Site icon IMLebanon

هبوط أسعار النفط الحاد.. فيه فائدة للكثيرين

OilPricesDown1
جيمس بي ستيوارت
جذب الانخفاض الحاد الذي تشهده أسعار النفط – من 107 دولارات للبرميل في يونيو (حزيران) الماضي إلى 66 دولارا فقط في الوقت الراهن – دهشة الكثير من المعلقين، حيث أشاروا إلى المخاطر التي تشكلها الأسعار الهابطة مع الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في الخارج، ناهيك بالتهديدات الاقتصادية حيال حوض النفط المزدهر بوسط الولايات المتحدة، الممتد من ولاية تكساس إلى ولاية شمال داكوتا وحتى ألبرتا.
ولكن إذا استقينا دروس التاريخ فلا يمكن بأي حال اعتبار انخفاض أسعار النفط إلا من قبيل الأنباء السارة للجميع الذي لا تستند ثرواتهم على النفط، وهو ما يعني غالبية سكان العالم.
يقول السيد دانيال يرغين، مؤلف كتاب «المغامرة: إشكالية الطاقة، والأمن، وإعادة تشكيل العالم الحديث»، ونائب مدير مؤسسة «HIS» لاستشارات الطاقة: «في كل مرة نشهد تحركا ما في أسعار النفط يصرخ الناس ملتاعين: لقد انتهينا، إنها النهاية. غير أن الناس يتناسون أن النفط ما هو إلا سلعة من بين كثير من السلع، ويتحرك سعره في دورات تخضع لمتلازمة العرض والطلب».
على الرغم من أن الارتفاعات المفاجئة للأسعار تتلقى المزيد من الاهتمام الإعلامي والسياسي – فقد أشار الدكتور يرغين إلى أن الرئيس تيودور روزفلت حذر من «الاستنزاف الوشيك» للنفط في عام 1908 – فإن إغراق الأسواق بالنفط وهبوط أسعاره يبدو أنه يقع وفقا لمنظومة مماثلة. في عام 2008، انتقل سعر برميل النفط من 145 دولارا في يوليو (تموز) إلى 33 دولارا فقط للبرميل في منتصف ديسمبر (كانون الأول)، وهو الهبوط الذي عجلت به الأزمة المالية الشهيرة وانخفاض الطلب العالمي. وفي حين أن سعر 33 دولارا للبرميل يبدو رخيصا الآن، ففي عام 1998 وعام 1986 هبط سعر النفط إلى أدنى من 10 دولارات للبرميل. مما يجعل من الهبوط الأخير هو حالة الهبوط الرابعة الحادة خلال الـ30 سنة الأخيرة.
وفي حين أن الظروف ليست هي عينها في كل مرحلة، ومن العسير عزل تأثير النفط الرخيص عن بقية العوامل الاقتصادية، فإن العواقب واسعة النطاق لكل تلك الحوادث كانت متماثلة. فقد حركت من عجلة النمو الاقتصادي العالمي. ويرى الدكتور يرغين أن الناتج الاقتصادي العالمي قد يشهد نموا هذا العام بمقدار إضافي يبلغ 4 أعشار المائة مع بقاء أسعار النفط لدى مستوى 80 دولارا للبرميل. فإذا ما استقرت أسعار النفط أدنى من 80 دولارا للبرميل، كما يقول، «يمكننا حينها مراجعة تلك النسبة إلى 5 أعشار المائة».
يقول السيد دنتون سينكوغرانا، كبير محللي النفط لدى مؤسسة خدمات معلومات أسعار النفط: «إن متوسط السعر الوطني لجالون البنزين يبلغ فعليا 3 دولارات ويتجه للانخفاض. سوف يتاح للمستهلكين المزيد من الأموال للإنفاق، ونتوقع أن يمتد ذلك الأثر طوال فصل الشتاء. وقد يستمر أيضا حتى عام 2016».
وفي حين أنه من المبكر للغاية تقييم موسم عطلة التسوق، فإن مبيعات السيارات في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) قد ارتفعت بنسبة 4.6 في المائة عن العام السابق نحو معدل سنوي يبلغ 17.2 مليون سيارة. وجاءت سيارات «فورد إف – 150»، و«شيفروليه سيلفرادو»، و«دودج رام» بين أكبر 3 شركات الشاحنات مبيعا للسيارات. وفي حين أن كفاءة استهلاك الوقود قد تحسنت على مدى الموديلات المذكورة، فإنها لا تزال تستهلك كميات كبيرة من الوقود مقارنة بسيارة «تويوتا بيريوس» أو حتى سيارة «كاديلاك سيدان».
