كتب طوني أبي نجم
لم يكن اللغط والبلبلة، اللذين عاشهما اللبنانيون بفعل الإساءة التي تسبب بها تلفزيون الـOTV وموقع “التيار الوطني الحر” الإلكتروني للنائب ستريدا جعجع، أمراً عابراً أو نتيجة خطأ غير مقصود وتم استيعابه بفعل القنوات الحوارية القائمة بين معراب والرابية. فبغض النظر عن طبيعة ما حصل ومدى خطورته لناحية التحريض الخطير ضد السيدة جعجع ما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بمنطق التخوين والإساءات التي تخطت كل السقوف، الأساس الذي كشفته هذه الحادثة أن كل المحاولات الحوارية تحت شعار “تنفيس الاحتقان” لم تجدِ نفعاً على الإطلاق، وذلك لسبب أساسي وهو أن عدم الحوار في المواضيع الخلافية الأساسية يعني إبقاء الجمر تحت رماد الخلافات، ما يؤدي الى إشتعال النار مجدداً عند كل هبّة ريح كما حصل اعتباراً من ليل الأربعاء 28 كانون الثاني في نشرة أخبار الـOTV وما أعقبها.
والمفارقة أن مفهوم الحوارات القائمة اليوم تكاد تكون أقرب الى منطق “خطوط التماس” و”وقف إطلاق النار” وليس منطق توقيع اتفاقية سلام بين الأطراف المتحاورة. فعلى الصعيد الحكومة قيل منذ اللحظة الأولى إنها حكومة “ربط نزاع”، وبالتالي فهي أعجز من ان تعالج أي إشكال وتتجنّب كل ملف إشكالي وتتهرّب منه.
والحوار بين “حزب الله” وتيار المستقبل تحت عنوان تنفيس الاحتقان أيضا تبيّن أنه أعجز من أن يخرج ولو بصورة. لا بل إن طموحات هذا الحوار باتت مقزمة الى مستوى محاولة نزع يافطات وأعلام حزبية لم يتم نزعها حتى اليوم!
أما الحوار المسيحي- المسيحي بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” فلا يبدو أنه أكثر من حفلة “تقطيع وقت” في انتظار بلورة الصورة الإقليمية. فالأولوية المطلقة للعماد ميشال عون هو أن تلتزم “القوات اللبنانية” بالاقتراع لمصلحته في انتخابات رئاسة الجمهورية، لا بل عبّر صراحة عن تفاؤله بإمكان أن ينتخبه نواب “القوات”. والأولوية الفعلية لدى “القوات اللبنانية” كما عبّر الدكتور سمير جعجع أكثر من مرّة في التوصل الى مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية يرضي المسيحيين، لأن لا جمهورية من دون رئيس للجمهورية.
وبالتالي فإن الحوار العوني- القواتي لا يمكن أن يحقق أهدافه حين يضع على الرفّ المواضيع الأساسية والجوهرية المتعلقة بسيادة لبنان وحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية اللبنانية والموقف من سلاح “حزب الله” وقتاله في سوريا، والموقف من نظام بشار الأسد وكيفية التعاطي معه، وموضوع الاتفاق على انتخابات رئاسة الجمهورية. أما الحوار حول مواضيع مهمة ولكن لا خلاف عليها أساساً، من مشاركة المسيحيين في السلطة وقانون انتخابات نيابية يعكس التمثيل المسيحي الصحيح والمطالبة بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية وغيرها، تسقط عند الوصول الى أول استحقاق فعلي وهو المتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وأكبر دليل على ذلك أن الحوار عبر القنوات لم ينعكس على الجمهور الذي اشتعل من الجانبين على خلفية ما عرضته الـOTV. لذلك فإن الخلاف بين العونيين والقواتيين، ورغم مآسي ما حصل بين الـ1988 والـ1990، لم يكن يوما على أمور بديهة ومسلمات تتعلق بوضع المسيحيين في السلطة. لا بل إن تجربة النضال المشترك الذي حصل بين الـ1994 والـ2005 بُني على أسس السيادة والحرية والاستقلال، أي على الثوابت الجوهرية التي يتجنبها الحوار القائم اليوم، فعن أي حوار نتكلم اليوم؟
لذلك فإن كل ما يجري لا يعدو كونه مناورات فعلية متبادلة بين الطرفين في انتظار اتضاح الصورة الإقليمية التي ستتيح انتخاب رئيس جديد. عندها لن تنفع كل الأوراق التي يتم العمل عليها، والتي ستشبه البناء على الرمل من دون أي أسس فعلية!