IMLebanon

اقتصاد المعرفة .. وسيلة لتنويع مصادر الدخل

KnowledgeEconomy

أمين ساعاتي

لا ننكر أن الاقتصاد السعودي سوف يدخل منعطفا سلبيا مع بداية عام 2015 بسبب انخفاض أسعار البترول، وطالما أننا قبالة “زنقة” اقتصادية مقبلة، فإن الكلام عن تنويع مصادر الدخل يطرح نفسه ضمن الحلول التي يتناولها رموز ومثقفو الوطن.

إن اقتصاد المعرفة من العناوين المهمة التي يطرحها المثقف السعودي من أجل تنويع مصادر الدخل، ونعتبر التعليم على رأس أجندة اقتصاد المعرفة، ونقصد التعليم المفرز للابتكار واستخدام التكنولوجيا لأنهما يعتبران حجر الأساس في بناء اقتصاد يقوم على المعرفة.

أي أننا إذا كنا نبحث عن تنويع مصادر الدخل، فإن الطريق الوحيدة التي أمامنا هي اقتصاد المعرفة.

إن أهم متطلبات اقتصاد المعرفة هو امتلاك نظام تعليمي عالي الكفاءة، ومخرجاته قادرة على المنافسة عالميا.

والإنسان في مجتمع المعرفة يبدو فعالا نهما إلى التعليم والثقافة، ومؤسسات المجتمع تسهر على زيادة الإنتاج وتفعيل آليات التفكير والتجديد والابتكار.

وإذا كان التعليم هو حجر الأساس للانتقال إلى مجتمع المعرفة، فإننا نحتاج إلى إصلاح حقيقي في التعليم.

وإذا نظرنا إلى مجتمع المعرفة في الدول الناشئة نجد أن الثروة البشرية هي المحرك الأساس للثروة الطبيعية، ولذلك فإن تطوير التعليم مطلب ملح على طريق تكوين مجتمع معرفي راسخ ومتين.

ونلاحظ بهذه المناسبة أن الدول التي عندها مستويات أفضل في الابتكار والتطور التكنولوجي هي الدول التي تتمتع بمستويات أفضل في نموها الاقتصادي، وعلى عكس ذلك الدول التي يكون فيها الابتكار منخفضا والتكنولوجيا غائبة يكون النمو الاقتصادي منخفضا ويكون التنويع في مصادر الدخل شحيحا ومتعثرا.

والمملكة العربية السعودية لها محاولات في مجال الابتكار واستخدام التكنولوجيا، ولكن مع الأسف هذه المحاولات لم تحقق النجاح الكامل، فالتعليم الذي يفرز المواهب الابتكارية يتعثر في مخرجات ضعيفة لا تقوى على الإبداع، ولذلك فنحن ما زلنا دولة استهلاكية من الطراز الأول، دولة اعتمدت في مواردها على مدى نصف قرن على البترول كمصدر للإيرادات يغطي نحو 90 في المائة من مجموع إيرادات الدولة، لم نصل إلى صيغ جديدة في التفكير والإبداع وتنويع مصادر الدخل، لم نشجع على تكوين فريق للبحث العلمي، لأن الإبداع يحتاج إلى فريق من الباحثين، بل نحن لم نعط للبحث العلمي إلا الشحيح جدا من المال.

تنتشر في المراكز البحثية العالمية في هذه الأيام مستويات عليا من الموارد البشرية عالية التأهيل تتعامل وتتفاعل مع آخر ما وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات، أي أن الاقتصاد ينتج ويوظف المعرفة لتحقيق مزيد من تراكم الثروة.

ولذلك فإن مجتمع المعرفة هو مجتمع الثورة الرقمية الذي تحتل فيه المعلومة والمعرفة مكانة متقدمة تقترن بالمزيد من الفتوحات العلمية والإبداعية وتراكم المعرفة.

ويجب أن ندرك أن مجتمع المعرفة ليس المجتمع الصناعي التقليدي المعني بإنتاج السلع وتسويقها، وإنما هو المجتمع المنتج للمعرفة والساعي إلى توظيفها ونشرها وتوزيعها من أجل بناء ثروة بشرية مبدعة.

إن سر تفوق سنغافورة أنها بدأت وثبتها من تنمية الإنسان كي يعمل ويبدع وينتج، وأقامت نظاما تعليميا وتقنيا من أقوى أنظمة التعليم التقني في العالم، كما أن تطوير الإنسان وتدريبه وتنمية مهاراته وقدراته في سنغافورة عمليات لا تتوقف، وكانت سياسة الرئيس المعجزة “لي كوان يو” ترتكز على وجه الخصوص على الارتقاء بالقوى العاملة في مجال الخدمات، أي على قطاع التجارة والترانزيت والسياحة والصناعات التجميعية، فالاستثمار في الأيدي العاملة والارتقاء بها هو “أس” نجاح وتفوق سنغافورة.

قبل سنغافورة دعونا نأخذ كوريا الجنوبية كمثل أعلى في الحديث عن مجتمع المعرفة، لأنها المثل الصارخ لمجتمع معرفي استطاع أن يقفز بكوريا من وحل الانكسار والتخلف ويأخذها إلى مراقي التطور والبناء، كوريا خرجت من الحرب الكونية الثانية وهي محطمة الأوصال ليس لديها ما يمكن أن يساعدها على العودة إلى سواء السبيل.

ولكن المجتمع الكوري أخذ يفيق من كبوته ويتدافع بكل إخلاص نحو المعرفة ويواجه التحديات من أجل أن يبني مجتمعا معرفيا ينقذ كوريا من مرحلة الحرب المدمرة التي لم تبق ولم تذر .. إلى مرحلة التنمية المستدامة.

وما تجدر الإشارة إليه أن كوريا الجنوبية فقيرة جدا في مواردها الطبيعية، ليس لديها بترول ولا فحم ولا ذهب ولا فضة ولا نحاس، ولكن لديها مجتمع معرفي، وموردها الوحيد هو هذا المجتمع المعرفي الذي نشر المعرفة ووظفها في ربوع المجتمع الكوري حتى استطاع أن يحوّل كوريا الجنوبية إلى دولة تقف جنبا إلى جنب مع كبريات الدول المتقدمة ذات المجتمعات المعرفية الزاخرة.

كوريا اليوم تتنافس مع الخمسة الكبار أمريكا واليابان والصين وألمانيا وكل أوروبا.

نحن في السعودية نريد أن نغير المجتمع السعودي من مجتمع يتلهى بالتعليم إلى مجتمع يُفَعّل التعليم، ومن مجتمع لا معرفي إلى مجتمع معرفي، ومن مجتمع استهلاكي إلى مجتمع إنتاجي.

نعم، ينبغي أن نكون هذا المجتمع: الفعال، المعرفي، والإنتاجي!