Site icon IMLebanon

الأثر البيئي يُعَمِّقُ تعقيدات ملف النفط والمطلوب «لبننة» القوانين الدولية

OilPollutionBeach
رائد الخطيب
تشير التقديرات كافة الى أنَّ الاحتياطات المتوافرة من النفط والغاز في الشواطئ اللبنانية، تقدّر قيمتها بمئات مليارات الدولارات، إلا أنها تبقى في قعر البحر. ويبدو كل ذلك بمثابة حلم بفعلِ الانقسام السياسي حول هذا الملف والذي يتجلى في عدم توقيع الحكومة على مرسومي النفط، مضافاً الى ذلك التطورات الدراماتيكية للحرب السورية التي ترخي بثقلها على لبنان.

ولم تثمر النقاشات السياسية بين الكتل النيابية، الى الآن عن حلحلة في ملف التنقيب عن النفط، واقرار المرسومين المرتبطين بهذه العملية، الأول متعلق بالاتفاق مع الشركات، والثاني بتقسيم البلوكات الـ10 في المياه اللبنانية، في حين ان هذا الوقت الذي يتم هدرهُ تستفيد منه اسرائيل، في مد يديها الى المياه الاقتصادية الخالصة للبنان، كما أنَّ قبرص لا تعيرُ أي اهتمام للحدود المرسومة معها، فيما سوريا منشغلة بمشكلاتها الداخلية ولم ترسم أي حدود برية مع لبنان، فما بالها بالحدود البحرية.

ويكشف تقرير مالي ومصرفي (أعدته وحدة الابحاث الاقتصادية في بنك الاعتماد اللبناني)، الى تقدير الإنعكاسات المحتملة لإستخراج النفط والغاز من المياه الإقليميّة اللبنانيّة على أبرز المؤشّرات الإقتصاديّة وذلك وفقاً لبعض الفرضيّات المعتمدة. ويفترض السيناريو الذي تمّ إعتماده أن تراوح إحتياطات لبنان النفطيّة ما بين الـ440 والـ675 مليون برميل من النفط (وقد تمّ إعتماد متوسّط هذه الأرقام أيّ 557.5 مليون برميل من النفط في الدراسة) وذلك بحسب تقديرات شركة بيسيب فرانلاب (Beicip Franlab) الفرنسيّة. كما يعتمد هذا السيناريو على وجود إحتياطات من الغاز تراوح بين 12 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و25 في النصف الجنوبي من المياه الإقليميّة اللبنانيّة، وذلك بحسب نتائج المسح الجيولوجي الذي أقامته شركة سبيكتروم البريطانيّة. وتجدر الاشارة الى ان أسعار النفط والغاز المعتمدة في التقرير تتمحور حول توقّعات وكالة الإحصاء والتحليل ضمن وزارة الطاقة الأميركيّة للفترة الممتدّة بين العام 2020 والعام 2039. وتراوح هذه الأسعار بين 4.96 مليارات دولارات لكل قدم مكعّب من الغاز في العام 2020، و12.04 مليارا لكل قدم مكعّب من الغاز في العام 2039، وبين 109.37 دولارات لكلّ برميل من النفط في العام 2020، و224.62 دولارا لكلّ برميل من النفط في العام 2039. ويتوقّع التقرير أن يبلغ إنتاج لبنان السنوي من النفط 3.05 مليارات دولار في العام الأوّل من الإستخراج (2020( في حين تم تقدير إنتاج الغاز بـ 4.96 مليارات دولار.

