عالم الاستثمار يُصبح أكثر غرابة يوماً بعد يوم. الأسبوع الماضي، كتبتُ عن العالم الغريب لأسعار الفائدة السلبية في سويسرا والدنمارك وعن العوائد السلبية، حيث الناس يدفعون لبعض الحكومات مقابل امتياز إقراضهم الأموال. (المقال بعنوان: “العائدات السلبية موجودة في كل مكان حولنا” ـ “الاقتصادية” 3/2/2015).
منذ ذلك الحين اتخذت الأمور منحى أكثر غرابة. العوائد على السندات التي أصدرتها نستله كانت سلبية، ما يعني أن المساهمين كانوا يدفعون مقابل سندات نستله أكثر مما يعرفون أن من الممكن استعادته على شكل مدفوعات الفوائد ورأس المال.
وهذا دفع بعض المحللين إلى الإشارة إلى أنه، في بيئة انكماشية، قد يُصبح قريباً من المنطق بالنسبة للشركات المتينة أن تقدّم سندات مؤسسية بدون دفع أي فائدة على الإطلاق. لاحظ أنه إذا كان عليك الدفع لشراء سندات حكومية “آمنة” أو دفع المال من جيبك مقابل وضع أموالك في حساب ودائع، فإن إعطاء أموالك لشركة دولية ممتازة لاستخدامها مجاناً لعام أو عامين لا يعتبر أمراً غبياً كما يبدو.
كذلك يبدو منطقياً الدفع مقابل أي عائد يمكنك الحصول عليه على الأسهم أكثر بكثير مما يكون قد خطر على بالك أصلا في بيئة أقل تلاعبا من الناحية المالية.
وهذا يجعل من المستحيل أكثر بكثير بالنسبة للمحللين المنطقيين أن يتوقعوا اتجاهات السوق بالكامل. لكن الفكرة هي ما يلي: ضمن كل هذا الجنون، هناك شيء يُصبح أكثر عقلانية. هذا الشيء هو بنية صناعة الخدمات المالية.
لو أنك سألت أحد مديري الصناديق قبل عشرة أعوام عن الرسوم المترتبة على صندوقه، فإن الاحتمالات هي أنه لم يكُن سيعرف. وإذا سألت مستشارك المُنحاز للعمولة فلن تحصل منه على إجابة صريحة. الآن الأول سيعرف الإجابة الكاملة – ليس فقط رسوم الإدارة، لكن أيضاً العمولات، وتكاليف صرف العملات الأجنبية وما شابه ذلك.
وفي أعقاب مراجعة توزيع تجارة التجزئة، سعر الاستشارة وسعر صندوق استثماري لم يعُد متشابكاً، لذلك مستشارك ينبغي أن يكون سعيداً بإخبارك أيضاً.
الأفضل من ذلك، عندما يفعلون ذلك، فإن الأرقام غالباً ما تكون أقل بشكل كبير جداً مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. الفصل بين العمولة ورسوم إدارة الصندوق يعني أن تكاليف شراء أي منتج لا تصبح فقط أكثر شفافية، ولكن أرخص أيضاً.
يتقاضى مديرو الصناديق الآن رسوما أقل بكثير من 1 في المائة سنوياً لإدارة صناديق جيدة. قبل بضعة أسابيع سمعنا عن صندوق جديد سيحاول المساواة بين مصالح المساهمين المديرين من خلال عدم فرض أي رسوم باستثناء رسوم الأداء. إذا لم يكُن هناك تفوّق في الأداء، لن تكون هناك أي رسوم. هذا الأسبوع، أعلن نيل وودفورد عن هيكلة فرض رسوم مماثلة لصندوقه الاستثماري الجديد.
أخيراً، حرب الأسعار المستمرة في سوق الصناديق التي يتم تداولها في البورصة – التي تمتد إلى سوق الصناديق التي تُدار بفعالية – تعني أن بإمكانك الآن تجميع محفظة غير فعّالة جيدة تماماً ووضعها في واحدة من منصات وسطاء الأوراق المالية على الإنترنت مقابل رسوم تبلغ أقل بكثير من نصف في المائة.
إذا اشتريت متابع الأسهم لمجموعة فانجارد، ستدفع 0.07 في المائة سنوياً. وستكون هناك رسوم منصة فوق ذلك، لكن الصندوق مجاني من الناحية العملية. لقد كتبت هنا قبل بضعة أشهر عن شعوري بالإحباط لأن المزيد من الصناديق لم تكشف تلقائياً عن حصتها الفعّالة، الرقم الذي يُظهر لك إلى أي مدى قامت بإضافة قيمة، وإلى أي مدى تقوم ببساطة بمتابعة المؤشر.
