Site icon IMLebanon

خروج ألمانيا من اليورو وضمان الوحــدة الأوروبِّية

GermanyEurope
غريتا صعب
أرسلت اليونان في الانتخابات الأخيرة والتي أدّت الى فوز Syriza رسالة واضحة الى الاتحاد الاوروبي عموماً والى إنجيلا ميركل خصوصاً تُظهر على ما يبدو عدمَ استعدادها للتعاطي مع الترويكا، ما سوف يؤدي الى مواجهة حتمية مع المفوضية الاوروبية والبنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، واللجنة الثلاثية المشرِفة على قروض اليونان وغيرها من دول أوروبا المتعثرة. أضف الى احتمال مواجهةٍ مع ألمانيا ومستشارتها والتي حدّدت في الواقع مسارَ التقشف للقارة.
لا يمكن استبعاد هذه المواجهة ولا سيما بعد أن أظهرت ميركل تشدّداً لناحية إعفاء اليونان من ديونها التي تبلغ حوالى ١٧٥٪ من الناتج المحلي الاجمالي مع نسبة بطالة تزيد عن ٣٠٪ بين الشباب واقتصاد يتراجع بنسبة ٢٥٪ منذ نشوء ازمة اليورو وقروض بلغت ٢٤٠ مليار يورو من الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي.

هذا وألمانيا تعتبر وتصرّ على انّ الدين هو دين وانّ اليونان يجب أن تسدِّد ديونها بالكامل وانه لا يمكن إعفاؤها بعد الآن هذا مع العلم انّ ايّ شخص يقوم بحسابات بديهية لوضعٍ مثلَ وضع اليونان يرى انها لن يكون باستطاعتها تسديد ديونها هذه، وهذا بالفعل ما يحاول Syriza إيصاله للمجتمع الاوروبي على رغم انه واقع بغيض بالنسبة للسياسيين في برلين وبروكسل.

والالمان يعلمون من تاريخهم عندما أعفوا في العام ١٩٥٣ مع خطة مارشال من ديونهم، أنّ ذلك ساعد في تحقيق بداية جديدة لألمانيا وساهم الى حدٍّ بعيد في تحقيق الانتعاش الاقتصادي والتأسيس لمؤسسات ديمقراطية.

لذلك قد يكون السؤال يعيد نفسه اليوم وهو هل إنّ اليونان تستحق هذا الاعفاء من الديون علماً انّ السياسيين اليونانيين تصرّفوا بغباوة؟ لكن وجب القول إنّ المصارف العالمية ولا سيما الألمانية والفرنسية والأميركية تصرّفت أيضاً بغباوة.

لذلك قد يكون موقف ألمانيا متشدِّداً بعض الشيء علماً انّ الحلّ لن يكون صعباً من خلال إعادة هيكلة هذه الديون مع فوائد تكون ٠،٥٪ للسنين الخمس المقبلة على أن تزيد تلقائياً لتبلغ ١٪ في سنة ٢٠٢٠ وما بعد- أضف الى ذلك إصلاحات جذرية تبدأ اليونان مسيرتها من أجل الوصول الى نوع من الحلّ لمشكلاتها الاقتصادية.

هكذا تكون الانتخابات اليونانية قد أرسلت رسالة واضحة المعالم الى اوروبا وأعادت الى الواجهة خطرَ الخروج من الاتحاد الاوروبي وهذا يعني أنّ دولاً اخرى ولا سيّما اسبانيا سوف تحذو حذو اليونان وتسعى أيضاً الى إيجاد معادلة اخرى بشأن وضعيتها المالية والمصرفية وديونها وهذا تبيّن منذ ايام عندما مشى عشرات الالوف من الاسبان في الشوارع في محاولة لإستعراض قوتهم مع الحزب اليساري المتطرف Podemos والذي يأمل أن يحذو حذو Syriza في الانتخابات الآتية- وهذا الخطر سوف يندرج على دول اوروبية عدّة ما يعني وفي حال وقوع هذا، تفكك اوروبا واليورو- وفي المقابل ترى ألمانيا الخطر الداهم من تحقيق إعفاء لهذه الديون كون الدول الأخرى سوف تسعى الى تحقيق معاملة بالمثل ما يشكل خطراً على المصارف الألمانية والفرنسية والأميركية.

هكذا نرى Syriza اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما اما الشروع في تنفيذ تعهّده لناخبيه وإلغاء برامج التقشف وعدم دفع الديون وبالتالي مواجهة فعلية مع ألمانيا ومن ورائها فرنسا واما محاولة اعادة هيكلة هذه الديون بطريقة تساعد اليونان على الخروج من ضائقة اقتصادية عليها بموجبها أيضاً دفع ديونها من أجل اعادة الانتعاش الى اقتصادها.

