كتبت رولا حداد
كان لافتاً أن “حزب الله” تبنّى عملية شبعا في بيان حمل الرقم واحد. ومن المعروف أنه في كل دول العالم التي تشهد انقلابات كان الانقلابيون يصدرون بياناً يُطلقون عليه “البيان رقم واحد”، وفيه يعلنون عن الإجراءات الميدانية التي يتخذونها ويجبرون المواطنين على التقيّد بالتعليمات الواردة فيه.
وما كان شكّاً أصبح يقيناً لدى اللبنانيين بعد إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. ففي إطلالته بعد عملية شبعا أكد نصرالله إعلانه الانقلاب الشامل على الدولة اللبنانية التي باتت غير موجودة في حساباته. هكذا أصبح “حزب الله” يشكل حالة إنقلابية بكل ما للكلمة من معنى. فلا حدود يعترف بها نصرالله وحزبه، لا بل أعلن أنه لن يقبل بتفتيت الساحات، ما يعني ضمنيا ليس حشر لبنان مع ساحة المعركة في سوريا، بل حشره في جبهات لا تنتهي في اليمن والبحرين أيضا!
وفي هذا الإطار يبدو “حزب الله” عاملاً بشكل حثيث ضمن حلم الهلال الشيعي بتوجيه فارسي، وهنا لا مجال لأي حديث عن دولة لبنانية او غير لبنانية.
أما المعادلات التي رسمها نصرالله فيغيب عنها أي وجود للجيش اللبناني أو للحكومة اللبنانية. فالقرارات يتخذها “حزب الله”، أو عمليا تتخذها إيران كما بات واضحاً وينفذها الحزب من دون الاعتراف بالدولة اللبنانية.
أما قمة الانقلاب فتصل الى إعلان نصرالله من جهته إسقاط مفهوم قواعد الاشتباك التي تحكم العلاقة مع إسرائيل منذ نشوئها. فمنذ العام 1948 كانت اتفاقية الهدنة. وسقطت هذه الاتفاقية مع تمدّد “فتح لاند” في لبنان وإبرام إتفاقية القاهرة التي أسقطت الحدود اللبنانية الجنوبية أمام العمليات الفدائية الفلسطينية، فكان اجتياحا الجنوب في العامين 1978 و1982.
وبقي الوضع متسيّباً الى حين سعى الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى عقد ما سُمّي بـ”تفاهم نيسان” في العام 1996 برعاية الأمم المتحدة على قاعدة احترام إسرائيل و”حزب الله” على حد سواء منطق عدم استهداف المدنيين. وبعد الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000 رُسمت قواعد اشتباك جديدة عنوانها مزارع شبعا، قبل أن تحصل حرب تموز الـ2006 ويتم من بعدها تكريس معادلة القرار 1701 وفرض احترام الخط الأزرق.
لكن من يدقق جيدا في حقيقة كلام نصرالله يدرك تماماً أن فيه من الإدعاء أكثر مما فيه من الواقعية السياسية. فـ”حزب الله” الغارق في الوحول السورية هو أكثر من يهمّه إبقاء الجبهة الجنوبية مع إسرائيل هادئة. كما ان الرسائل التي نقلتها الجهات الدبلوماسية الفرنسية والروسية بين “حزب الله” وإسرائيل، والتطمينات التي قدّمها “حزب الله” بعد عملية شبعا، لا تشي على الإطلاق بأن ثمة من ينوي الدخول الى الجليل أو الزحف لتحرير القدس. لا بل إن ما قاله نصرالله علنا كان اكثر من واضح “إن هاجمتونا سنهاجمكم ونحن لا نريد الحرب لكننا جاهزون لها”.
فإذاً “حزب الله” لا يريد الحرب مع إسرائيل وشعار “تحرير القدس” هو حصراً للاستهلاك الشعبوي وتعبئة الشارع ليس أكثر، لأن القلمون وريف دمشق وحلب وحماه أهم بكثير من القدس وحيفا وما بعد بعد حيفا!
خطاب نصرالله كان اكثر من مطمئن لإسرائيل التي تتحضر لخوض انتخاباتها النيابية في 17 آذار المقبل، لكن هذا الخطاب كان إلغائيا بامتياز للدولة اللبنانية ككل وفي هذا المعنى كان “البيان رقم واحد” موجهاً الى الحكومة اللبنانية وليس الى الحكومة الإسرائيلية. والطريف أن الحكومة اللبنانية غائبة عن السمع، لا بل عاجزة أمام “حزب الله” كمريض دخل حالة الكوما في انتظار إعلان وفاته!
أمر وحيد فات نصرالله، وهو أن إعلان البيان رقم واحد لا يعني بالضرورة ابداً نجاح الإنقلاب!