حسين عبدالحسين
يُجمع الخبراء الأميركيون على أن مشروع الموازنة الذي قدمه البيت الأبيض للكونغرس، هو بمثابة «إعلان سياسي» يقدم وجهة نظر الرئيس باراك أوباما والحزب الديموقراطي لعلمهما باستحالة أن يوافق عليه الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري المعارض. لكن في الموازنة بعض البنود التي يبدو أن الفريق الاقتصادي لأوباما وضعها خصيصاً لنيل موافقة الجمهوريين عليها. من البنود المحبذة لدى الجمهوريين، موافقة الرئيس الأميركي على السماح لشركات النفط بتنفيذ أعمال مسح وتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية للشمال الشرقي الأميركي، وهو أمر لطالما طالب به الجمهوريون واستخدمه مرشحوهم شعاراً في حملاتهم.
لكن الموافقة هذه، والتي أثارت حفيظة قاعدة الحزب الديموقراطي المدافع عن البيئة والمعارض لاستخراج الطاقة التقليدية، أرسلها أوباما إلى الكونغرس مرتبطة بشرط: فرض ضريبة لمرة واحدة تبلغ 14 في المئة على الشركات التي ستنقب، ما يدر على الخزينة مبلغاً يُقارب نصف تريليون دولار تستخدمها الحكومة الفيديرالية لصيانة البنية التحتية المتهالكة للبلاد.
ضريبة على الوقود
وتمويل صيانة البنية التحتية هذا يرتبط بضريبة على الوقود لم تُرفع منذ عقود، ما يعني أن الأموال المتوافرة للصيانة أصبحت ضئيلة. ويبدو أن فريق أوباما كان يعتقد أن زيادة هذه الضريبة ستواجه معارضة شرسة عند الجمهوريين فابتعد عنها، لكن أوساطهم تردد أن لا مانع من زيادة الضريبة على الوقود لتمويل صيانة البنية التحتية، وسط تراجع سعر النفط العالمي وانخفاضه بالنسبة للمستهلك الأميركي.
وموازنة أوباما لعام 2016 لا تختلف جذرياً عن سابقاتها، فهي تلحظ إنفاقاً بنحو 4 ترليونات دولار، مع عائدات تقارب 3.5 ترليون، وعجز سنوي يبلغ 2.5 في المئة من الناتج المحلي المتوقع، وهذه زيادة في العجز عن السنوات الماضية بواقع 20 في المئة ولكنها تعيده إلى معدله التاريخي على مدى نصف القرن الماضي.
ويبدو أن فريق أوباما رصد خلافات داخل الحزب الجمهوري حاول النفاد منها، فلحظ مشروع الموازنة زيادة 74 بليوناً على الإنفاق «غير المخصص»، أي الإنفاق لغير صناديق الرعاية الاجتماعية والضمان الوطني. وكان الحزبان اتفقا قبل سنتين على تقليص الإنفاق في هذا المضمار بواقع 1.2 ترليون دولار على مدى عشر سنوات، أي 120 بليوناً سنوياً، شرط أن يطال نصف الاقتطاع موازنة وزارة الدفاع، والنصف الآخر يطال الموازنات الأخرى.
وبهذه الطريقة، يلغي أوباما 62 في المئة من الاقتطاع المعروف بـ «سيكويستر»، ما من شأنه أن يثير معارضة شرسة لدى الجمهوريين المهووسين بالتقشف، وبسد العجز السنوي، وبخفض الدَين العام. لكن يبدو أن فريقه رصد تبايناً عند الجمهوريين الذين تعارض غالبيتهم أي خفض في الموازنة العسكرية، ما حدا برئيس لجنة الشؤون المسلحة في مجلس الشيوخ، السناتور جون ماكين، إلى القول إن «سيكويستر» يطاول قدرة الجيش في الدفاع عن الأمن الوطني للولايات المتحدة.