في هذا الإطار، فإنّ إنتاج لبنان من النفط و الغاز يقدّر بـ8.01 مليارات دولار خلال السنة الأولى، الأمر الذي من شأنه أن يرفع الناتج المحلّي الإجمالي للبنان إلى 77.60 مليار دولار في العام 2020 مقارنةً مع توقّعات بأن يبلغ هذا الناتج 69.59 مليار دولار في غياب إنتاج النفط والغاز. بالإضافة إلى ذلك، تتوقّع الدراسة بأنّ يتحوّل العجز في الحساب الجاري إلى فائض بقيمة 0.42 مليار دولار خلال العام 2020 (مقارنةً مع عجز بقيمة 4.39 مليارات دولار بناءً على إستقرائنا لتوقّعات صندوق النقد الدولي في حال غياب إنتاج النفط والغاز)، وأن يرتفع هذا الفائض تدريجيّاً إلى 2.87 ملياري دولار في العام 2039 (مقابل عجز بقيمة 8.12 مليارات دولار). ويتوقّع السيناريو المعتمد أن تتخطّى إجمالي إيرادات الحكومة من إستخراج النفط والغاز عتبة الـ113 مليار دولار خلال فترة الـ20 عاماً من الإستخراج، مشكّلةً بذلك حوالى 45 في المئة من إحتياطات لبنان من النفط والغاز في مياهه الإقليميّة.

ثماني دول عربية بدأت إنتاج النفط منذ عقود، وبعضها أعضاء في منظمة أوبك، لا يزالون يعانون الفقر، والبطالة، وهجرة الشباب رغم احتياطاتها الضخمة أو متوسطة النفط، وهو ما تتخوف كثيراً منهُ مؤسسات الرقابة على الفساد. علما ان سفير النروج في لبنان سبق وأنْ نبه الى تفادي لعنة الموارد النفطية، وذلك بعدم الاتكال عليها في الموازنات المالية بعد عمليات الانتاج، كي يبقى للأجيال المقبلة حصة وكي يجد لبنان من ينقذه من عثراته في حال انخفاض الاسعار أو في حال تدهور وضعه المالي أكثر، وتحقيقاً للشفافية.

الشق البيئي

هناك تخوف آخر يتعلق بالاثر البيئي. وقالت المهندسة النفطية رنا الزعبي «ان المياه الإقليمية اللبنانية تشكل جزءاً من الحوض الشرقي العميق للبحر الأبيض المتوسط الذي يحتوي احتياطات هيدروكربونية مؤكدة وتغطي المنطقة البحرية اللبنانية ما مجموعه 730.22 كيلومترا مربعا شرقي البحر المتوسط، ويعتبر الحوض الشرقي للبحر المتوسط أكثر ميادين التنقيب تشويقاً في المنطقة».

وأوضحت في لقاءٍ مع «المستقبل»، أنَّ الحديث عن دراسة الأثر البيئي لخيار التنقيب واستخراج النفط والغاز غير واضح المعالم. فرغم أن وزارة البيئة بدأت بالتفكير والإعداد لمراقبة القطاع فإنها لا تزال تعاني نقصا وشحّا في المعلومات والقدرات للرقابة والرصد وتطبيق المعايير البيئية. فالدراسات المتوافرة حتى الآن حسب مركز علوم البحار هو على عمق متر فقط، مع العلم أن دراسة الأعماق تتطلب إمكانات أكبر خاصةً وأن الغاز المتوقع يُعتقد وجوده على عمق متر وأكثر. وهذا يتطلب إمكانات أكبر بكثير من المتوافرة حالياً في لبنان لدراسة التنوع البيولوجي وخصائص المياه، فكيف ستتم مقاضاة الشركات إذا حصلت حوادث تسرب نفطي وتلوث وعلى أي بيانات ومعلومات سنستند لتقويم الأضرار ومقاضاة المسببين لها.

وذكرت فتّال «نحن لا ننسى الكارثة البيئية التي حدثت في لبنان سنة عقب حرب تموز عندما حصل تسرب لخزان فيول في محطة الجية( لتوليد الكهرباء) مما أدى إلى تلوث المياه البحرية جراء النقص في المعدات والتجهيزات والمقدرة لدرء هذا التلوث كانت ضعيفة. لذلك من المهم للحكومة أن تطور وتحدّث التشريعات البيئية القائمة والمتعلقة بأنشطة النفط والغاز وأن تضع آلية للرصد وذلك بمساعدة خبراء على أن يوضع إطار تشريعي شامل للصحة والسلامة البيئية HSE، ووضع آلية للرصد تأخذ بالإعتبار السياق اللبناني وأن يُعاد إحياء هيئة الطوارئ التي تتعلق بالتلوث النفطي والتي أُنشئت سنة ثم اختفت».

