رائد الخطيب
تدحرجت أمس كرة الاتهامات بشأن الجهة المسؤولة عن قرار صرف 191 موظفاً من كازينو لبنان والتي توزعت على ثلاث مرجعيات، بدءاً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامه الى بنك «انترا» المساهم الأكبر وانتهاءً بمجلس إدارة الكازينو. ورغم اعلان جميع الفرقاء السياسيين تأييدهم أي خطة إصلاحية للكازينو، إلا أنَّهم طالبوا برفع المظلومية عن العمال المنتجين.
وبانتظار الحل «السياسي» للموضوع، عاود أمس المصروفون من الكازينو، اعتصامهم لليوم الثاني على التوالي، وأقفلوا مداخله من العاشرة قبل الظهر. وأكد النقيب جاك خويري أن «مجلس الادارة بصدد إعادة النظر بملفات المصروفين لتصحيح وضع من ظلمهم القرار». علماً ان اي زبون لم يستطِع قصد الكازينو امس، وهو امر يكبّد خسائر ضخمة تقدر بملايين الدولارات.
وصدرَ أمس موقف بارز لرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، الذي أعلن في مؤتمرٍ صحافي في معراب، أنه يؤيد «أي عملية اصلاحية في أي مؤسسة، ولكن هنا أسأل حاكم مصرف لبنان رياض سلامه ورئيس مجلس ادارة شركة انترا المشرفين مباشرة على هذا الموضوع، لماذا لم يتلق أحد من هؤلاء المصروفين إنذاراً من قبل بأنه لا يمارس مهماته أو لا يتوجه الى عمله؟ حتى ان بعض الموظفين لم تحدد لهم مهمات داخل الكازينو من مجلس الادارة، لماذا؟ فهم يداومون، ولكن لم تحدد لهم وظيفة معينة، حتى ان بعضهم بعث برسائل عديدة الى الادارة في هذا الشأن، ولكن يا للأسف لم يتلق أي جواب«.
أما وزير العمل سجعان قزي، فأكد من جهته، أنه لم يكن على علم بعملية صرف الموظفين من كازينو لبنان، لافتاً الى انه سيعلم المسؤولين أنه ضد الصرف التعسفي. في حين أعلن رئيس إدراة الكازينو حميد كريدي خلال لقائه قزّي، أن «لا مجال لعودة الإدارة عن قرارها وهو قرار لم يصدر عن ادارة الكازينو بل عن شركة انترا«.
الى ذلك، قالت مصادر تابعة لإدارة الكازينو لـ«المستقبل»، إنَّ الادارة لن تتراجع عن قرارات الصرف لـ191 موظفاً، وأنَّ القرار الذي اتخذه مجلس الادارة حظي بموافقة كل الأطياف السياسية التي يمثلها الأعضاء، وأنَّ أمر الصرف جاء بقرار من سلامه، الذي استبق تنفيذ القرار بجولة على المرجعياتِ السياسية المعنية بأوضاع هذه المؤسسة المالية.
وإذا نفتْ المصادر اياها أن يكونَ القرار خارج الخطة الاصلاحية التي وضعتها الادارة لترميم الاوضاع المالية للكازينو، إلا أنها أقرَّت بتراجع كبير في مداخيل المرفق التي وصلت في نهاية العام 2014 الى 205 ملايين دولار، لافتةً الى أنها لم تستطع أن تقوم بعملية توزيع الأرباح على المساهمين جراء التراجع الواضح في المداخيل لأهم مؤسسة سياحية/مالية في لبنان.
وقالت المصادر إنَّ المصروفين هم من المتخلفين فعلياً عن الحضور الى المؤسسة، وقد استعرضَ مجلس الادارة كلُّ حالةٍ على حدة، لافتةً الى أنَّ زوجة النائب زياد الأسود التي تعمل في الدائرة القانونية لم تحضر منذ زواجها بالنائب أسود أي قبل نحو اربع سنوات.
وأعربت المصادر عن عزمِ الادارة بالمضي في قرارها مهما كانت الضغوط السياسية، وقالت: «لا تراجع، وهناك أبواب قانونية فليلجأ اليها المصروفون، ونحن بدورنا لدينا أيضاً طرقنا القانونية». وإذ نفت أن تكون هناك صفقات داخل أروقةِ الكازينو، إلا أنها لفتت الى أنَّ الاضراب سيضاعف من الأجواء السلبية للكازينو، بفعل تراجع الزبائن منذ بداية الازمة السورية.
