IMLebanon

العملة السورية انخفضت مقابل الدولار إلى 230 ليرة ودمشق تحمّل سوق بيروت مسؤولية التلاعب والمضاربة

SyriaLebEcon

موريس متى

مستويات قياسية متدنية جديدة سجلها سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الاميركي، اذ وصل سعر الدولار الى 230 ليرة سورية، مقارنة بـ52 ليرة للدولار ما قبل إندلاع الازمة في منتصف آذار 2011. وهذا النزيف قد لا يبشر بالخير تجاه مستقبل الاقتصاد السوري الذي تعاني كل قطاعاته من تداعيات الحرب المستمرة منذ 4 سنوات، رغم الاجراءات “الانقاذية” التي اتخذتها السلطات النقدية والحكومة.

تراجع الليرة السورية
سلسلة عوامل أدت الى نزيف سعر صرف الليرة السورية المستمر، مع إنعدام الثقة في الاقتصاد السوري. ومن أبرز هذه العوامل تراجع احتياطي البنك المركزي السوري من القطع الأجنبي من حوالى 19 مليار دولار في نهاية 2010 الى دون 4 مليارات دولار، بالاضافة الى تراجع الايرادات النفطية بما قيمته 4 مليارات دولار، نتيجة انخفاض الانتاج من 400 الف الى دون 200 الف برميل يوميا، مما أفقد خزينة الدولة نحو 25% من إيراداتها وفق تقرير المركز الوطني السوري للتنافسية.
الى هذه العوامل، تضاف أزمة تراجع الحركة السياحية بأكثر من 90% من 2010، اذ تراجعت عائدات القطاع من 319 مليار ليرة الى ما دون 4 مليارات في 2014. ويضاف الى هذه العوامل تراجع تحويلات السوريين العاملين في الخارج، إضافة إلى الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة التي تقلصت من 3 مليارات عام 2010 إلى صفر في نهاية 2014.
ومن أبرز الاسباب التي ساهمت في تراجع الليرة السورية، ارتفاع عرض العملة في السوق مقابل طلب ضعيف، بعدما أقدمت المصارف العربية والاجنبية العاملة في سوريا على تحويل عدد كبير من القروض المقدمة بالعملات الاجنبية الى الليرة السورية، لتعويض الخسائر التي تحملتها نتيجة تراجع سعر الصرف. مع الاشارة الى ان المركزي السوري لم يتدخل لمنع هذه العمليات لكونها لا تخالف القوانين. وطبعا تضاف الى الاسباب التي أدت الى انهيار سعر صرف الليرة السورية، العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، والعقوبات التي فرضت عام 2014 على روسيا واستمرار العقويات على إيران، وتراجع اسعار النفط عالميا، ما أدى الى خفض كل من موسكو وطهران دعمهما المالي للنظام في سوريا والذي كان يتم على شكل تحويلات نقدية.

لبنان متهم!
شهد الاجتماع الاخير للمركزي السوري تصريحات لافتة لحاكمه أديب ميالة، الذي اتهم سوق بيروت بتوفير المضاربة على العملة، محملا إياها مسؤولية انهيار الليرة السورية، ومتناسيا كافة الاسباب التي سردناها والتي أدت الى هذا الانهيار. وخلال الاجتماع، كشف ميالة عن قرار المركزي بتوسعة نطاق إجراءاته التدخلية لتصل الى السوق اللبنانية، عبر سحب الكتلة النقدية بالليرات السورية المتداولة في لبنان، بما يتيح ضبطا أكثر فعالية لحجم المعروض من الليرات السورية المتداولة في تلك السوق، والتي يجري توظيفها كأداة مباشرة للتأثير سلبا على سعر صرف الليرة السورية، وفق ميالة. ولكن يبدو أن سلسلة الاجراءات الفاشلة التي إتخذها المركزي السوري لوقف تدهور العملة، أفقده جزءا كبيرا من ثقة السوق، وخير دليل على ذلك ارتفاع سعر صرف الليرة السورية من حوالى 220 ليرة للدولار الى 235 ليرة للدولار، بعد دقائق قليلة من إعلانه عن إجراءاته الجديدة. وهذه المحاولة لسحب الكتلة النقدية السورية المتداولة في السوق اللبنانية، بالاضافة الى كونها محاولة غير قانونية، فهي خطوة مستحيلة. وما لم يلاحظه المركزي السوري هو ان فقدان العملة السورية لقيمتها، لا يمكن أن تكون نتيجة المضاربات التي تتم في لبنان، لأن العملة السورية المتداولة في سوق بيروت، ليست كتلة وازنة كي تضغط على سعر صرفها، مقابل حجم انتشار العملة في سوريا. وتقدير حجم هذه الكتلة النقدية المتوافرة في لبنان يُعتبر عملية صعبة، لا بل مستحيلة. والنقطة الثانية التي يجب التركيز عليها متعلقة بالآلية التي سيعتمدها المركزي السوري للتدخل في سوق بيروت وشراء العملة السورية منها، ومدى قانونية هذا الاجراء. فبحسب الاوساط المالية والمصرفية في لبنان، هذا الاجراء مستحيل، لكون المصرف المركزي السوري لا يمتلك اي سلطة قانونية لتنفيذ ذلك، وقرار المركزي بالتدخل في السوق اللبنانية يعني الطلب من السلطات النقدية اللبنانية ممارسة ضغوط على المصارف اللبنانية للتخفيف من “المضاربة” على العملة السورية وتوقف التعامل فيها، علماً أن هذه المصارف لا تضارب ولا تتعامل بالليرة السورية نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على دمشق، أما المضاربة على الليرة السورية من لبنان فتتم عبر بعض مؤسسات الصرافة والافراد وليس عبر المصارف.
وأيضا، في ما يتعلق بالآلية التي سيعتمدها المركزي السوري للتدخل في سوق بيروت، فهذا الاجراء العملي، وفي حال نفذ، سيتم عبر شراء كميات كبيرة من العملة السورية الموجودة في هذه السوق، مقابل كميات من العملة الاميركية. فكيف سيتم إخراج هذا الكم من القطع الاجنبي من سوريا الى لبنان في ظل العقوبات المفروضة على دمشق. وتشدد السلطات النقدية اللبنانية في مراقبة العمليات المصرفية التي تتم بين البلدين خوفا من أي إجراء عقابي دولي قد يطالها لخرقها العقوبات؟( وهذا إذا اعتبرنا ان المركزي السوري إعتمد الاجراءات القانونية في عملية نقل الاموال، علماً أن نقل كميات كبيرة من النقد الاجنبي من مصرف مركزي الى خارج البلاد ممنوع بحسب القوانين المصرفية الدولية). وكيف يمكن لمصرف مركزي غير لبناني، بالإعلان علنا عن نيته في التدخل في سوق بيروت من دون تنسيق مع السلطات النقدية اللبنانية المعنية وعلى رأسها مصرف لبنان؟ والا يُعتبر قرار المركزي السوري انتهاكا للسيادة اللبنانية بغض النظر عن أهدافها؟ وكيف تمكن المركزي السوري من تحديد حجم الكتلة النقدية من الليرة السورية في لبنان لسحبها وتغطيتها بنقد أجنبي؟ وهل يمتلك الكميات الكافية من هذا النقد لتغطيتها لفترة غير قصيرة؟
اسئلة ننتظر أن تتوضّح في الأيام المقبلة، فربما تحمل الإجابات عنها؟