ورأت أنه من الضروري «تسليط الضوء على المخاطر البيئية المحتملة للتنقيب واستخراج النفط والغاز في شمال لبنان مثلاً قبالة طرابلس. فمن الممكن أن يحدث تسرب النفط جراء التنقيب والإستخراج، مما يؤدي إلى تلوث البحر خاصةً وأن هذا يحصل في بلدان متطورة مثل الحادثة الشهيرة التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة في خليج المكسيك عندما حصل تسرب للنفط في البحر مع كبرى الشركات العالمية british petroleum وقد تأخرت كثيراً لوقف المشكلة مما أدى إلى كارثة بيئية لا زالت تداعياتها حتى اليوم، فكيف لبلد مثل لبنان ليس لديه الخبرة الكافية ولا الإمكانيات ولا الإدارة الجيدة الشفافة أن يفعل في حال حدوث هكذا حوادث؟».

وإذ أبدت تخوفّها على التنوع البيولوجي في البحر اللبناني، أشارت الى أنّ عمليات الحفر قد تسبب اهتزازات لقاع البحر وضجيجا وقد تنقل السفن الأجنبية الخاصة بالتنقيب أمراضا معدية من أماكن قدومها وهناك الأضرار البيئية التي تنتج من المخلفات والوحول والمواد الكيميائية المستعملة والتي ترمى عادةً في البحر أو على الشاطئ، لافتةً الى أنَّ التنقيب قد يسبب تآكلاً للشاطئ وتشويها للمنظر الطبيعي مما يؤثر على السياحة البحرية البيئية».

وقالت فتال «لدينا مخاوف كثيرة بشأن قدرة وزارة البيئة على إدارة المخاطر البيئية المتعلقة بتطوير قطاع النفط والغاز خاصةً بعدم وجود هيئة طوارئ للحالات الطارئة من تسرب نفطي وغيرها وعدم وجود الإمكانيات والميزانية والأجهزة اللازمة. لهذا فهناك حاجة لبناء قدرات وزارة البيئة لإدارة المخاطر البيئية والرصد والإنقاذ بما في ذلك تطوير قدرات ومهارات الموظفين والعاملين بهذا القطاع وإنشاء قسم خاص للنفط والغاز ضمن وزارة البيئة وأن يكون هناك إدارة وحوكمة بيئية رشيدة وشفافة ومن المهم وضع إجراءات صارمة تتعلق بالمسؤولية البيئية لشركات التنقيب الخاصة والعامة وإقامة مبادرة شراكة بينهما وهناك دور المجتمع المدني في لبنان حيث يجب وضع استراتيجية للعمل كمجموعات ضغط».

وأوضحت المهندسة النفطية أنه توجد «ثغرات كثيرة في البيانات البيئية الأساسية التي بجب ملؤها لدعم رصد الآثار البيئية المستقبلية لتطوير قطاع النفط والغاز في لبنان، وذلك قبل البدء بالتنقيب ورصد التنوع البيولوجي في أعماق البحر وذلك بالتعاون مع المركز الوطني للعلوم ووزارة البيئة والزراعة والإقتصاد والسياحة ونقابة الغطاسين والصيادين وفروع الدراسات المختصة في الجامعات والمعاهد، وإقامة دورات علمية وتوعية للمخاطر البيئية وورش عمل تدريب وإصدار تقارير دورية حول السلامة العامة وأن تكون هذه التقارير شفافة ونزيهة. كذلك فإن الإدارة السليمة تتطلب مراجعة القوانين الدولية ولبننتها واعتماد منهجية محددة لإدارة المخاطر».