ينتظر تحديدُ موعد اللقاء المنتظر بين زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، عودةَ الأخير من زيارة خاصة الى الخارج، ليتم تداول المسوّدة الأخيرة التي أعدها الفريق المشترك من التنظيمين المسيحيين ووضع اللمسات الأخيرة عليها وإعلانها في نهاية لقاء الرجلين، الذي تفترض أوساطهما أنه بات قريباً، نظراً الى الشوط الذي قطعه إعداد تلك المسودة والوقت الذي استغرقه الأخذ والرد حول بنودها والذي يقارب الأربعة أشهر منذ أن انطلقت لقاءات هذا الفريق، المكوّن من أمين سر “تكتل التغيير والإصلاح” النيابي إبراهيم كنعان من جهة، ومسؤول التواصل والإعلام في “القوات” ملحم رياشي، ومجموعة المحازبين الذين تتم استشارتهم.
وتقول مصادر الفريقين لـ”الحياة” إن المسودة الأخيرة أعدها كنعان ورياشي وجرى إطلاع عون وفريق عمله عليها، فوضع ملاحظاته، ثم سلّمت الى رياشي الذي وضع بدوره ملاحظاته عليها في انتظار عودة جعجع لإطلاعه عليها وإعادة تسليمها إلى “التيار الحر”.
وسيتجنب الفريقان تسمية الورقة بـ “ورقة تفاهم”، على غرار الوثيقة التي كان اتُّفق عليها بين “التيار الحر” و “حزب الله” في 6 شباط (فبراير) عام 2006، مع ترجيح إطلاق عنوان “ورقة إعلان نوايا” عليها، نظراً الى اعتقاد “القوات” بأن الورقة الأولى لم تنفذ أساساً.
تكرر الأوساط المتابعة تحضيرات اللقاء بين الزعيمين المسيحيين، الإشارةَ الى أن عناوين الورقة تتناول: أصول العلاقة بين التنظيمين، المخاطبة في ظل المنافسة، أيّ رئيس جمهورية يريدان على قاعدة سعيهما الى “الرئيس القوي”، قانون الانتخاب، وسائل ضمان السيادة الوطنية، حماية المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، معالجة السلاح وسيادة الدولة ومؤسساتها.
ومع التكتم على تفاصيل مسوّدة الورقة لدى الفريقين، فإن الأوساط المتابعة للقاءات كنعان- رياشي تقول إن أكثر ما يهم قيادتيهما من وراء محاولة صوغ موقف مشترك، هو طي صفحة الخصومة في مرحلة أولى، إذ إنهما يعتقدان أن هذا الأمر هدف استراتيجي على صعيد المجتمع المسيحي، ولسان حالهما في هذا المجال هو: “لا نريد توريث أولادنا أحقاد الماضي الصراعي بين التنظيمين، بل العمل على تحويل الخلاف السياسي الى تنافس بدل التصادم، والابتعاد عن البذاءة والقساوة في التخاطب، لأن العداوة تقتحم بيوت أنصارهما، فما من منزل إلا وفيه أنصار لـ “التيار الحر” وآخرون لـ “القوات”، فضلاً عن الجامعات والمؤسسات”، وكمية الدعاوى القضائية التي يتم إلغاؤها بينهما شاهد على ذلك.
والمرحلة الثانية من هذا الحوار، بعد تثبيت هذا التوجه الثنائي بين الفريقين، هي المتعلقة ببذل الجهود لتفاهم على الملف السياسي والوطني الأول الذي يهم المسيحيين، وهو إنهاء الشغور الرئاسي.
وتقول الأوساط المواكبة للّقاءات الجارية، إن هذا ما يفسر الاهتمام الخارجي أيضاً بهذا الحوار، من زاوية الإجماع الدولي على صون الحد الأدنى من الاستقرار اللبناني في محيط ملتهب، وفي الطليعة الفاتيكان، الذي يواكب سفيره في لبنان غابريالي كاتشيا هذا الحوار، من زاوية اهتمام الكرسي الرسولي بخروج المسيحيين من حال التشرذم والضعف في التركيبة اللبنانية وبإنهاء الفراغ الرئاسي، وهو اهتمام عبّر عنه علناً الموفد الفرنسي مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السفير جان فرنسوا جيرو خلال زيارته لبنان مطلع الأسبوع، فأثنى على الحوارات الدائرة، ومنها حوار تيار “المستقبل” و “حزب الله”، إضافة الى الحوار المسيحي- المسيحي، فضلاً عن أن المملكة العربية السعودية عبّرت عن دعمها حوار عون- جعجع، باتصال سفيرها علي عواض عسيري مع كل من كنعان ورياشي إثر ظهورهما في برنامج تلفزيوني، مثنياً على حوارهما.
