Site icon IMLebanon

الاقتصاد الأمريكي لا يزال عرضة لمتلازمة الصين

ChinaUSADollar


جون أوثرز

عاد نمو الوظائف في الولايات المتحدة. على مدى الأشهر الثلاثة الماضية تُظهر الإحصاءات الرسمية أن الولايات المتحدة أضافت وظائف أكثر مما فعلت في أية فترة مماثلة منذ أيلول (سبتمبر) حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 1997؛ في ذروة طفرة كلينتون. الانخفاض الحر في أسعار النفط انتهى. والبنك المركزي الأوروبي وافق على رغبات السوق ولجأ إلى برنامج التسهيل الكمي لشراء السندات. والدولار القوي ألحق أضرارا بالأرباح المؤسسية في الولايات المتحدة أقل مما كان يُخشى. إذن، ما الذي يمكن أن يختل أو يخيب الآمال؟ الجواب في كلمة واحدة: “الصين”. ثاني أكبر اقتصاد في العالم يُساهم في النمو العالمي أكثر من أي اقتصاد آخر، ويملك كثيرا من الأدوات بسبب احتياطاته الهائلة من النقد الأجنبي، التي من خلالها سيتجنب أية أزمة. لكن مع ظهور سلسلة من المؤشرات الاقتصادية أصبحت أسباب القلق تنمو.

أرقام النمو الاقتصادي نفسها باتت عُرضة للمراجعة. ديانا تشويليفا، من لومبارد ستريت للأبحاث في لندن، المُتشككة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بالصين، تُقدّر أن النمو الحقيقي للناتج المحلي الصيني انخفض إلى 5 في المائة العام الماضي، بمجرد أن يتم تجريد تأثير الناتج “المفقود الذي يساوي تقريباً حجم اقتصاد ماليزيا” المُضاف إلى البيانات في نهاية العام الماضي. هذا من شأنه أن يشكل تباطؤا مذهلا عن اتجاه العقدين الماضيين.

إنتاج الكهرباء، المؤشر “الحقيقي” الذي من الصعب التلاعب به، يعتبر سلبياً للمرة الأولى منذ الأزمة في 2009. كذلك وصل إنتاج الصُلب إلى أضعف مستوياته منذ عام 2009. دراسة معهد إدارة الطلب ISM الشهرية لمديري المشتريات، أحد المؤشرات الاقتصادية الرائدة الكبيرة حيث الأرقام التي فوق 50 تُشير إلى أن الاقتصاد يتوسع، في حين أن الأرقام الأدنى تُشير إلى انكماش، انخفضت إلى أقل من 50 هذا الشهر. كذلك انخفضت خلال العام الماضي أسعار السلع الأساسية الأكثر حساسية للطلب الصيني الكبير في الآونة الأخيرة، وهي خام الحديد والنحاس.

الأمر الأكثر إثارة للقلق ينبغي أن يكون مقاييس النظام المالي. النمو في أصول المصارف الصينية يبدو أنه توقف، بعد زيادة تبلغ نحو 17 تريليون دولار في إجمالي الدين في النظام المالي على مدى الأعوام الستة منذ الأزمة. والتمكّن من تخفيض هذا الرقم بلطف يعد من الأولويات. السؤال الحيوي، كالعادة، ما إذا كان بإمكان السلطات الصينية القيام بذلك. التغيّر في متطلبات الاحتياطي للمصارف في الأسبوع الماضي، وهو التسهيل النقدي الفعّال، كان جزءاً من هذه العملية، لكن لا يزال أمامها شوط طويل لتقطعه.

أتول ليلي، كبير الإداريين للاستثمار في شركة ديلتيك الدولية، يُقدّر تدفقات “الأموال الساخنة” من خلال التغيير في احتياطات النقد الأجنبي، وطرح التغيرات التي يُمكن تفسيرها من خلال تدفقات تجارية ومن خلال الاستثمار الأجنبي المباشر. والرصيد المتبقي هو “الأموال الساخنة” التي يمكن نقلها بسرعة من قِبل المساهمين، ويبدو أنه سلبي بشكل حاد.

أين ذهبت؟ بعضها عمل على تغذية الانتعاش في نهاية العام الماضي، الذي شهد بورصة شنغهاي تكسب نحو 40 في المائة في غضون أشهر. والكثير سيكون قد عاد إلى أسواق الأصول المزدهرة في الولايات المتحدة.

هذا سيناريو مُثير للقلق. قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن ما إذا كان ينبغي زيادة أسعار الفائدة هذا الصيف يعد قرارا متوازنا بدقة. تقرير الوظائف القوي الصادر بالأمس، الذي ساعد أيضاً على إظهار أن نقاط البيانات المختلفة التي تعمل ضد الخطوة للوصول إلى أسعار فائدة أكثر طبيعية كانت إما حظوظا أو أخطاء، وهو ما يجعل من الممكن القول إنه يزيد احتمال أن أسعار الفائدة الأمريكية سوف ترتفع بالفعل هذا الصيف.

هذا الأمر مهم بالنسبة للأسواق الناشئة، ولا سيما الصين، التي تقودها تدفقات الدولارات. عندما بدأت الأموال تتدفق مرة أخرى إلى الولايات المتحدة في أيار (مايو) 2013، حين تحدّث الاحتياطي الفيدرالي عن “الانسحاب التدريجي” من برنامج التسهيل الكمي لعمليات الشراء، قام عديد من الأسواق الناشئة بالبيع على الفور. وأي زيادة في أسعار الفائدة الأمريكية من شأنها تكثيف مثل هذه المشكلات. كل هذا يعد انعكاسا للحظ. في أواخر عام 2008 كان التحفيز المالي القوي من قِبل الصين هو الذي ساعد على إنقاذ بقية العالم من الكساد العظيم. الآن الصين بحاجة إلى المساعدة من الصادرات إلى الولايات المتحدة. بالتالي، الاقتصاد الأمريكي الأقوى، والدولار والطلب الأقوى الذي يعنيه، ينبغي أن يكون مفيداً. لكن النقد الأجنبي قد يكون مثل حجر عثرة في غاية الأهمية.

الصين، التي طالما انتقدت العملة الضعيفة بشكل مصطنع، سمحت بزيادة قيمة عملتها بلطف مقابل الدولار خلال الأعوام الخمسة الماضية. ومع إقدام بنوك مركزية أخرى على تسهيل السياسة النقدية بشكل كبير، وبالتالي إضعاف عملاتها مقابل الدولار، تقلصت القدرة التنافسية في الصين بدرجة كبيرة. لقد سمحت الصين لعملتها أن تضعُف بنسبة 3 في المائة تقريبا مقابل الدولار على مدى العام الماضي. والمزيد من قوة الدولار قد يؤدي إلى إضعاف بنسب أكبر، الأمر الذي يمكن أن ينطوي على تأجيج “حرب العملات”.

والكيفية التي سيتكشف بها هذا الأمر بالنسبة للمساهمين تبقى صعبة. وتُشير التقييمات المعروضة في الولايات المتحدة والأسواق الناشئة إلى أن الانتقال الثابت من الأول إلى الثاني ينبغي أن يكون مثمراً خلال العقد المقبل، أو ما بعده. والتخلّي عن الأسواق الناشئة تماماً من غير المرجح أن يكون مثمراً.

لكن الانفصال بين الولايات المتحدة القوية وبقية العالم يُصبح أعمق. وأية تحوّلات كبيرة في توزيع الأصول ستكون غير حكيمة حتى يعمل هذا الانفصال على تطوير نفسه.