيرة في أن تكون فاسدة. آخرها شحنة بوزن 14600 طن من السكر الفاسد تنتظر في مرفأ طرابلس.
يبدو أن الخلاف الذي استعر بين وزارتي الاقتصاد والصحة على خلفية السكر الفاسد في مرفأ طرابلس حُسِم لمصلحة وزارة الاقتصاد. فالـ1083 طناً من السكر المنتهي الصلاحية، التي بقيت من شحنة بلغت 25400 طن دخلت الى مرفأ طرابلس في 7 نيسان 2013، سيُفرج عنها بعدما وافق وزير الصحة وائل أبو فاعور على إخراج السكر من المرفأ شرط أن يجري تتبعه إلى معمل التكرير وإعادة الكشف عليه قبل تصريفه في السوق. لكن في هذا البلد، حيث نسمع يومياً عن أطنان من المواد الفاسدة التي يجري إدخالها عبر الحدود، كيف سيُرصد خط سير 1083 طناً من السكر خرجت من المرفأ؟ يمكن القول إن الإمكانية تكاد تكون معدومة، ما يعني أن هناك 1083 طناً من السكر الفاسد ستدخل إلى السوق بعلم الوزارات والمواطنين. تمثّل هذه الحادثة نموذجاً واضحاً عن الضغوط التي يتعرّض لها أبو فاعور والتي لا تنتهي هنا، إذ أعلن الأسبوع الفائت عن توقيف 4 رجال أعمال في قضايا فساد غذائي. يكشف أبو فاعور لـ»الأخبار» أن أحد هؤلاء الأربعة هو رئيف قاسم، أحد أكبر تجار السكر في لبنان، وقد تم توقيفه بسبب قضية السكر الفاسد في مرفأ طرابلس، ويضيف «لكن ما لبث أن أخلي سبيله». لأبو فاعور مآخذ كبيرة على القضاء لا يُخفيها، إذ أعلن أمس أن جميع الخطوات الإصلاحية لا تجدي نفعاً ما لم يُسجن الأشخاص المعنيون ويحاسبوا. تاجرٌ آخر من آل «العجمي» أوقف، وفق ما كشف أبو فاعور لـ»الأخبار».
يرفض رئيف قاسم الحديث عن سكر فاسد، ويلفت إلى أن «السكر من المواد التي لا يمكن أن تتلف، وليس لديه تاريخ صلاحية، لكن فقط يوضع عليه تاريخ الإنتاج». يشير إلى أنه أخرج 500 طن من السكر من مرفأ طرابلس بموافقة وزارة الاقتصاد، وهناك تاجر آخر أخرج 2000 طن، نص البيان الأخير الصادر عن وزارة الاقتصاد في 3 نيسان 2014 أنها للاستهلاك المحلي.
وإذا كانت قضية السكر الفاسد الأولى قد «سُوّيت»، فهناك قضية سكر فاسد ثانية ظهرت. شحنة جديدة دخلت إلى مرفأ طرابلس هي عبارة عن 14600 طن من السكر المكرر تنتهي صلاحيتها عام 2017، ما يعني أنها تستوفي شروط الاستيراد ويمكن إخراجها إلى السوق المحلية في أي لحظة. إلا أن الكشف الذي أجراه مراقبو وزارة الصحة أظهر أن هذا السكر مليء بالخمائر والفطريات بمعدل 200، علماً بأن المعدل المسموح هو 10 وفق ما أعلنه أبو فاعور. طلب أبو فاعور من وزيري الاقتصاد والمالية عدم إخراج السكر من المرفأ، وأخذ المراقبون عينة ثانية للتأكد من النتيجة التي صدرت أمس، وأكّدت وجود خمائر وفطريات بنسبة عالية. عينة ثالثة ستصدر نتيجتها الاثنين المقبل ليُحسم مصير شحنة السكر الفاسدة. أما في ما يتعلق بالكشف على مكان تخزين السكر فأتت نتيجته مشابهة لفضيحة إهراءات القمح في مرفأ بيروت، إذ أوضح أبو فاعور أن المستودع رقم 2 الخاص لمصلحة لويس درايفوس والذي يحتوي على سكر مكرر (أي مخصص للاستهلاك) غير معزول عن الخارج و»يحلّق» داخله الحمام، إضافة الى وجود كميات من السكر المتعفّن، وانتشار الأوساخ في أرضية المخزن، وتوضيب السكر في أكياس لا تستوفي الشروط الصحية. وقد وجّه الوزير كتاباً الى إدارة مرفأ طرابلس من أجل تحسين مكان التخزين وحجز البضاعة الى حين صدور نتائج العينات. في هذا الوقت لا أحد يعلم ما إذا كان السكر يخرج من المرفأ من دون أن نعلم مثلما حصل مع الشحنة الأولى، أو ما إذا سيضغط وزير الاقتصاد ألان حكيم مجدداً ليدخل سكر فاسد الى البلد على مرأى الجميع.
في هاتين الحادثتين نتحدث عن 40 ألف طن من السكر من أصل 150 ألف طن يستهلكها لبنان سنوياً، ما يعني أننا أمام 26% (على الأقل) من السكر الفاسد في قضيتين فقط، ما يطرح تساؤلاً كبيراً: ما هو حجم استهلاك اللبنانيين للسكر الفاسد؟