يعيش اللبنانيون عموماً، والمسيحيون خصوصاً، في المرحلة الراهنة نوعاً من الرُهاب من الإرهاب التكفيري الذي يضرب لبنان ودول المنطقة. هذا الارهاب الذي يهدف الى إلغاء الآخر قبل أن يقوم هذا الأخير بإلغائه، ما يدفع عناصره الى ارتكاب أفظع وأبشع الأعمال الإجرامية من دون تفكير، أو ندامة، أو حتى توبة بعد قيامهم بالإعتداء على الآخرين الأبرياء.
وإلغاء الآخر، على ما يقول مصدر كنسي لـ”الديار”، أمر قائم منذ أقدم العصور، فأول جريمة حصلت على الأرض تمثّلت في قتل قايين أخيه هابيل، فقايين هو أول قاتل على الأرض، وهابيل هو أوّل من وُصف بأنّه بار. أمّا سبب القتل فكان الحسد والغيرة لأنّ الرب نظر الى هابيل وقربانه، ولم ينظر الى قرابين قايين، فاغتاظ هذا الأخير وقرّر قتل أخيه، ما يعني أنّه قرّر إلغاءه وإزاحته من طريقه لكي يلفت نظر الله اليه. كما قام بقتله غدراً، وبعد أن قام بفعلته، لم يرتح ويفرح بل أصبح من الخاسرين، وملعوناً وأمضى حياته تائهاً وهارباً في الأرض.
كلّ ذلك للقول بأنّ العنف، يضيف المصدر، ولا سيما بالنسبة للشخص الذي يرتكبه يرتد بالسوء على مرتكبه، وإن كان يشعر في اللحظات الأولى للقيام به بأنّه قوي ومسيطر على الوضع، لأنّ نتائجه، وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقتل الأبرياء، لا بدّ أن تكون له نتائج سلبية عليه، تظهر بعد وقت. ولهذا، يُضيف المصدر نفسه، نجد أنّ الإرهابيين بعد تنفيذهم لعمليات إجرامية، يذهبون الى الإنتحار بأنفسهم، فقيامهم بالعمليات الإنتحارية، غالباً ما تأتي عن قناعة لديهم بأنّهم لم يعودوا قادرين على تحمّل الحياة التي يعيشونها، والتي هي فارغة من المحبة، فهم في البداية يشعرون أنّهم أشخاص غير محبوبين، وبالتالي هم لا يحبّون أحداً، حتى أنّ بعضهم لا يحبّ نفسه. وليس صحيحاً أنّهم يذهبون الى الإنتحار بملء إرادتهم طمعاً بالجنّة، وبلقاء الحوريات اللواتي يعدونهم بهنّ، بل إنهاء لحياتهم الخالية ممّا يُسعد قلب الإنسان وهو الحبّ.
وبشكل عام، يمكن القول، يتابع المصدر الكنسي، بأنّه بما أنّ كلّ شخص بحاجة الى أن يكون محبوباً، وأن يحبّ بالتالي مَن حوله، وإلاّ تصبح حياته بلا معنى، فإنّ الإرهابيين هم أكثر الأشخاص الذين يُعانون من نقص الحبّ في حياتهم. وإذا قمنا بدراسة طفولتهم، نجد أنّهم نشأوا بعيداً عن حبّ العائلة، وعرفوا أوقاتاً قاسية وصعبة، تخلّلها العنف والغضب والضرب، أو الإهمال وعدم الإهتمام بهم، وكلّ ما أدّى الى أن يصبحوا مراهقين غير منسجمين مع أنفسهم ومع محيطهم، الأمر الذي يدفعهم الى الإنجرار وراء كلّ ما يمنحهم القوة والثقة بالنفس ظنّاً منهم أنّهم سيعوّضون بذلك عن عدم حبّهم وتقديرهم في وقت من أوقات حياتهم. إلاّ أنّهم لا بدّ أن يُصدموا في نهاية المطاف لأنّهم ينغمسون في كلّ ما يقتل أنفسهم أكثر فأكثر، عندما يُمارسون العنف والقتل بحقّ الأبرياء.
وعليه، فإنّ المسيحيين المؤمنين الذين تملأ المحبة حياتهم بشكل عام، وإن بدوا حذرين من الإرهابيين الذي يُهدّدون وجودهم، إلاّ أنّهم فعلياً لا يخشونهم، يؤكد المصدر، لأنّ المسيح سبق وقال لهم «سوف تُضطهدون من أجل اسمي»، وهم عندما يقرّرون أن يتبعوه يعلمون أنّهم سيسلكون طريقاً صعبة، هي طريق الجلجلة التي سار عليها السيد المسيح، والتي تؤدّي في النهاية الى خلاص البشرية، حتى في ظلّ الموت.
غير أنّ هذا لا يعني، على ما يوضح المصدر الكنسي، أنّه على المسيحيين الإستسلام، وترك الإرهابيين، على سبيل المثال، ينالون من حياتهم لأنّها هبة من الله، وعلينا الحفاظ عليها. فالكنيسة تؤيّد مبدأ الدفاع عن النفس، ما يعني أنّه بإمكان المسيحيين في حال تعرّض حياتهم للخطر، من قبل الجماعات التكفيرية أو سواها، أن يردّوا السوء عنهم بالطرق التي يجدونها مناسبة. فقد يقبل مسيحي ما أن يُقتل شرط عدم قتل أولاده، على سبيل المثال، فيقوم بالدفاع عنهم، وقد يصل الى النيل من الذين يواجهونه، وهذا حقّ مشروع له.
وبرأي المصدر الكنسي، إنّ مشكلة المسيحيين اليوم، ليست الإرهاب المستشري والذي يُخيف الجميع، إنّما ما يعتري قلوب الناس، من حسد وغيرة وضغينة، وتحكّم فكرة إلغاء الآخر بحياتهم، فضلاً عن إلقائهم اللوم على الآخرين في كلّ ما يحصل لهم في حياتهم، وحمل عقدة الذنب في بعض الأحيان بسبب الخطايا التي يقومون بها، ما يُبعد المحبة عن قلوبهم، ويجعلهم يُخطئون في تصرّفاتهم.
ولهذا، فإنّ المسيحيين مدعوون اليوم، على ما يختم المصدر، الى طرد الخوف والقلق من نفوسهم، وتعزيز باب الحوار فيما بينهم وبين الآخرين، لأنّ فقدان الحوار غالباً ما يؤدّي الى التباعد، وعدم فهم وجهات النظر المختلفة، وبالتالي الى تكريس أعمال العنف القائمة على فكرة إلغاء الآخر. في حين أنّ المرحلة الراهنة تتطلّب من الجميع، أن يتقاربوا ويتفقوا، عن طريق الحوار للوصول الى حلّ الخلافات الذي يضمن وجودهم ووجود لبنان، لا سيما أنّ النزاعات لا تؤدّي سوى للمزيد من الحروب التي يجب تلافيها واستبدالها بالتوافق والوحدة والشراكة.