Site icon IMLebanon

الدولة في فرنسا وإدمان التبغ.. مفارقات ومخاطر

EtatAcrroAuTabac

«التبغ يقتل» .. هذه العبارة يراها المدخنون في جميع أنحاء العالم على علبة لفافات ــ سجائرــ التبغ. لكن التبغ يدرّ مليارات الدولارات على الحكومات، والحكومات الفرنسية لا تشذّ عن هذه القاعدة، وعلى الشركات الصانعة له في مختلف البلدان. هذه المفارقة هي موضوع كتاب الصحافي الاقتصادي الفرنسي «ماتيو بشبيرتي» عنوان «الدولة وإدمان التبغ».

إن المؤلف يقدّم في البداية مجموعة من الأرقام التي تدعو للتأمّل. هكذا نعلم مثلا أن عدد الوفيات السنوية التي تعود بشكل أساسي للتدخين وما يترتب عليه من أوروام رئوية وغيرها في فرنسا يبلغ 78000 حالة وفاة. هؤلاء تعلم الدولة مصيرهم ولكنها «تضحّي» بهم من أجل الحصول على المليارات التي هي بحاجة لها لسد عجز صناديق الضمان الاجتماعي والصحّي في فرنسا والتي تشكل الضرائب والرسوم المضروبة على التبغ مصدرها الأساسي.

يشير المؤلف في هذا السياق أن مثل تلك السياسة تنتهجها جميع الحكومات الفرنسية بغضّ النظر عن إيديولوجيتها السياسية، يمينا أو يسارا. بل ويؤكّد مؤلف هذا الكتاب أن السلطات الفرنسية تتبّع جميع السبل من اجل المحافظة على المبالغ المالية الضخمة المتأتية من التبغ. يكتب المؤلف:« إن مبلغ الـ 14 مليار يورو التي تدرّها الضرائب المفروضة على التبغ في فرنسا أساسية بالنسبة لميزانية الدولة.

وهذا مبلغ له وزنه الكبير ضمن المقياس الذي يتم فيه استخدامه تحديدا في تمويل القسم الخاص بتغطية النفقات على المرض في صندوق الضمان الاجتماعي.. من هنا نفهم أن جميع السياسات ذات العلاقة بالتبغ وبالصحّة العامّة كما في الأسعار ترمي بشكل أساسي إلى المحافظة على هذا الكنز».

يكتب المؤلف عن التداخل بين المؤسسات ذات العلاقة بالتبغ في فرنسا:«إن القوى الثلاث الفاعلة ممثّلة في الدولة وصانعي التبغ وبائعيه للمستهلكين يتفاهمون فيما بينهم من أجل زيادة الأسعار دون المخاطرة بقتل السوق. وشركة سيتا ــ الشركة الفرنسية لصناعة التبغ سابقا ــ احتلّت مكانة خاصّة في ذلك التفاهم».

يشرح «ماتيو بيشبرتي» ان الجميع يتمتعون بـ «شهيّة كبيرة» للربح. ويشكلون نوعاً من «العالم السرّي» الذي «يتفاهم» فيه المعنيّون من جميع الأطراف ويقيمون بينهم «صداقات» بحيث يشكّلون معا نوعا من جماعات الضغط «اللوبي» التي تضمّ غالبا، مسؤولين حكوميين ورجال سياسة، كما يشير المؤلف.

يؤكد المؤلف وجود «روابط وثيقة» بين مسؤولين في إدارة الجمارك بوزارة الاقتصاد الفرنسية وصانعي السجائر. كما يؤكّد أن وزراء الصحّة الفرنسيين «يعرفون دائما الهزيمة» في دفاعهم عن الصحّة العامّة أمام وزراء المالية.

ويبيّن أيضاً أن البرلمان الفرنسي «عاجز» عن الفعل في هذا الملف. ذلك أنه في أغلب الأحيان يكون خاضعا لنفوذ جماعات الضغط «اللوبي» التي تدافع عن مصالح ذوي العلاقة بملف التبغ. لكن ذلك لم يمنع أحد النوّاب من الحديث عن «صناعة الموت».

ذلك النائب واسمه «ايف دور» كان قد اشار إلى اكتشافه عام 2005 أثناء ندوة حول الضرائب في مدينة ستراسبورغ، شرق فرنسا، عمق الصداقة بين «رئيس إدارة الجمارك في المدينة ورئيس شركة فيليب موريس ــ فرع فرنسا ــ لصناعة التبغ».

يشرح المؤلف في هذا السياق أنه «في ملف حسّاس وشديد التعقيد مثل التبغ تملك مصالح الجمارك سلطة كبيرة ذلك أنها الوحيدة التي تعرف السوق ولها علاقات وطيدة مع شركات صناعة التبغ ومع البائعين لمنتجاتها». إنه عموما، كتاب عن «التحالف القاتل» في عالم صناعة التبغ ومختلف المستفيدين منها بينما يبقى «المدخنون» هم ضحاياها على جميع المستويات الاقتصادية والصحيّة وغيرها.