بقلم رولان خاطر
“عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في مزارع شبعا”.. هكذا لخّص “حزب الله” في أسطر قليلة، العملية التي قام بها ضد الجيش الاسرائيلي رداً على اعتداء القنيطرة، حابساً أنفاس اللبنانيين، الذين رفعوا الصلوات، منتظرين الساعة صفر للردّ الاسرائيلي على بيروت والبقاع والشمال والجنوب وكل لبنان.
“نوعيةُ” عملية الحزب أبهرت أنصاره، ومؤيديه، وحرّكت منظومة المدافعين عن معادلة “الردع الوهمية”، من بيروت إلى طهران، منتشين بذكاء “حزب الله” الذي ضرب القافلة العسكرية الاسرائيلية من منطقة متنازع عليها حدودياً، ملتفاً على القرار 1701.
لكنّ ما فعله “حزب الله” هو تذاكي أكثر منه ذكاء. ولم يكن إلا وهماً أراده الحزب لرفع معنويات، تتعمّق شيئاً فشيئاً في وحول الحرب السورية.
– فاسرائيل لم تنفذ تحذيرها الذي أوصلته عبر القنوات الديبلوماسية وفي طليعتهم السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل من أن ردّها على أيّ عملية من قبل “حزب الله” سيكون قاسياً، فاكتفت ببعض القذائف التي طالت أرض الجنوب، الأمر الذي منح “حزب الله” انتصاراً أقل ما يُقال فيه إنه “إنتصار مجاني”.
– الحديث عن ذكاء من قبل قيادة “حزب الله” باعتماده منطقة شبعا لانطلاق خط النار باتجاه الموكب الاسرائيلي، في غير محله، ذلك أن اسرائيل التي لا تقيم أي اعتبار لأيِّ قرارات دولية اممية، لم تأخذ بالاعتبار المنطقة التي ردّ منها الحزب على ما اعتبره رداّ على عملية القنيطرة، فقصفت الأرض اللبنانية، وقذائفها طالت أرض الجنوب، وليس القنيطرة او طهران.
– الردّ الاسرائيلي الأخير، يؤكد أنّ هوية “حزب الله” المزدوجة بين لبنانية وغير لبنانية، وانتماءه للمنظومة العسكرية الإيرانية، لن يردع إسرائيل عن استهداف لبنان عسكرياً.
أمّا في مقارنة بسيطة بين ما جرى في القنيطرة وعملية شبعا على رغم أهميتها وخطورتها، فيمكن وصف العملية الاسرائيلية التي جرت في القنيطرة بـ”النوعية”، ذلك ان “نوعية” القادة التي استهدفتهم هم من كبار “حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني”، فيما نتيجة عملية “حزب الله” جاءت يتيمة على المستوى الاستراتيجي، لناحية الشخصيات الاسرائيلية التي قتلت، أو النتائج التي يريدها على مستوى “الردع”.
– عملية القنيطرة ربما تكشف لاحقاً خرقاً استخباراتياً اسرائيلياً لكل منظومة “حزب الله” و”الحرس الثوري” على مستوى عال جداً، فيما عملية شبعا جاءت في إطار “الحرب النفسية” التي يحاول الحزب تعميمها داخل الإدارة الاسرائيلية.
إلا ان المؤشر البالغ الأهمية، يتمثل في الغموض وعلامات الاستفهام التي تلفّ عملية شبعا برمتها، خصوصاً بعد أن كشفت إسرائيل أنها تلقت “رسالة اطمئنان” من “حزب الله” عبر قوات “اليونيفيل”، تفيد بأن الحزب لا يرغب بتصعيد الموقف على الحدود بين البلدين.
هذه الرسالة ربما تطرح الكثير والكثير من التساؤلات بشأن طبيعة ومفهوم الصراع الدائر بين “حزب الله” كأحد مجموعات إيران العسكرية في لبنان، واسرائيل، ومنه على حقيقة الصراع الاسرائيلي – الايراني.
فالكاتب الأميركي تريتا بارسي، وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “جون هوبكينز” الأميركية، وترأس في السابق المجلس القومي الأميركي – الإيراني، كشف في 31 أيار 2009، عن وجود تعاون استخباراتي وصفقات أسلحة ومحادثات سرية بين طهران وتل أبيب، معتبراً أن إسرائيل وإيران يمثل كل منهما للآخر حليف خارجي محتمل.
وإذ تحدث عن وجود اتصالات سرية بين إسرائيل وإيران تتم خلف الكواليس، أشار بارسي في كتابه “التحالف الغادر- التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأميركية”، إلى اجتماعات سرية عديدة عُقدت بين إيران وإسرائيل في عواصم أوروبية طالب فيها الإيرانيون بالتركيز على المصالح المشتركة للبلدين في المنطقة.
كما شرح الآليات وطرق الاتصال والتواصل بين الأطراف الثلاثة التي تبدو ملتهبة على السطح ودافئة خلف الستار في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات والخطابات والتصريحات النارية بينهم، قائلا: “إن إيران وإسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل”.
ومعلوم أن التعاون بين “الصديقين اللدودين” بدأت فضائحه منذ عملية “إيران غيت” في ثمانينيات القرن الماضي، ولم تنته بالكشف عن محاولة تهريب قطع غيار اسرائيلية لطائرات الفاتنوم الاميركية من اسرائيل الى ايران بواسطة تجار اسرائيليين عبر الاراضي اليونانية عامي 2012 و 2013.
هذا الواقع، يؤكد ان مقولة “اسرائيل سقطت”، هي وهمية، وللدعاية الشعبوية فقط، فاسرائيل لن تسقط، ولن تلغى عن الخريطة، ولن تقرر إيران ولا “حزب الله” مشهد الشرق الأوسط الجديد، والمفاوضات النووية قد لا تكون وفق حسابات البيدر الايراني، لكن الخوف أن يبقى اللبنانيون يعيشون رهان قصة لبننة “حزب الله”؟.
وبانتظار نهاية سعيدة لهذه القصة، وعودة الحزب إلى كنف الدولة، لا بدّ من العودة قليلاً إلى الإمام موسى الصدر، الذي اعتبر أن سلام لبنان الداخلي أفضل وجه من وجوه الحرب مع اسرائيل.
وشدد على وجوب عدم إضعاف الجيش وعلى أهمية دوره في المقاومة، وضرورة تجهيزه من أجل الدفاع عن الوطن، والتصدي لاسرائيل. ويضيف الإمام الصدر: “أولئك الذين يريدون إضعاف الجيش لا يريدون له السلاح، ذلك لأنهم لا يريدون جيشاً قوياً. إنهم يريدونه للمعارك الداخلية.. بينما أريد الجيش قوياً صالحاً حتى يحمي الحدود”.
إذا، المنطق العسكري والمقاوماتي، لا يفرض أن تكون عمليات أي مقاومة خارج نطاقها الجغرافي الذي تتحرك فيه، خصوصاً أنه على مرّ تاريخ الحرب اللبنانية، لم يشهد، أن تعدت أي مقاومة حدود لبنان، ليصل نطاق عملياتها سيادة الدول الأخرى. فالمطلوب واحد، إذا، الجيش، والجيش فقط..