إلا أن هذه الأوساط بدأت تسجّل تفاعلات للحوار المسيحي، في ما يخص المرحلة الثانية منه، المتعلقة بإنهاء الشغور الرئاسي، من زاوية قلق بعض الفرقاء من أن تنتهي الى توافق على الرئيس بين عون وجعجع.
وتضيف هذه الأوساط: “بدأ بعض الدوائر السياسية المحلية الضيقة يطرح السؤال عما سيكون عليه الموقف في حال اتفقا على دعم عون للرئاسة، فالبحث بينهما انطلق من أن عون رفض اقتراح جعجع بأن يبدأ البحث في الاستحقاق الرئاسي من اقتراح التفتيش عن مرشح ثالث غيرهما، الذي سبق لرئيس “القوات” أن طرحه، واشترط عون الانطلاق من عنوان ترشحه هو لا غير، وقَبِلَ جعجع بذلك. فالقوات، وفق هذه الأوساط مقتنعة بأن ترشح جعجع للرئاسة أمامه عائق أساسي هو رفض المكون الشيعي له، وأن ترشح عون أمامه عائق آخر إقليمي وداخلي، نتيجة رفض مسيحيي قوى 14 آذار الموافقة على تبوئه الرئاسة، هذا فضلاً عن أن تيار “المستقبل” غير مقتنع بأن عون قدّم الضمانات للنهج الذي سيعتمده في الرئاسة والذي يقنع قيادته والحلفاء في 14 آذار بتأييد زعيم “التيار الحر” للمنصب.
وتلاحظ هذه الأوساط أن إمكان توافق جعجع وعون على دعم الثاني بدأ يطرح سؤالاً جدياً لدى القوى الأخرى، المسيحية والإسلامية، عما سيكون عليه موقفها في هذه الحال، على افتراض أن “القوات” قد تقتنع بالضمانات التي يقدمها عون لها حول التوجهات التي سيتبعها في الرئاسة. وتذهب هذه الأوساط إلى حد القول إن بين القلِقِين من اتفاق كهذا مَن يستند الى تقدم حظوظ عون في الرئاسة، على قاعدة اقترابه من شروط جعجع، مثل “حزب الله”، وإن الأخير يحرص بين الفينة والأخرى على إحاطة عون بالدعم المطلق من باب تذكيره بالتكامل الوجودي بينهما، الذي أعلنه زعيم “التيار الحر” قبل شهرين.
وتسأل هذه الأوساط: ماذا إذا استطاع عون إقناع جعجع بأنه لن يكون منخرطاً في المحور الذي تخشى قوى 14 آذار أن يتكرس نفوذاً في الرئاسة، أي المحور الإيراني؟ ففي هذه الحال ستسعى القوات وعون الى “ردم الهوة بين قوى 14 آذار و8 آذار”، لإقناع من يعترضون على عون به رئيساً. ويستبق عدد من رموز 14 آذار، لا سيما المسيحيون منهم، هذا الاحتمال بالقول إنه إذا كان مطلوباً أن يتوافق المسيحيون على الرئاسة فإن جعجع وعون لا يمثلان جميع المسيحيين.
وتعتبر الأوساط التي ترصد هذا الاحتمال أنه في المقابل يمارس “حزب الله” أسلوب “خنق” عون بالتأييد، تحسباً ولتذكيره بالتزاماته السياسية حيال الحزب وسياسته في شأن المقاومة والسلاح وتدخله في سورية… والإحاطة التي يقوم بها الحزب قد تسيء إليه في سعيه للرئاسة، على رغم أن الجنرال قد يكون منشرحاً لتمسك الحزب به.
وعليه، تعتبر الأوساط نفسها المواكِبة حوار عون- جعجع، أنه يجب عدم إسقاط إمكان اتفاقهما على دعم عون للرئاسة من الحساب، على رغم الصعوبة التي تواجه اتخاذ “القوات” خياراً مثل هذا.