أنا أشعر بإحباط أقل منذ الآن. لقد أخبرتني عدة شركات أنها تنوي إضافته إلى نشراتها الخاصة للمستثمرين. وقامت شركة هارجريفيز لانسداون بإعطاء رقم لصندوقها الجديد، صندوق النمو إتش إل متعدد المديرين في المملكة المتحدة (نسبة منخفضة نوعاً ما تبلغ 55 في المائة لأولئك المهتمين بهذا النوع من الأشياء).
وهذا يقودني إلى وسطاء الأوراق المالية على الإنترنت. في عام 1995 لم أكن أعرف شيئاً عن شركة هارجريفز لانسداون. لكن في التسعينيات بدأوا برد العمولات الأولية الكبيرة التي تُدفع عادة للمستشارين الماليين المستقلين إلى المستثمرين. وفي عام 2000 أدخلوا خدمة فانتاج التي أدت إلى إحداث تعطيل تام في السوق للاستثمار الفردي في المملكة المتحدة. والآن، حتى الأشخاص المثقفين مالياً بشكل غامض يديرون حسابات التوفير الفردية ومعاشات التقاعد الشخصية الخاصة بهم على الإنترنت – والأمر يُصبح أرخص وأسهل في كل الوقت. لذلك تم الإعلان عن المزيد من تخفيضات الأسعار الأسبوع الماضي.
ويستمر كثيرون في سؤالي عن السبب في أنه لم يتم تعطيل سوق إدارة الثروات بشكل صحيح. لكن أعتقد أن هذا مثل إشارة واحدة على وشك أن تحدث. إذا أردت أن يتم إدارة أموالك نيابة عنك، بإمكانك الذهاب إلى الإنترنت بمبلغ قليل يصل إلى خمسة آلاف جنيه وجعل شركة مثل ناتميج، ويلث هورايزن أو موقع Investoryourway.com يتولى ذلك مقابل عمولة تبلغ 1 في المائة أو أقل سنوياً. وستطلق هارجريفز لانسداون خدمة تقديرية مقابل ما تقول إنها عمولة شاملة تبلغ أقل من 2 في المائة.
هذه الأسعار مرتفعة جداً – إذا كنت مسالماً بما فيه الكفاية، بإمكانك أن تحصل على مدير ثروات إنسان يدعوك على الغداء في كل عيد ميلاد مقابل ما لا يزيد كثيراً عن 1 في المائة – لكن سيتم منافستها مع دخول وافدين جُدد إلى سوق إدارة الثروات على الإنترنت.
وهذا يعني أن قطاع إدارة الثروات العالق في أساليبه، حيث لا يزال من الممكن أن تدفع رسوماً تبلغ 2.5 في المائة سنوياً، سوف يتعرض للضغط من أجل سلوك أفضل، تماماَ كما تعرّضت الصناديق الفعّالة للضغط من خلال ظهور الصناديق التي يتم تداولها في البورصة.
الأمر قد يستغرق وقتاً، لكن المنافسة والتعطيل ينجحان بالفعل. عندما بدأت حياتي المهنية، الرسوم القياسية لكل عملية تداول قام بها مدير الثروات التقديرية لأحد العملاء كانت 1.8 في المائة. وهناك ابتكارات أخرى في الأعوام القليلة الماضية تشمل الإقراض الشخصي والتمويل الجماعي على الإنترنت.
أحدث الابتكارات هنا هي التمويل الجماعي على الإنترنت للشراء من أجل التأجير. أنا عن نفسي بالتأكيد لن أقوم بذلك – فهناك كثير جداً من الأشياء التي قد تحدث بشكل خاطئ – لكني أحب فكرة أن باستطاعتك دخول أحد المواقع الإلكترونية مثل Propertymoose.com والانضمام إلى إحدى مجموعات التمويل الجماعي للاستثمار في منزل مكون من غرفتي نوم في مانشستر.
الناس يشتكون باستمرار من عدم وجود الكثير من الابتكار التخريبي في القطاع المالي في المملكة المتحدة. لكن عندما أنظر حولي، فكل ما أراه إلى حد كبير هو بيئة تتعرض للاضطراب وسريعة التحسّن إلى ما لا نهاية بالنسبة للمستثمر في القطاع الخاص.
والدافع وراء هذا كان جزئياً بسبب دافع المنافسة وجزئياً بسبب عصا التنظيم. لكن في كلتا الحالتين، إنه أمر جيد للغاية.