لم يُقفَل سوق السمك المركزي في منطقة الكرنتينا، أمس. محافظ مدينة بيروت زياد شبيب، أمهل نقابة بائعي الأسماك يومين (حتى نهار الاثنين) لإيجاد بديل للسوق، إلى حين الانتهاء من أعمال التأهيل. أعمال التأهيل المطلوبة ستستغرق وقتاً، والنقابة رأت أنّ المهلة المعطاة لها «تعجيزية»، ولا تكفي لتصريف البضائع الموجودة في السوق حالياً.
أكثر من ست ساعات أمضتها القوى الأمنية في الساحة الخارجية لسوق السمك المركزي في منطقة الكرنتينا، انتظر العناصر المرابطون «الأوامر» للتراجع عن تنفيذ قرار الإقفال المتخذ من قبل المحافظ، وذلك تفادياً للاشتباك مع بائعي الأسماك والعاملين في السوق، الذين تأهبوا لمواجهة قرار الإقفال، الذي يهددّ أرزاقهم. وساطات عدة طلبها القيّمون على السوق من جهات سياسية وحزبية. بدأ الضغط على شبيب لحثّه على التراجع عن قرار الإقفال. قاوم ساعات طويلة.
لم يجتمع شبيب مع النقابة صباحاً، كما كان مقرراً. كذلك «غاب عن السمع» حتى الساعة الرابعة عصراً، ليتبين أنّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، تدخّل شخصياً، ودعاه إلى لقاء في مكتبه، وأقنعه بالتفاوض، ثم طلب لقاء ممثلين عن نقابة الأسماك، لتنطلق جولة المفاوضات.
قال رئيس النقابة، عبدالله غزال، إن المحافظ أصرّ على فكرة إيجاد بديل للسوق إلى حين الانتهاء من أعمال التأهيل المطلوبة للسوق الحالي. ولفت غزال إلى «المواصفات التعجيزية» التي طلبها المحافظ، فهو «أشار إلى عمليات تأهيل وتبليط بالمواصفات التي تُجرى في تأهيل مسلخ بيروت». إلا أن هذا الأمر يتطلّب وقتاً، وهو أمر تعجز النقابة عن القيام به، حسب ما يقول غزال. المحافظ دعا النقابة للضغط على الإدارة من أجل تحمّل هذه النفقات، إلا أن «مشكلة النقابة لا تكمن فقط في مسألة النفقات، فالوقت الذي ستستغرقه هذه الأعمال من شأنه أن يعرقل مصالح الباعة والتجار».
رأى غزال أن «المحافظ لا يمكنه أن يتعامل مع السوق المركزي على أنه مجرّد مسمكة»، لافتاً إلى وجود أكثر من 30 طناً من السمك، فضلاً عن «العقود المبرمة مع تجار سمك مستورد من الخارج (…) هذه العقود تُلزم بعض الباعة بأخذ جميع الكميات من التجّار، وبالتالي إن إغلاق السوق من دون بديل يكبدنا خسائر كبيرة».
قرار إقفال السوق لم يقترن بوجود بديل، ولا سيما أنه يشكل سوقاً رئيسية لتصريف كميات كبيرة من الأسماك الطازجة والمستوردة إضافة، ويُعَدّ مصدراً رئيسياً لمعظم المطاعم والمسامك «جنوباً وشمالاً»، وفق ما تؤكده النقابة
لم تنته المفاوضات إلى نتيجة حاسمة. أصرّ المحافظ شبيب على تنفيذ قرار الإقفال، إلا أنه وافق على إمهال النقابة حتى الاثنين المقبل لتوفير البديل لهذا السوق، و»طرح أفكار عن كيفية تدبرهم أمورهم». نقل غزال عن شبيب قوله إن مشكلته ليست مع جودة الأسماك ونوعيتها، «بل مع المكان الذي تعرض فيه هذه الأسماك». اقترحت النقابة السماح بفتح السوق من الساعة الثانية صباحاً حتى السادسة صباحاً لتصريف البضاعة المستوردة فقط، إلا أن شبيب رفض هذه الفكرة.
