بروفسور جاسم عجاقة
إنخفضت أسعارُ المحروقات بما يوازي الـ 55 في المئة من قيمتها في بداية العام الماضي، وعلى رغم ذلك لم تنخفض أسعارُ السلع والمواد الغذائية في لبنان. ويعودُ السبب الأساس إلى الإحتكار في الأسواق والذي يصعب التدخل فيه في ظلّ إقتصادٍ حرٍّ يمنع على الدولة التدخلَ في تثبيت الأسعار.
يدخل النفط في صناعة ما يزيد على 90% من البضائع والسلع التي نستهلكها. وقد إنخفضت أسعارُ النفط بشكلٍ كبير منذ بداية العام 2014 (أكثر من 55% من سعرها في بداية العام الماضي).
وعلى رغم ذلك، لاتزال الأسعار في السوق المحلية اللبنانية على حالها أو في أحسن الأحوال في تراجعٍ خجول. ففي منطقة اليورو مثلاً إنخفضت الأسعار بنسبة 0.6% في شهر كانون الثاني وحده بعد إنخفاض بقيمة 0.2% في كانون الأول.
والسبب الرئيس بحسب اليوروستات يعود إلى إنخفاض أسعار النفط. أما في بريطانيا، فقد أدّى إنخفاضُ أسعار النفط إلى دفع النموّ المتوقَع في العام 2015 إلى 2.6% أيْ بزيادة 0.2% عن التوقعات السابقة والسببُ يعودُ بالدرجة الأولى إلى زيادة قدرة المواطن الشرائية والتي تزيد من الإستهلاك. والمُلفت في بريطانيا هو إنخفاضُ أسعار الكهرباء الآتية من مصادر مختلفة عدة بنسبة تفوق العشرين بالمئة من سعرها وكلّ هذا بفضل المنافسة وإنخفاض أسعار النفط.
لماذا يجب أن تنخفض الأسعار في لبنان؟
هناك سببان رئيسان يقفان وراء إلزامية إنخفاض الأسعار في لبنان: أسعار النفط وسعر صرف اليورو. فالإستهلاك في لبنان ينقسم بين ما هو مستورَد وما هو مُنتَج في لبنان وفي كلتا الحالَين، وإستناداً إلى مبدأ أنّ النفط يدخل في صناعة ما يزيد على 90% من البضائع والسلع التي نستهلكها، فإنّ أسعار المنتوجات يجب أن تنخفض قيمة إنخفاض المشتقات النفطية مع الأخذ في الإعتبار نسبةَ مساهمة كلفة هذه المُشتقات في كلفة السلع.
أيضاً فإنّ سعر صرف اليورو وبناءً لوزن منطقة اليورو كشريكٍ أساس للإستيراد اللبناني، من المفترَض أن تنخفض أسعار المواد المستورَدة من منطقة اليورو بقيمة إنخفاض سعر صرف اليورو نفسها مقابل الدولار الأميركي وهذا الأمر هو نتيجة ربط سعر صرف الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي.
نعم هذان السببان كافيان لخفض الأسعار والذي مِن المفروض أن يدعم الإستهلاك وبالتالي النموّ بما يزيد عن 0.5% نظراً لصغر حجم الاقتصاد اللبناني.
الإحتكار هو سبب عدم الإنخفاض…
إقتصادياً يُعرّف الإحتكار بقدرة لاعب إقتصادي (Monopoly) أو عدة لاعبين إقتصاديين (Oligopoly) على التأثير في الأسعار. وفي ظلّ إقتصادٍ حرّ يصعب على الدولة أن تفرض أسعاراً تحت طائلة تحويل الاقتصاد من إقتصاد حرّ إلى إقتصادٍ موجَّه (شيوعي). وميزات الاقتصاد الحرّ تكمن قبل كلِّ شي في جذب رؤوس الأموال التي ومع حرية تنقلها (لا حرية تنقل في الإقتصادات الموجَّهة) تزيد الإستثمارات في البلد المعني.
قامت الدول الغربية المُتطوِّرة بمحاربة الإحتكار عبر مجموعة من القوانين وعلى رأسها تخفيف وزن اللاعبين الإقتصاديين في السوق. وكلنا يذكر كيف أنّ العملاق مايكروسوفت كان مهدَّداً بتقسيمه إلى أربع شركات بعد أن إتهمته السلطات الأميركية بالإحتكار.