وزني
من جهته، علّقَ الخبير غازي وزني في اتصالٍ مع «المستقبل»، على قرار إدارة الكازينو، معتبرا أن كل التقارير المالية ولا سيما تقرير «ديلويت آند توش»، كانت تؤشر على مدى الخطورة المالية التي بلغها الكازينو، وحض على القيام بعملية إصلاحية. إلا أنَّ العملية الاصلاحية هذه يجب أن تقوم جدياً وليس استنسابياً وفق التقرير، خصوصاً وأننا أمام مشهدٍ خطير وهو ان 191 عائلة ستتشرد، ولذلك يجب أن يكون الصرف مبنياً على حيثية علمية ومالية دقيقة كي لا يكون هناك ظلمٌ لأحد.
وأوضح أن المصروفين عادة هم من الفئة غير الفاعلة والتي انضمت الى الكازينو بفعل «التوظيفات السياسية»، وهي أضرَّت بالكازينو وبسمعته وبماليته، حيث تراجعت المداخيل بين 40 في المئة الى 60 في المئة، فيما تدنى السهم الى نحو 325 دولاراً مع تراجع الطلب على شرائه، نافياً أن يكون لـ»انترا« (المساهم الأكبر في هذه المؤسسة بنسبة 52 في المئة)، أن تكونَ وراء هذا القرار، فـ»القرار اتخذه مجلس الادارة مجتمعاً«.
وقال وزني إن عملية الاصلاح يجب أن تزيلَ كل مسببات الصفقات والشبهات حول المؤسسة التي عليها فعليا مواجهة المنافسة الناشئة من الكازينو الموجود في قبرص (انشئ حديثا). أضف إن لوزير السياحة ميشال فرعون حق الاطلاع على الخطة الاصلاحية التي تقوم بها إدارة الكازينو، كما لكل الوزارات المعنية ولا سيما الحكومة، فـ»نحن أمام عدد كبير من المصروفين ويجب بالتالي أن يتشارك الجميع بالعملية الاصلاحية كي تكونَ ناجحة«.
وبموجب العقود الموقعة مع ادارة الكازينو, فان حصة الدولة من المداخيل اليوم هي 40 في المئة على أن ترتفع الى 60 في المئة عام 2016. واذا ما استمر التراجع في المداخيل، اما بسبب الظروف الداخلية أو بما يتم استحداثه من مزاريب للهدر داخل الكازينو، فان الدخل المتوقع في 2016 سيكون أقل من 200 مليون دولار، وعندها ستحصل الدولة على أقل من 120 مليون دولار فقط، في حين سترتفع الرواتب وحدها الى نحو 90 مليون دولار، ولن يكون المتبقي (أقل من 30 مليون دولار) كافياً حتى للصيانة أو التجديد والتطوير.
وقالت مصادر نقابية لـ«المستقبل»، «إذا كان المطلوب عملية إصلاحية، فلا أحد يعترض شرط أن يبدأ الإصلاح من مجلس الادارة الذي يعجُّ بالصفقات… هناك 140 موظفاً من أصل 191 موظفاً هم من المواظبين على الحضور وهؤلاء في معظمهم من صغار الموظفين برواتب لا تكاد ترد لهم ثمن الادوية التي يدفعونها». وأضافت «المطلوب ليس إعادة النظر بالقرار بل إلغاؤه من أساسه، وأن يتم الاصلاح التدرجي بوقف الشبهات.. هناك تضامن سياسي حول الاصلاح لكن مجلس الادارة استغل الموقف وأعمل سكينه من دون هوادة«.
