بروفسور جاسم عجاقة
أضخم موازنة عسكرية على الإطلاق، وإنفاق يتخطّى كلّ التوقعات. هكذا يُمكن وصف الإنفاق العسكري الأميركي الذي ومن دون أدنى شك ساهم إلى حدٍّ كبير في النشاط الاقتصادي الأميركي وإقتصادات الدول الأخرى. هذا الإنفاق بلغ 645 مليار دولار في العام 2014 و5400 مليار دولار في الفترة ما بين العامين 2000 و2010 (مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي لكلّ الدول العربية والبالغ 3000 مليار دولار أميركي).
أسباب الإنفاق الهائل
يبقى السؤال الأساس عن الأسباب وراء هذا الإنفاق الهائل للماكينة العسكرية الإميركية. فالمعروف أنّ الولايات المُتحدة الأميركية خرجت من الحرب العالمية الثانية كالدولة الوحيدة التي لم تتضرّر منها بحكم أنّ الحرب لم تطل الأرض الأميركية وبالتالي كانت الولايات المُتحدة الأميركية الدولة المُتطوِّرة الوحيدة التي إمتلكت في ذلك الوقت كل المؤهلات لتقود العالم عسكرياً وإقتصادياً ومالياً.
وبالفعل أخذ الإنفاق العسكري الأميركي بالإزدياد مع الوقت مدعوماً بعوامل إستراتيجية وإقتصادية وعلى رأسها:
– أولاً مواجهة الشيوعية السوفياتية التي تهدف إلى تدمير الرأسمالية، لذا توجب على الولايات المُتحدة الأميركية الوقوف في وجه الإتحاد السوفياتي؛
– ثانياً قامت الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها الدول الأوروبية التي تضرّرت من ألمانيا النازية بالإعتماد على الولايات المُتحدة الأميركية كمدافع عن هذه الدول في حال تعرّضت إلى هجوم عسكري ما دفع هذه الدول إلى تقليص موازاناتها العسكرية؛
– الإستراتيجية الأميركية التي تنص على خلق شرطة دولية بقيادة أميركية لتفادي المغامرات العسكرية لبعض الدول كألمانيا النازية؛
– قدرة الولايات المُتحدة الأميركية الاقتصادية على تمويل الإنفاق العسكري وهذا ما لم تمتلكه الدول الغربية الأخرى بُعَيد خروجها من الحرب العالمية الثانية مُتضرّرة إقتصادياً، عسكرياً وإجتماعياً.
تنويع القدرات
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أخذ القطبان الأساسيان في العالم، الولايات المُتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي، بتدعيم الترسانة النووية التابعة للبلدين. لكن سرعان ما فهم القطبان محدودية هذا السلاح ذي الطابع الردعي، لذا عمدت الولايات المُتحدة الأميركية إلى إنشاء مراكز أبحاث تعتمد على التكنولوجيا وتطوّر علوم المادة. ونجحت في ذلك مع فتح أفق جديدة تمثلت بغزو الفضاء.
وهذا ما دفع بالرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغين إلى إطلاق مشروع حرب النجوم (Strategic Defense Initiative) الذي دام عشر سنوات قبل أن يتمّ وقفه تحت إدارة الرئيس بيل كلينتون تحت وطأة الكلفة العالية التي فرضها هذا المشروع وتفكك الإتحاد السوفياتي وبالتالي لم يعد هناك من خطر مُحدق كالسابق.
لكنّ الأميركيين إستمرّوا بالتسلح بإستراتيجيات جديدة أساسها النانوتكنولوجيا والإلكترونيك وعلم الحاسوب. وهنا تمّ تسجيل الفرق الهائل مع باقي الدول المُتطوّرة الأخرى حيث إنّ هذه الأسلحة الجديدة كان لها قوة ردعية وهجومية على حدٍّ سواء. وبذلك أصبح للولايات المُتحدة الأميركية هامش تحرّك يطال البعد الأرضي، البحري، الجوي والفضائي مع ترسانة مُتنوعة جداً.
مَن يُمّول هذا التسلح؟
هذا التنوّع في التسلح دفع بالموازنة العسكرية الأميركية إلى الإرتفاع بشكل كبير، لكن قابلها في الوقت نفسه تطوّرٌ للصناعة العسكرية الأميركية التي أمّنت ملايين وظائف العمل في الولايات المُتحدة الأميركية ودفعت بالناتج المحلّي الإجمالي إلى الإرتفاع.
لذا قامت الحكومة الفديرالية بتمويل الأبحاث والتسلّح، لكن كان هناك مثل إتفاق بين الولايات المُتحدة الأميركية والدول الأخرى التي «تنزوي تحت المظلة العسكرية الأميركية» بأن تعمد هذه الدول إلى تمويل قسم من الحروب التي تقوم بها الولايات المُتحدة الأميركية لصالح «العالم».
على سبيل المثال، قامت اليابان والإتحاد الأوروبي بتمويل قسم كبير من الحرب في البلقان في تسعينات القرن الماضي. وبالتالي نجحت الولايات المُتحدة الأميركية بفرض إستراتيجيّتها التي تنصّ على خلق نظام شرطة دولية يمنع المغامرات العسكرية في العالم.
لماذا يطلب أوباما زيادة في الموازنة العسكرية؟
بحسب طلب أوباما إلى الكونغرس الأميركي، يتضمّن مشروع الميزانية زيادة في النفقات على الاسلحة والابحاث والصيانة منها 107,7 مليارات دورات لبرامج الاسلحة و14,1 مليار دولار عن العام الماضي و69,8 ملياراً للابحاث والتطوير. كما هناك 50,9 ملياراً للحروب في افغانستان وضدّ تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا ما سيتيح شراء 57 مقاتلة اف-35 قادرة على الافلات من الرادار.
وهذا يعني أنّ للولايات المُتحدة الأميركية مشاريع تطال المنطقة هذا العام والعام المُقبل وتنصّ على ضربات جوية على أفغانستان والعراق وسوريا مع غياب ذكر إيران أو دول إقليمية أخرى.
الموازنة العسكرية في لبنان
بحسب موازنة العام 2012، تبلغ موازنة وزارة الدفاع اللبناني 1,12 مليار دولار أميركي معظمها أجور مقارنة بموازنة الجيش الأميركي البالغة 635 مليار دولار.
بالطبع لا يُمكن المقارنة بين الموازنتين نظراً للفرق في الناتج المحلي الإجمالي، إلّا أنه من غير المعقول أن تبقى موازنة وزارة الدفاع مجرد أجور في معظمها! أربعة مليارات دولار أميركي هبة من السعودية لتمويل الجيش اللبناني بأسلحة تسمح له بمواجهة الإرهاب. لكنّ هذه الأسلحة بحاجة إلى صيانة وذخائر وهذا ما ليس متوفراً بموازنة وزارة الدفاع.
من هنا نرى ضرورة أن يتمّ إنفاق قسم من هذه الهبة على إنشاء مصانع عسكرية لإنتاج ذخائر وصيانة المعدات العسكرية تسمح للجيش اللبناني بالإستمرار في الدفاع عن أرضه في ظلّ خطر إقليمي متواصل. وإذا كانت العوامل الجيوسياسية قد دفعت الدول العظمى إلى القبول بتسليح الجيش اللبناني.
وهنا يحقّ لنا بصناعة عسكرية ضمن مؤسسة الجيش تضمن إستمرارية هذه المؤسسة التي تظهر الحاجة لها أكثر وأكثر مع ما يعصف بالمنطقة من مشكلات وتضمن للشعب اللبناني أبسط حقوقه وهي الدفاع عن نفسه.