أيضاً في أوروبا تعمد المفوّضية الأوروبية إلى منع السوبرماركات من إمتلاك عدد كبير من المراكز التجارية في بقعة جغرافية معيَّنة. ويتمّ تحديد مساحة المركز التجاري نسبة إلى مساحة المنطقة الجغرافية على أن لا تتعدّى النسبة التي تُحدِّدها المفوضية.
وفي لبنان لا يوجد فعلياً أيّ قانون يمنع الإحتكار في ظلّ إقتصادٍ حرّ ينهش حيتانه مقوّمات الدولة اللبنانية. وأمثلة الإحتكار كثيرة وعلى رأسها نقابات أصحاب المصالح التي تحوّلت من مدافعٍ عن حقوق القطاع إلى حيتان تفرض أسعارها على المواطن. ألم يصف وليد بك جنبلاط هذه النقابات بالحيتان؟
ما هي حجّة المحتكرين؟
الحجة التي يتقدَّم بها المحتكرون هي أنّ الأسعار لم تنخفض في القطاعات الأخرى (كالنقل مثلاً!) أو أنّ المخزون لم ينتهِ بعد وغيرها من الحجج التي تفقد من قيمتها مع الوقت.
ويبقى أنّ الهدف الأساس لهذه النقابات هو جمع الربح الأكبر في الوقت المسموح معوّلة على عودة أسعار النفط إلى الإرتفاع. والسؤال المطروح: إذا عاد سعر برميل النفط إلى الإرتفاع، ماذا ستكون ردة فعل هذه النقابات؟ هل يُمكن أن تجد تبريرات لرفع الأسعار أم أنها ستُحافظ على مُستوى الأسعار نفسه؟ ماذا ستكون ردّة فعل وزارة الاقتصاد على زيادة الأسعار في حال إرتفع سعر النفط؟
يزعم بعض النقابات أنّ الكهرباء تدخل في صناعة الكثير من المواد وأنّ سعر الكيلواط لم يتغيّر. هذا الادعاء صحيح لو لم تكن نسبة ما يستهلكه لبنان مستوردة إلى حدّ الـ 90%. لذا نقول على هذا الادعاء كفى إستهتاراً بالرأي العام والواجب على وزارة الإقتصاد أن تعمد إلى ضرب النقابات التي لم تعد تقوم بدور النقابات بل دور المحتكر.
دور وزارة الاقتصاد
كيف يُمكن لوزارة الاقتصاد ضرب الإحتكار؟
مثل كلّ الدول المُتطوِّرة، تأتي الوسيلة القانونية على رأس الوسائل التي يُمكن محاربة الإحتكار عبرها. من هذا المُنطلق يتوجب على وزارة الاقتصاد والتجارة أخذ الإجراءات التالية لضرب الإحتكار:
– إقتراح قانون لمحاربة الإحتكار على غرار منطقة اليورو.
– نشر هامش ربح التجار بالجملة والمفرّق أمام الرأي العام.
– مراقبة Real Time لتغيّرات الأسعار والتي تسمح بفضح ومعاقبة المخالفين.
– توعية المُستهلك لأن له أكبر فعالية في معاقبة المحتكر عبر عدم شراء منتجاته.
هذا الأمر يفرض إلتزاماً حكومياً كاملاً نابعاً من تفضيل مصلحة المواطن على أيّ مصلحة أخرى والتزام مجلس النواب بتمرير القوانين الملائمة لمحاربة الإحتكار الذي يُخسّر الدولة اللبنانية ما يوازي الـ 0.4% من النموّ كل عام كمعدل وسطي. وفي الختام تبقى الكلمة للمستهلك الذي يستطيع معاقبة المحتكر كائناً مَن كان وفي أيّ وقت شاء عبر مقاطعة بضائعه.
لذا يتوجب على وزارة الاقتصاد إعتماد مبدأ التشهير بالبضائع عبر نشر أسماء المحال وأسعار البضائع في هذه المحال على أن تُترَك للمواطن حرية الإختيار. وللتاريخ يُطرح السؤال التالي: هل سيمنع تضارب المصالح الدولة اللبنانية من السيطرة على مشكلة الإحتكار؟