وبغض النظر عن المنافع العائدة على المستهلكين فإن النوبات السابقة لأسعار النفط كانت تشكل آثارا كبيرة على أسعار الأسهم، باستثناء قطاع الطاقة. ففي عام 1986 ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى 18.67 في المائة في فورة ارتفاع استمرت حتى حالة الركود لعام 1991. وفي عام 1998 ارتفع نفس المؤشر إلى 25.58 في المائة وإلى 21 في المائة في العام التالي. وعلى الرغم من هبوط أسعار الأسهم في عام 2008 فقد سجلت ارتفاعا كبيرا في عام 2009.
أحد التحذيرات يفيد بأن النفط الرخيص يؤدي إلى جيوب مبذرة. ففي العام الذي تلا الهبوط المسجل في 1987، انهار سوق الأسهم في ما صار يعرف بالاثنين الأسود، على الرغم من التعافي الذي شهدته تلك السوق. أدى العامان التاليان للهبوط الذي شهده عام 1998 إلى فورة فقاعات التقنية التي برزت للغاية في مارس (آذار). يحذر بعض النقاد حاليا من فقاعات الأصول التي دخلت طور التكوين.
قال الدكتور يرغين إن انخفاض الأسعار لهذا العام هو الأكثر مماثلة لعام 1986. وقد أدت الأزمات المالية غير المتوقعة إلى انخفاض أسعار النفط في عامي 1998 و2008، وإلى الفشل في إدارة رأس المال طويل الأجل للصندوق الوقائي وأزمة الديون الآسيوية في عام 1998، وانهيار مصرف ليمان براذرز في 2008 ثم حالة الكساد الكبيرة التالية عليه. وفي عام 1986 أدت الزيادة الجديدة في الإمدادات القادمة من بحر الشمال وألاسكا، وهي المناطق البعيدة عن نفوذ منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، إلى هبوط أسعار النفط.
في هذا العام، كان العامل المحرك هو انحسار تهديدات التعطيل من جانب روسيا والشرق الأوسط، والاقتصادات المتباطئة في أوروبا وآسيا، وفوق كل شيء، ارتفاع الإنتاج من الولايات المتحدة وكندا. يقول السيد فيليب فيرلغر، رئيس مؤسسة لاستشارات الطاقة والمدير السابق لمكتب سياسات الطاقة بوزارة الخزانة الأميركية «هذه المرة يتحطم الابتكار تحطيما. الارتفاع المفاجئ في إنتاج النفط الأميركي غير بشكل عميق من ديناميات الأسواق، حيث فقد مصدرو النفط ثلث السوق التي اعتقدوا أنهم يستحوذون عليها في عام 2014».
اجتمعت منظمة أوبك في عطلة عيد الشكر، ولكنها أصابت الأسواق بصدمة عندما لم ينبس أعضاؤها ببنت شفة حيال الحاجة إلى خفض الإنتاج أو ضبط الأسعار، فقد هبطت سعار النفط المتداولة في الأسواق العالمية بنسبة 6.5 في المائة في ذلك اليوم.
وقال السيد فيرلغر: «إن استراتيجيتهم تدور حول السماح للأسعار بالانخفاض ومن ثم إخراج المنتجين ذوي التكلفة العالية، إنها معركة الحصول على حصص السوق».
لا يعتبر انخفاض أسعار النفط من النعم التامة بالنسبة للولايات المتحدة، حيث إنها تحتل حاليا موضع أكبر منتج للنفط في العالم وقد تنضم قريبا إلى زمرة مصدري النفط. قد تدور استراتيجية منظمة أوبك حول السماح للأسعار بالهبوط إلى النقطة التي يتوقف النفط الصخري والقطران الأميركي عن أن يكونا ذوي حيوية من الناحية الاقتصادية. ولكن السيد سينكوغرانا يقول: «ولكنها لعبة خطيرة، حيث يواصل منتجو النفط الصخري في تخفيض تكاليف إنتاجهم بفضل التقنيات الحديثة»، حتى إن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى وصول سعر برميل النفط إلى 98 دولارا حتى توازن ميزانيتها، على حد تقديرات السيد إدوارد مورس، رئيس أبحاث السلع لدى «سيتي غروب» للأسواق العالمية.
بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية وغيرها من كبار منتجي النفط، كما كتب السيد مورس في بحث أجري مؤخرا، «إنتاج النفط وتصديره من المصادر الرئيسية للعائدات الحكومية السعودية. وسعر برميل النفط المطلوب للعائدات النفطية من أحل موازنة الميزانية الحكومية هناك ينبغي أن يصل لما هو أعلى من 70 – 90 دولارا للبرميل، مع الكثير من الدول التي تطالب حاليا بوصول أسعار النفط إلى أعلى من 100 دولار للبرميل».
ويقدر السيد مورس احتياجات فنزويلا بـ161 دولارا للبرميل من أجل الخروج من أزمة هذا العام بعد عقود من المحسوبية وسوء الإدارة لقطاع الطاقة لديها تحت حكومة هوغو شافيز اليسارية. وأضاف الدكتور يرغين: «تعتبر فنزويلا مثالا عالميا لسوء الإدارة الاقتصادية. ومن شأن وصول سعر البرميل إلى ما دون 80 دولارا أن يكون له آثار كارثية هناك».
ثم تأتي روسيا، التي أقرت هذا الأسبوع بالهبوط الذي يشهده اقتصادها إلى حد الركود نتيجة للعقوبات الغربية المفروضة عليها إزاء أوكرانيا وهبوط العائدات النفطية. تعتمد نصف الميزانية الوطنية الروسية على عائدات النفط والغاز. وهذا الأسبوع، ألغى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشروع خط أنابيب الغاز الذي طال انتظاره إلى أوروبا والذي يمر عبر بلغاريا وصربيا، والذي كان سوف يمر بأوكرانيا.
جاء كل من السيد بوتين والسيد شافيز إلى السلطة في أعقاب الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن هبوط أسعار النفط في عام 1998.
وخلف السيد بوتين السيد يلتسين في حكم البلاد في عام 1999 عقب عجز روسيا عن سداد ديونها السيادية. وتعهد باستعادة المصداقية المالية الروسية وتحديث اقتصاد البلاد. وسواء كان هناك أي تأثير للهبوط الأخير في أسعار النفط على المغامرات الجيوسياسية فلا يزال الأمر يشوبه الغموض. جرى انتخاب السيد شافيز في عام 1998 في مواجهة الاضطرابات الاجتماعية وهبوط عائدات النفط بعد فرض منظمة أوبك للتخفيضات الإنتاج.
كان كل من السيد بوتين والسيد نيكولاس مادورو (خليفة السيد شافيز في حكم فنزويلا) من أشد المنتقدين للولايات المتحدة الأميركية. وهناك عدوان آخران للولايات المتحدة – وهما: إيران، التي تحصل على نصف عائدات ميزانيتها من الصادرات النفطية، وتنظيم داعش الإرهابي، الذي يمول معظم أنشطته من مبيعات النفط – سوف يعانيان من انخفاض الأسعار كذلك. يبدو أن العواقب الجيوسياسية لانخفاض أسعار النفط تصب في مصلحة السياسة الخارجية للولايات المتحدة حيث إن «بعض منظري نظرية المؤامرة يقولون إن الولايات المتحدة بصحبة السعودية تريدان معاقبة روسيا وإيران»، كما يقول السيد سينكوغرانا.
علاوة على ذلك، فإن اثنين من أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم – الصين والهند – هما من المستوردين الصافين للطاقة، وينبغي أن تستفيد اقتصاداتهما من انخفاض أسعار النفط.
يشير التاريخ إلى حدوث عواقب بعيدة الأثر جراء الانخفاض الأخير، حيث يقول الدكتور يرغين: «يجب أن تتابع الاضطرابات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن كثب، فما زلنا في بداية الدورة، ومن المتوقع أن تكون هناك عواقب غير معروفة حتى الآن، ولكن بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي بصفة عامة فإن تقديري إيجابي للغاية، فإن انخفاض أسعار الغاز في نوفمبر تعني المزيد من الأموال في السجلات النقدية بحلول ديسمبر».