ونرى اوروبا مع مشكلاتها الاقتصادية والمالية وشبح الانكماش الذي بدأ يواجهها تحاول وبطرق مختلفة اعادة اليونان الى الحظيرة الاوروبية من خلال محاولة إيجاد معادلات لاقناعها بضرورة دفع ديونها والشروع في إصلاحات لا بدّ من القول إنها ضرورية جداً للاقتصاد اليوناني.

هكذا نرى أنّ الرهانات تبقى عالية على رغم انّ الجميع ومن بينهم Syriza يريدون البقاء في منطقة اليورو. لكن وعلى ما يبدو انّ خطر خروج اليونان حالياً لن يكون غلطة سببها ألمانيا إنما غلطة يونانية بحتة ولا سيما في حال التخلّي عن الإصلاح ضمن البلد.

أما آثاره على اوروبا فقد تكون كارثية خصوصاً أنه كما سبق وذكرنا هنالك رهان على دول اخرى ستحاول اللحاق بالطريقة اليونانية لحلّ المشكلات، ومن الصعب أن نرى كيف يمكن للعملة الموحَدة البقاء على قيد الحياة في مثل هذه الظروف.

هذا ويرى الاقتصاديون انّ نسبَ ديونٍ بهذا المستوى غير قابل للاستمرار على رغم انّ هذا لا يعني أنه يجب عدم الأخذ بعين الاعتبار المطالب اليونانية ومحاولة إيجاد حلول لها وحال التقشف قد أرهقت الشعب اليوناني وجعلت قسماً كبيراً منه يعيش في فقر مدقع ولن يكون الحلّ كما يراه الاقتصاديون ومعهم Syriza في الاستمرار في هكذا سياسة.

كذلك يرى الاقتصاديون انّ حال التقشف هذه والتي دعت اليها السيدة ميركل اظهرت في أحسن التقديرات انها عموماً غير نافعة للاقتصاد خصوصاً لأوروبا وتؤكد المؤشرات الاقتصادية ذلك مع تراجع النمو وزيادة البطالة وحال الانكماش السائدة في المنطقة وما ينطبق على الدول بشكل عام لا يمكن تطبيقه إلّا على اليونان، لذلك قد يكون الحلّ في تخفيف او شطب ديون اليونان مع الإصرار على عملية اصلاحية جذرية تراقبها الترويكا أو أيّ هيئة دَولية مولجة بمتابعة هكذا أمور.

هذا مع العلم انه تمّ إحراز تقدّم في مالية اليونان وبدأت الصادرات بالنموّ وجرى بعض الإصلاحات الهيكلية وعلى سبيل المثال تحرير سوق العمل وبدأ الاقتصاد ينتعش وشهد الناتج المحلي تحسّناً من المتوقع أن يصل الى ٣٪ في العام ٢٠١٥ ما يعني انه وبغضّ النظر عن مَن سوف يحكم اليونان فإنّ هذه الخطوات الإصلاحية ضرورية وأيّ تخلٍّ عنها يمكن أن يرسل أشارةً سيّئة للغاية للمستثمرين الأجانب وللمؤسسات الدولية علماً انها وبلمطلق تبقى مؤلمة للشعب.

لذلك نرى اوروبا مجدَّداً مع الأزمة اليونانية في الواجهة ونرى انّ الخيارات ليست بالكثيرة وانّ ميركل عالمة جداً انه لا يمكن لليونان الخروج من اوروبا دون إثارتها ازمة تهدّد معها الكيان الاوروبي بأجمعه ولا سيّما انّ اقتصادات الدول الاخرى ليست أحسن بكثير وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وأيضاً فرنسا جميعها تعاني مشكلات شبيهة بعض الشيء بمشكلات اليونان وعلى هذه الدول القيام بإصلاحات سريعة تساعدها على الخروج من ركودها. لذلك نرى ألمانيا وميركل وحدهما بمواجهة دول عدة خياراتها قليلة واقتصاداتها تعاني من الركود والانكماش وحلولها الاقتصادية دائماً متأخرة.

وقد يكون الخيار الأصلح إذا جاز القول خروج الدولة القوية الوحيدة من هذه المنطقة ما يعني خروج ألمانيا من منطقة اليورو وضمان الوحدة الأوروبية وإلّا فاليونان ومعها اوروبا الى المجهول.