Site icon IMLebanon

أشكال التنظيم «الرقمي» متسارعة النمو

ExponentialOrganisations

من المؤكّد أن الثورة الرقمية غيّرت الكثير في عالم الأعمال وشتى النشاطات التي يمارسها البشر وطرق تنظيمها. والباحث هندي الأصل «سليم إسماعيل»، أحد الخبراء الاستراتيجيين في «وادي السيليكون» ونائب الرئيس السابق لمجموعة محرّك «ياهوو» للخدمات المعلوماتية، يكرّس كتابا تحت عنوان «أشكال التنظيم ذات النمو المتسارع».

وهو يشرح فيه كيف أن التكنولوجيات الرقمية الحديثة زادت كثيرا من قدرة البشر على تحقيق «نمو متسارع» في حجم نشاطاتهم ومعاملاتهم حسب المنطق الرياضي الذي يتم التعبير عنه بـ«الأسّ» أو «الدالّة»، وما يعني الزيادة أضعاف الرقم الذي يتم التأسيس عليه.

ويشرح المؤلف بداية في لمحة تاريخية عن مفهوم الإنتاج والمردود، أن القاعدة السائدة في الجزء الأكبر من التاريخ الإنساني كلّه، كانت تتمثل غالبا في القول ان المردود الإنتاجي لأية مؤسسة أو مشروع أو شركة يرتبط أساسا بالقوى البشرية بحيث إن مضاعفة عدد العاملين يُفترض أن تتناظر مع مضاعفة الإنتاج في كل الحالات المعنيّة.

ومع حلول الثورة الصناعية الكبرى، اعتبارا من القرن الثامن عشر وازدهارها اعتبارا من القرن التاسع عشر انطلاقا من القارّة الأوروبية، حلّت الآلة تدريجيا أكثر فأكثر مكان القوى البشرية بحيث بلغ إنتاجها عدّة أضعاف ما يمكن لطاقة العاملين البشرية إنتاجه وبحيث إن سرعة الإنتاج تضاعفت ثلاث مرّات للمرّة الأولى في التاريخ.

ثمّ يحدد «سليم إسماعيل» القول أن التكنولوجيات الرقمية التي سلكت مسارا تطوريا بوتيرة عالية التسارع خلال العقدين الأخيرين عرفت انبثاق «نوع جديد من التنظيم» هو الذي يطلق عليه تسمية «التنظيم ذو النمو المتسارع»، كما يقول عنوان كتابه.

هذا على أساس ان التكنولوجيات الجديدة «زادت كثيرا من قدرات الإنسان». هذه الزيادة يحدد مصادرها بالعديد من ثمرات الثورة الرقمية. هكذا «أمّنت شبكات الانترنت قيام علاقات ــ مباشرة ــ على الصعيد العالمي، الكوني». هذا فضلا عن جعل الكلفة الخاصّة بالعرض والطلب تقترب من أن تكون غير موجودة وهي التي كان التوازن في حسابها، أي الكلفة، يشكّل إحدى القواعد «التجارية الصارمة» في نشاط المؤسسات والشركات حتى فترة قريبة من الزمن.

ويشرح المؤلف بإسهاب أنه سيكون على البشر، الآدميين، أن يتعلّموا بعض «قواعد التعايش» مع البشر الآليين، الروبوت. هذا خاصّة أن السياق الجديد الذي يعيشه العالم اليوم قد تكرّس بفعل نتائج الثورة الرقمية سيدفع المؤسسات إلى «الاستغناء أكثر فأكثر عن رأس المال البشري وعن الجهود البدنية» واستبداله باللجوء إلى تكنولوجيات الثورة الرقمية.

ويرى المؤلف أن مثل هذا الواقع ستكون له آثاره العميقة على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وقبل كل شيء الاقتصادية.

هكذا يتوقع أنه ليس بعيدا الزمن الذي سيشهد تشكيل «جمعيات للدفاع عن البشر الآليين» على غرار تلك التي قامت في الماضي غير البعيد لــ«الدفاع عن الحيوانات». والإشارة في مجال السياسة أن ردود فعل رجال السياسة «لا ترقى إلى مستوى ما يتطلّبه عالم تتسارع تحولاته».

وتصل «صورة ما سيعرفه العالم مما هو جديد» إلى ما هو أبعد والقول إنه «ربما» سيتم التفكير بتأسيس «نقابات» من «البشر الآليين للدفاع عن حقوقهم». والقول إن مثل هذه التوقعات، رغم ما تتسم فيه من «اللاعقلانية»، ليست أغرب مما تمّ تحقيقه حتى الآن ويفوق «الخيال العلمي». وتحقيق ذلك بوتيرة متسارعة تفوق الخيال أيضا.

يشير المؤلف بهذا الصدد أن تأسيس شركة كبرى كان يتطلّب سابقة سنوات عديدة تبعا لحجمها بينما يقدّم الأمثلة عن شركات ومجموعات عملاقة جرى تأسيسها في ظل التكنولوجيات الجديدة خلال أشهر قليلة وتستطيع التحرّك «بسرعة الضوء».

تبقى الأطروحة المركزية في هذا الكتاب هي في شرح المؤلف أن النمو ذا النمو المتسارع الذي تعرفه الشركات والمجموعات لا يتأتّى من «التكنولوجيا بذاتها» ولكن من الـ«الطريقة التي يتم فيها تنظيمها». وكتاب ــ دليل عملي في التنظيم وسبل زيادة الفعالية في عالم اليوم.