أما البنود الأخرى في الموازنة فلا يبدو أنها تحوز أي موافقة، وإن هامشية، عند الجمهوريين. فالرئيس الأميركي اقترح زيادة الضريبة على الأثرياء، أي كل عائلة تجني أكثر من ربع مليون دولار سنوياً، وبرفع الضريبة على الأرباح من الاستثمارات المالية، ما يرفع إجمالي الجباية من أصحاب الدخل الأعلى في البلد إلى أكثر من نصف الجباية الأميركية عموماً، أي نحو ترليوني دولار سنوياً.
هذه الزيادة في الجباية يسعى أوباما إلى استخدامها لخفض الضرائب على العائلات التي تجني أقل من ربع مليون سنوياً. كذلك، يسعى إلى استخدام الفائض من الضرائب لتمويل برنامجه لتأمين تعليم جامعي مجاني للأميركيين، ولمضاعفة الحوافز الضريبية للإنجاب فيمنح أهل كل قاصر ائتماناً ضريبياً يبلغ ثلاثة آلاف دولار سنوياً، بدلاً من ألف دولار وفق القانون الحالي.
ويسعى أوباما إلى استخدام الزيادة لخفض الضرائب على الشركات من 35 في المئة حالياً إلى 28 في المئة، لتنشيط عملها داخل الولايات المتحدة، مع فرض ضريبة 19 في المئة على عائدات الشركات خارج البلد والتخلص من ازدواجية الضرائب.
ويعتقد فريق الرئيس أن إعادة توزيع الدخل من شأنها أن تساهم في ردم الهوة المتسعة بين الأقل دخلاً وأصحاب المداخيل المرتفعة. لكن رئيس لجنة الشؤون المالية في الكونغرس، العضو الجمهوري بول ريان، وصف هذه السياسة بـ «اقتصاد الحسد».
تنشيط الاستهلاك
ويعتقد فريق أوباما أن زيادة النقد بين أيدي الأميركيين من شأنه أن ينشط الاستهلاك ويحرك الأسواق، ما ينعكس إيجاباً على نمو الناتج المحلي الذي يرتكز ثلثاه على الاستهلاك. كذلك يعتقد أن زيادة الإنفاق «غير المخصص» بواقع 74 بليوناً سنوياً من شأنه أن يساهم في زيادة نسبة نمو الناتج المحلي بواقع نقطة مئوية واحدة، تُضاف إلى معدل 3.4 في المئة المتوقعة لعام 2016، ما يرفع نسبة النمو الأميركي إلى نحو 4.5 في المئة، وهي نسبة «محترمة»، وفق الاقتصاديين الأميركيين الذين يعتبرون أن الاقتصاد الأميركي في موقع جيد في ظل نسبة نمو 4 في المئة ونسبة بطالة 4 في المئة، وهاتان النسبتان اللتان سيطرتا على المشهد الاقتصادي الأميركي على مدى التسعينات، العقد الذي يعتبره الاقتصاديون بمثابة «الفترة الذهبية» في التاريخ الحديث للبلاد.
ويُتوقع أن تشهد مناقشة مشروع الموازنة جولات معقدة من الأخذ والرد يحاول فيها كل من الحزبين استخدام مواقفه لحشد التأييد الشعبي، مع اقتراب البلاد من موعد انتخابات الرئاسة العام المقبل. إلا أن عرقلة الجمهوريين الكاملة للموازنة، ودفع الحكومة للتجديد على قاعدة الالتزام بالإنفاق الحالي المحدد بالموازنة السابقة، من شأنه أن يُظهرهم بمظهر المعرقلين في السنة الانتخابية، ما يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن الحزبين، على رغم المفاوضات المضنية، قد يخرجان على الأميركيين بموازنة فيها بنود ترضي الطرفين وقاعدتيهما، ولكنها ستأتي لا شك بموازنة يشوبها كثير من التعقيدات التي تجعل فهمها متعذراً على عدد كبير من مؤيدي الحزبين.