عدنان كريمة
في آذار (مارس) المقبل، تدخل الأزمة السورية عامها الخامس، ويتراجع معها وبسببها، حجم الناتج المحلي الذي كان في 2010 أكثر من 60 بليون دولار، إلى أقل من النصف، وتزداد الخسائر الإجمالية للحرب والتي قدرتها “إسكوا” بنحو 140 بليون دولار في العام الماضي، ويدفع المواطنون ثمناً باهظاً للتضخم من أجورهم التي انخفضت بسبب تدهور سعر صرف الليرة في مقابل الدولار نحو أربعة أضعاف ونصف ضعف، من 45 ليرة إلى أكثر من 210 ليرات.
كل هذه التطورات السلبية، ساهمت بزيادة عدد الفقراء وفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حتى أصبح أكثر من نصف الشعب السوري فقيراً مع دخول 6.9 مليون مواطن تحت خط الفقر، منهم 4.4 مليون تحت خط الفقر الشديد، مع الإشارة إلى أن البرنامج يعرف الفقر على أنه “الحرمان من الخيارات والفرص المتاحة في مجالات رئيسة كالتعليم والصحة وتوليد الدخل”، ما يعني نقصاً في القدرة الأساسية على المشاركة الفاعلة في المجتمع.
وتشير بيانات “إسكوا” إلى وجود أربعة ملايين سوري يعيشون تحت خط الفقر الغذائي مقارنة بنحو 200 ألف في 2010، وارتفع عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى من مليونين إلى ثمانية ملايين شخص، وكذلك الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى من خمسة ملايين إلى 18 مليون شخص.
وفي ظل كل هذه التطورات السلبية، أقرت حكومة دمشق موازنة 2015، والبالغة 1554 بليون ليرة بزيادة 164 بليون ليرة عن موازنة 2014، ووُصفت بأنها “أعلى موازنة” في تاريخ سورية، وهو رقم صحيح بالليرة السورية، لكنه ضئيل جداً مع احتساب تدهور سعر الصرف، نتيجة الخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد في مختلف قطاعاته بسبب الدمار والخراب وتراجع الصناعة والسياحة ودخل النفط.
وبالعودة إلى موازنة 2010، وهو العام الذي سبق اندلاع الثورة، بلغت الأرقام نحو 750 بليون ليرة، وبما يعادل 16.55 بليون دولار على أساس سعر صرف الدولار 45.5 ليرة، وبلغ العجز المالي بين الإيرادات والنفقات نحو 3.9 بليون دولار، وهو أفضل من العجز الذي كان مقدراً في موازنة 2009 والبالغ نحو خمسة بلايين دولار، وحتى موازنة 2011 التي أعدت في العام السابق للثورة، اعتمدت أيضاً السعر ذاته، وبلغت قيمتها 17.8 بليون دولار، أي بزيادة نحو 8 في المئة. واعتماداً على هذه النسبة وعلى أساس نمو تدريجي للزيادة في السنوات التالية، كان يجب أن يصل حجم موازنة 2015 إلى نحو 25 بليون دولار، ولكن مع تدهور سعر صرف الليرة يكون حجمها فقط 7.4 بليون دولار، وهو الأدنى خلال السنوات العشر الأخيرة، وتعادل أقل من نصف موازنة 2010، وثلث الموازنة العادية مع الارتفاع التدريجي الذي كان متوقعاً للاقتصاد السوري.
وهكذا يأكل التضخم الذي زادت نسبته عن 175 في المئة، وربما تجاوز 200 في المئة، القيمة الحقيقية لدخل المواطن وموازنة سورية لعام 2015، بسبب مضاعفة الأسعار وكلفة غلاء المعيشة. وعلى رغم غياب الأرقام الحقيقية للإيرادات، أشار بيان وزير المال إسماعيل إسماعيل إلى المأزق المالي الذي تواجهه الحكومة من “خلال زيادة عجز الموازنة، نتيجة اضطرارها إلى زيادة حجم الإنفاق العام لتعزيز مقومات الصمود الوطني والاستقرار الأمني ودعم الاقتصاد، في مقابل انخفاض مصادر التمويل الداخلية والخارجية، بسبب تقلص المصادر الضريبية وتراجع الإيرادات الأخرى للخزينة العامة، وأهمها الإيرادات النفطية والسياحية”.
أما أولويات العمل المالي الحكومي في المرحلة المقبلة، فوصفها إسماعيل بأنها “تتمثل في الاستمرار بتأمين مستلزمات مكافحة الإرهاب وإعادة الأمن والأمان وتأمين مستلزمات الإغاثة والإيواء والاستجابة للاحتياجات الإنسانية وتحسين الواقع المعيشي وتطوير وتعزيز الإنتاج الوطني، والتهيئة العملية لإعادة الإعمار”، مشيراً إلى أن هذه الأولويات ستحدد إستراتيجية العمل الحكومي من خلال برنامج محدد لسياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي.
وفي إطار مواكبة تطورات الأزمة السورية وتداعياتها، يلاحظ أن الاقتصاد السوري يشهد تحولات استثمارية متناقضة للاستفادة من مناخات معينة في مناطق معينة. فمديرية المدن الصناعية في وزارة الإدارة المحلية بدمشق أعلنت حجم استثمارات في أربع مدن صناعية بمبلغ 650 بليون ليرة (نحو 3.25 بليون دولار) موزعة على مدينة عدرا في ريف دمشق، والشيخ نجار في حلب، ومحافظة دير الزور ومدينة حسياء، وفي محاولة لطمأنة المستثمرين إلى الوضع الأمني وتشجيعهم على الاستثمار.
وأكد رئيس الوزراء وائل الحلقي ” أن الحكومة تسعى إلى تذليل العقبات أمام القطاع الصناعي، وتوفير المناخ المناسب لإعادة انطلاق عملية التنمية في المدن والمناطق الصناعية، من خلال معالجة الصعوبات وتأمين مستلزمات الإنتاج وتشجيع الصناعيين على إقامة مشاريع صناعية جديدة”. ومن منطلق المتفائل بتحسن البيئة الاستثمارية والاستقرار الأمني والاقتصادي، دعا رئيس غرفة دمشق وريفها سامر الدبس الصناعيين الذين غادروا البلد بسبب الأحداث إلى العودة والمشاركة في مرحلة إعادة الإعمار.
واللافت أن هذه الأجواء الاستثمارية المتفائلة، يشار إليها، في الوقت الذي تعاني فيه المصارف الحكومية من مشكلة ضخامة الديون المتعثرة والتي تشمل عدداً كبيراً من رجال المال والأعمال، ومعظمهم ترك البلد ونقل أمواله واستثماراته إلى خارج سورية، وكذلك في وقت خرج فيه أكثر من 92 في المئة من أرصدة مصارف خاصة تعمل في سورية وإيداعاتها ولم يبق فيها سوى ثمانية في المئة، فضلاً عن سيطرة “داعش” ومنظمات إرهابية على مساحات واسعة حتى أنها تدرس حالياً في شكل جدي إنشاء مصرف “إسلامي” لتقديم خدماته والقيام باستثمارات لتمويل عملياتها العسكرية.