كتبت رولا حداد
يطلّ عيد مار مارون هذه السنة والمسيحيون عموماً والموارنة خصوصا في أسوأ حالاتهم. كرسي رئاسة الجمهورية شاغرة للمرة الثالثة بعد العام 2008 وقبلها العام 1988، ولكن هذه المرة من دون أفق بفعل تراجع الاهتمام الدولي بلبنان بسبب أزمات المنطقة. دور بكركي الى تراجع كبير لأسباب لا مجال لذكرها. والأحزاب والسياسيون المسيحيون عاجزون عن التغيير بفعل المواجهات الإقليمية والدولية التي تنعكس عليهم تحت عنوان عريض هو الفتنة السنية- الشيعية.
261 يوماً بلا رئيس للجمهورية، ولا شيء يوحي بانتخاب رئيس جديد في المدى المنظور. بات موضوع رئاسة الجمهورية ثانوياً بالنسبة الى الكثيرين من أركان السياسة اللبنانية، الذين يعتبرون أن النزول الى مجلس النواب وتأمين النصاب لانتخاب الرئيس العتيد أمر يحتمل التأويل والاجتهادات عوض أن يكون واجباً مقدساً لا يتقدّم واجب عليه!
بات انتخاب رئيس جديد يستلزم حلّ كل الخلافات المسيحية- المسيحية، والأهم انتظار نتائج المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة لمعرفة التوجه الدولي حيال الموضوع. والكارثة الكبرى أن مسيحيين وموارنة يتعمّدون تعطيل الانتخابات الرئاسية في رهان يائس على ظروف دولية أو اتفاقات نووية قد تسهّل وصول هذا أو ذاك الى قصر بعبدا!
بكل أسف باتت الساحة المسيحية عامة والمارونية بشكل خاص تخضع لمزاجية البعض الذي يعتبر أن شخصه أهمّ من موقع الرئاسة، وبالتالي لا رئاسة من دونه، أو بالأحرى من دون أن يكون هو الرئيس!
ما لا يدركه المسيحيون، وبعض القادة الموارنة تحديداً، هو أنهم باتوا اليوم كمن يلحس المبرد، فيستلذون بالتعطيل من دون أن يدروا أنهم بتعطيلهم إنما يضربون رئاسة الجمهورية والجمهورية بكاملها.
هل يُعقل ان كتلة نيابية مسيحية تبرّر مقاطعتها لجلسات انتخاب الرئيس بأن الرئاسة يجب أن تكون لشخص واحد دون غيره؟!
وهل يُعقل أن تجري حوارات مسيحية- مسيحية لا يكون انتخاب رئيس جديد البند الوحيد على جدول أعمالها وتمتنع عن أي شيء آخر قبل إنجاز هذا الاستحقاق؟
وهل يُعقل أن يعتصم جميع النواب المسيحيين في مجلس النواب حتى انتخاب رئيس جديد؟!
ثمة إشكالية جوهرية في الداخل المسيحي الذي فقد ديناميته وإيمانه بقدرته على التغيير، في موازاة التفاف شيعي لعدم إحداث أي فراغ على صعيد السلطة التشريعية التي يقودها في التركيبة اللبنانية رئيس مجلس نواب شيعي، وحرص سني على عدم إفراغ موقع رئاسة الحكومة، وهو ما يفسّر بقاء الحكومة الحالية أيا تكن الأثمان لأن لا قدرة على تكليف شخصية لتشكيل حكومة جديدة، رغم أن هذه الحكومة ولو استقالت ستبقى تصرّف الأعمال!
هكذا تبقى المعادلة لدى السنة والشيعة أن الموقع أهم من اسم الشخصية، في حين أن بعض المسسيحيين والموارنة يصرّ على أنه إما يكون الموقع لشخصه وإما لا لزوم له!
يمر عيد مار مارون هذه السنة حزيناً. قصر بعبدا فارغ تحت شعار أننا نريد رئيساً قوياً ونريد استعادة الجمهورية، في حين أن لا جمهورية في ظل الفراغ الرئاسي. لا بل إن هذا الفراغ بات يهدد أسس الكيان في ظل أزمة تهدد بتغيير هوية المنطقة برمتها.
قد يكون من المفيد في عيد مار مارون أن ينير أب الطائفة المارونية ضمائر البعض ويذكرهم بالمقولة الشهيرة “عند تغيير الدول إحفظ رأسك”، ليدرك هذا البعض أنه في ظل الإعصار المذهبي الذي يضرب منتطقة الشرق الأوسط من المفيد أن نحفظ رأس الجمهورية في انتظار فرصة أفضل، وذلك لا يتم إلا عبر انتخاب رئيس للجمهورية الآن الآن وليس غداً، قبل أن تسقط الجمهورية الى غير رجعة ونندم على ما اقترفته أنانيتنا وهوسنا بالسلطة على حساب الجمهورية!