اجتماعات وردود
وفي محاولةٍ لإفهام قراره، عرض أمس رئيس مجلس ادارة كازينو لبنان حميد كريدي مع أمينة سر المجلس المحامية مورييال جميل مع وزير العمل سجعان قزي، الاسباب الموجبة التي دفعت ادارة الكازينو الى تسريح هذا العدد من الموظفين بغية انقاذ المؤسسة من الاقفال بدءاً من العام 2017 نظراً لتضخم المصاريف المالية. غير ان قزي اكد ان «عملية الاصلاح يفترض ان تكون متكاملة لا جزئية وانه لا يجوز ان يسرح اي موظف يحضر، ويعمل وينتج مثلما لا يجوز ان يبقى موظفون لا يحضرون ولا يعملون ولا ينتجون». وقال ان «وزارة العمل ستواكب هذا الملف لحظة بلحظة وستتعاطى معه بموضوعية بعيدا عن اي تسييس او تطييف لأن مصلحة مؤسسة الكازينو ومصلحة الموظفين العاملين فيها مهمة جدا». ولفت الى انه اذا كان يؤيد «الاصلاح في الكازينو واعادة النظر بالتوظيف السياسي، فالامر ذاته يجب ان يسري على المؤسسات الاخرى، لأنه ليس في اصلاح الكازينو فقط يصلح البلد فهناك مؤسسات اخرى تخضع لوصاية الدولة تحتاج الى مثل هذا الاصلاح وازالة الورم التوظيفي الهائل فيها».
وفي إطار ردود الفعل، أكد وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور في تصريح أمس «دعمه الكامل للخطوات الإصلاحية في كازينو لبنان من دون تحفظ»، مشددا على «ضرورة اعتمادها في كل المؤسسات«.
أما النائب سامي الجميّل، فأكد لوفد من موظفي كازينو لبنان وقوفه إلى جانبهم ودعمهم في قضيتهم المحقة، خصوصاً أنه لم يتم تقويم ادائهم أو انذارهم مسبقاً في حال قصروا في مهامهم.
وأعلن النائب ايلي كيروز في تصريح بعد زيارته للمعتصمين في كازينو لبنان، عن «تضامنه مع الموظفين المطردوين»، مشدداً على ان «هذا التصرف مرفوض ويجب ان يطال الاصلاح كل العاملين في الشركة وعلى ألا يكون محصوراً بالموظفين الصغار.
كما أعلن رئيس مصلحة النقابات في «القوات اللبنانية» شربل عيد «اننا كحزب «القوات اللبنانية» الى جانب الموظفين وما حصل مجزرة (بالاشارة إلى صرف 191 موظفاً من كازينو لبنان) والكازينو بحاجة لاصلاح والاصلاح يبدأ من رئيس مجلس الادارة واعضاء المجلس وليس مع الموظفين الذين اذا لم يتقاضوا رواتبهم لا يمكنهم ان يعيلوا اولادهم»، وأكد من أمام كازينو لبنان، ان «الاصلاح يكون باقالة كل مجلس الادارة الذي خلال 4 سنوات خسَّر الكازينو 70 مليون دولار والذي بعهده يُسرق زبائن من لبنان الى قبرص»، مضيفاً «الاصلاح يكون بالذين رواتبهم 24 مليون دولار تقريباً في السنة ادخلوا مكنات «Slot Machine» بـ30 مليون دولار من دون المرور بالتدقيق المالي». وختم: «جئنا نطالب بحقوق الموظفين الذين يواظبون على عملهم»، متابعاً «رئيس مجلس الادارة اتصل شخصياً بعشرات الموظفين منذ اشهر وسنوات وطلب منهم عدم القدوم الى العمل وهو سيعطيهم رواتبهم وقال لهم «انا امبراطور الشركة وانا أعلى رأس»، لذلك هو الذي عليه المغادرة الى منزله».
يأتي هذا في وقتٍ، استنكرت فيه منظمة العمل في حزب الوطنيين الاحرار «ما حصل في كازينو لبنان من صرف تعسفي لموظفين». وأكدت «انها مع الاصلاح الاداري ليس فقط في كازينو لبنان انما في سائر الادارات»، طالبةً من «الادارة باعادة درس كل ملفات المصروفين من العمل، فهناك موظفون لها الحق بطردهم لانهم غير منتجين يتقاضون أجرهم غيابياً، بينما البعض الاخر هو منتج ولم ينقطع او يتغيب يوماً عن عمله وليس له مورد رزق اخر، لذلك نطالب بالتراجع الفوري عن صرفهم ونؤكد وقوفنا الى جانبهم والقيام بخطوات احتجاجية على الارض من اجل استرجاع حقهم».