بينما ينقشع الغبار حول اليورو في أعقاب إطلاق البنك المركزي الأوروبي برنامجه للتسهيل الكمي التام، يتساءل المستثمرون والمحللون: هل السبيل الوحيدة أمام العملة الموحدة هي الهبوط؟
الهبوط في قيمة اليورو بلغ أصلا نسبة لا يستهان بها، إذ انخفض تقريبا 8 في المائة هذا العام مقابل الدولار، وتراجع بنسبة 17 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية، مع احتساب المستثمرين بصورة متزايدة احتمال أن يلجأ البنك المركزي الأوروبي في النهاية إلى شراء السندات الحكومية من أجل تحفيز منطقة اليورو.
ويمزق المحللون الآن التوقعات بشأن اليورو هذا العام بعد انخفاضه إلى ما دون 1.12 مقابل الدولار لأول مرة منذ عام 2003، عقب إعلان البنك المركزي الأوروبي الأسبوع قبل الماضي.
ويتوقع بنك يو بي إس أن يتم تداول اليورو بقيمة 1.13 دولار بعد شهر، وبقيمة 1.10 دولار بعد ثلاثة أشهر، بينما يلاحظ المحلل آلان راسكين، من دويتشه بانك، أن توقعاته لنهاية العام البالغة 1.10 دولار كانت تقترب بسرعة كبيرة خلال الشهر الأول من العام.
الحجة الداعية إلى ضعف اليورو واضحة، وهذا يفسر سبب تراكم أعداد المستثمرين في هذا الجانب من السوق. ومع أن برنامج التسهيل الكمي التام متوقع منذ زمن طويل، يقول محللون إن البنك المركزي الأوروبي ذهب أبعد مما خطر على بال الكثيرين، مشيرين إلى أنه من الناحية العملية وعد ببرنامج غير محدود من التسهيل الكمي- على الأقل حتى شهر أيلول (سبتمبر) 2016، أو حتى يظهر تضخم منطقة اليورو علامات قوية دالة على التحسن. وهذا يأتي في وقت يُتوقع فيه من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يرفع أسعار الفائدة هذا العام، وهو أمر يرجح له أن يُبقي على سعر تبادل اليورو والدولار تحت الضغط.
في الوقت نفسه، تراجع اليورو بسبب فوز حزب سيريزا المضاد للتقشف في الانتخابات اليونانية، في الوقت الذي تصبح فيه المخاوف من خروج اليونان من العملة الموحدة احتمالا متزايدا. ويعترف المحللون بوجود مخاطر في حالة صعود اليورو أيضا. واحد من التدابير قصيرة الأجل يتمثل في اتخاذ مراكز، وقد وصلت المراكز المكشوفة بالنسبة لليورو مقابل الدولار– أي المراهنة على أنه سينخفض بدلا من أن يرتفع- وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ حزيران (يونيو) 2012 قبل يومين فقط قبل قرار البنك المركزي الأوروبي، بحسب بيانات من لجنة تجارة السلع الآجلة الأمريكية.
ويؤدي هذا إلى إمكانية حدوث “ضغط في المراكز المكشوفة” في الوقت الذي يجني فيه المستثمرون الأرباح. ويشير بعض المحللين إلى ارتفاع اليورو إلى 1.16 دولار خلال الأيام التي سبقت إعلان البنك المركزي الأوروبي للتدليل على أن بعض الناس كانوا يأخذون الأرباح كلها قبل، وليس بعد، القرار.
وفي مرحلة تالية، هناك سيناريو أن يعمل برنامج التسهيل الكمي عاجلا وليس آجلا، ما يجعل المستثمرين يعيدون تخصيص الأموال لأصول أوروبية وإرسالها إلى منطقة اليورو- وكذلك تخصيصها لليورو.
ويقول محللو يو بي إس إنهم يتوقعون أن يكون لبرنامج التسهيل الكمي تأثير سلبي أكبر على المدى القصير على اليورو، إلا أنه عند نقطة معينة هذا العام ينبغي لنمو منطقة اليورو الأفضل دعم العملة الموحدة.
ويقول راسكين: “هنالك مخاطرة خطيرة (بخصوص مراكز اليورو على المكشوف) لدرجة أن أسعار النفط المنخفضة هي بمنزلة تخفيض في الضرائب، حيث إن اليورو الأضعف يدعم الأسهم ومكاسب السندات الأدنى، والتركيبة كلها تخلق نموا أقوى”.
وثمة احتمال آخر هو إمكانية تعثر الاقتصاد الأمريكي، ما يدفع المستثمرين إلى أن يدفعوا بتوقعاتهم حول توقيت أول زيادة في أسعار الفائدة (من الاحتياطي الفيدرالي) إلى مسافة زمنية أبعد. وهذا قد يؤدي إلى انخفاض في قيمة الدولار، الذي وصل إلى أعلى مستوى له خلال 12 عاما مقابل عملات الشركاء التجاريين الأسبوع الماضي.
وعلى أية حال، يعتقد محللون أن أحد المجالات التقليدية لقوة اليورو من غير المرجح أن تتجسد هذا العام. والمقصود بذلك هو الاتجاه لدى البنوك المركزية، ولا سيما في الأسواق الناشئة، بأن تقوم بشراء اليورو من أجل تنويع العملات الأجنبية بعيدا عن الدولار- وينظر إلى ذلك على أنه أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عدم ضعف العملة الموحدة خلال أزمة السندات في منطقة اليورو.
لكن مع وجود دولار قوي وأسعار سلع مقبولة، هناك حاجة أقل- وشهية أقل- للتنويع بعيدا عن العملة الأمريكية. ووصلت مقتنيات اليورو كنسبة من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية في نهاية أيلول (سبتمبر) إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2002، بحسب بيانات من صندوق النقد الدولي.
ويقول ستيفن إنجلاندر، استراتيجي العملات لدى سيتي جروب “الآن نحن لم نحصل على ذلك النوع من تراكم الاحتياطيات المعروف في الأسواق الناشئة الذي كنا نحصل عليها من قبل، لذلك الحاجة إلى التنويع أصبحت أقل بكثير”.
وبالنسبة للوقت الحاضر، مع وجود يورو ضعيف، فإن إحدى الاستراتيجيات الأكثر شعبية بالنسبة للمستثمرين من المرجح أن تكون اقتراض اليورو بغرض الاستثمار في الأسواق الناشئة، وهو ما يسمى تجارة المناقلة، بحسب ما يقول المحللون.
وباستثناء عملات أوروبا الشرقية، حققت معظم عملات الأسواق الناشئة مكاسب ضخمة مقابل اليورو هذا العام.