IMLebanon

الثروة والبعد الروحي في الصين الجديدة

AgeOfAmbition

طويلة هي سلسلة الكتب التي عرفتها رفوف المكتبات الغربية والتي جعلت من الصين «الصاعدة» موضوعها. من بين هذه الكتب العمل الأولّ للصحافي الأميركي «ايفان اوسنوس»، الذي عمل لحوالي عقد في الصين، ووصفته صحيفة «واشنطن بوست» بما مفاده أنه «رسم وشرح الصين الجديدة أفضل من أي كاتب آخر في الغرب أو في الشرق». يحمل هذا الكتاب عنوان «عصر الطموح».

ويحاول المؤلف على مدى صفحات هذا الكتاب أن يشرح التغير بـ «نسخته الجديدة» الذي عرفته الصين على صعيد أنماط علاقة الأفراد، الصينيين، مع البنى الاجتماعية التقليدية الراسخة، والتي ليس أقلّها الأسرة والمعتقدات الموروثة والعلاقة مع المكان والانتقال نحو المراكز الصناعية الكبرى. وهذا ما تتم الدلالة عليه في العنوان الفرعي للكتاب «الثروة والحقيقة والبعد الروحي ــ المعتقد ــ في الصين الجديدة».

يقدّم المؤلف لقارئه رواية تلك الرحلة التي قام فيها برفقة مجموعة من السائحين الصينيين الذين زاروا خلال عشرة أيام خمسة بلدان أوروبية في حافلة ركّاب اجتازتها بسرعة فائقة. وكان كل سائح صيني قد أودع مبلغا يعادل 7600 دولار أميركي لضمان عدم انسحابه.

وبعد أن يشير ايفان اوسنوس إلى أن الكثير من الصينيين هم بصدد الإبحار في محيط هائج مترامي الأطراف «بدون بوصلة»، يقدّم هو نفسه تجربته في معايشتهم عن قرب من أجل أن «يفهم» عالمهم. وكذلك من أجل تقديم الصين الجديدة عبر تجارب «طبقة وسطى وليدة مزدهـــرة»، و«ترغب في التعرّف على العالم الخارجي»، ولكنـــها تخشى حتى الآن أن تقوم بـ «مغامرة التعرّف على انفراد».

ومن الثوابت التي يحددها المؤلف في الصين الجديدة أن علاقة السلطة ممثّلة بالقيادة السياسية للحزب الشيوعي الصيني بالمواطن لا تزال هي علاقة «تبعية دائمة» من هذا الأخير، المواطن الصيني للدولة. والأمثلة التي يسوقها المؤلف على ذلك كثيرة، ولـــــيس أقلّها أن الفائز بجائزة نوبل للسلام ليو كزياوبو موجود في السجن.

واتجاه آخر يحدده بالبحث الحثيث أيضا، لدى نسبة مهمّة من الصينيين عن ضرورة التمسك بمنظومة من القيم الصينية التقليدية التي أعطت للصين طيلة تاريخها تفرّدها وسمات تميّزها. وتثبيت مفهوم أن هناك شيئا آخر أهم من النجاح الاقتصادي ومن المال. وهذا ما يشرحه المؤلف باسم البعد الروحاني في الصين اليوم. على الصعيد السياسي يشرح المؤلف أنه ليس من السهل التعرّف على البنية الحقيقية للسلطة في الصين.

ذلك أن أسرارها تبقى محميّة بستار كتيم لكل من هم خارجها. التوصيف الذي يقدمّه لتلك البنية هي أنها مزيج من «الأقنعة الخادعة» و«العلاقات الشخصية»، بحيث يغدو من الصعب كثيرا في جميع الأحيان معرفة «حقيقة» القادة الذين يحكمون الصين و«حقيقة» ما يفكرون فيه وما يريدون فعله وما يختلفون فيه من صفات فيما بينهم. في جميع الأحوال يتحدّث المؤلف عن «أنصاف حقائق» أو عن «حقائق غائبة» أو حتى عن «أكاذيب»، فيما يقال عن أولئك الين يحكمون حوالي مليار ونصف المليار من سكان العالم اليوم.