يشير مدير السوق ياسر ذبيان، إلى أن قرار الإقفال ليس من صلاحية المحافظ، لأن السوق «مؤسسة عامة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وبالتالي وجب على شبيب مراسلة رئاسة مجلس الوزراء وتسليمها التقرير الطبي الذي استند إليه، ومجلس الوزراء هو من يتخذ القرار». يضيف ذبيان: «فليسلمنا التقرير ونحن على استعداد لتطبيق التوصيات بحذافيرها، لكنه لا يستطيع أن يتصرف بأرزاق الناس على هذا النحو».
يذكر ذبيان أنه بتاريخ 31/1/2015 شُكِّلَت لجنة استشارية من 3 مراقبين صحيين من وزارة الصحة ومراقب عادي مكلف من مؤسسة السوق، ومنذ شهرين جُدِّدَت طاولات العرض وجرت تحسينات كبيرة بنسبة 70%. ولفت ذبيان إلى أن الإدارة كانت قد طلبت مراقباً صحياً من البلدية، إلا أنها لم تلقَ تجاوباً. إلا أن شبيب راسل فعلاً المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، لكن الكتاب الذي أرسله يعود تاريخه إلى 5 شباط 2015 (أي في اليوم نفسه من إعلانه قرار الإقفال). يشير الكتاب إلى أنه بتاريخ 17/1/2015 كشف المراقبون الصحيون التابعون لمصلحة الصحة العامة في بلدية بيروت على سوق السمك. وجاء في التقرير: بالنسبة إلى داخل سوق السمك، إن مبنى السوق غير صالح لبيع الأسماك وعرضها، انطلاقاً من أن «السوق غير مبلّط والسقف من نوع الأترنيت، وهو مثقوب والشبابيك معظمها مكسورة، ما يسبب دخول حشرات وقوارض»، فضلاً عن أن «طاولات عرض السمك غير صالحة»، و»البرادات معظمها فيها صدأ، ولا يوجد جدول لمراقبة حرارة البرادات»، و»لا توجد بطاقات صحية للموظفين العاملين في داخل السوق»، وهم «لا يستوفون الشروط الصحية خلال العمل (عدم ارتداء البرنس وقبعات الراس…)»، كذلك مجاري تصريف المياه «غير مغطاة ومفتوحة»، إضافة إلى «وجود قوارض وذباب، ما يعرض الأسماك للتلوث ونقل الأمراض». ويلفت الكتاب بالنسبة إلى خارج السوق أنه «توجد روائح كريهة، منها ما يصدر عن الشركة التي تعالج الذبحيات، إضافة إلى «الغبار الناتجة من شركة الباطون»، وغيرها…
تجدر الإشارة إلى أن شبيب أصدر في اليوم نفسه لقرار إقفال سوق السمك المركزي، قراراً يطلب فيه من شركة «سيدر انفير ومنتال»، وهي الشركة الملتزمة معالجة البقايا والذبحيات المترتبة عن مسلخ بيروت المؤقت (مطحنة العظام)، «وجوب رفع وترحيل كامل ناتج بقايا الذبحيات والروث الحيواني ووقف معمل التحويل». اللافت أن شبيب لم يشر إلى قرار إقفال «المطحنة» أول من أمس، علما بأنه سُئل حينها عن سبب استمرار عملها فيما وزارة الصحة طلبت إقفالها، فلم يعط إجابة واضحة. تلفت مصادر مطلعة إلى ضرورة البحث عن «الحساسية» القائمة بين وزير الصحة وائل أبو فاعور والمحافظ لفهم الوضع الحاصل، وقد تفيد معلومة بأن مدير السوق هو أحد المستشاريين لأبو فاعور!